أموال العرب في خدمة أعداء العرب

 
آلاف المليارات من الدولارات الاميركية مودعة في حسابات بنوك الغرب، أميركية في غالبيتها، وهي الأرصدة الناتجة عن مداخيل النفط للعديد من الدول العربية في الخليج الغنية جداً، والتي أنعم الله عليها بآبار من النفط أو البترول! هذه الأرصدة لا تُستغل ولا تُستثمر، وحتى أن هذه الدول العربية، وانطلاقاً من موقف ديني، ترفض الحصول على فوائد هذه الأرصدة التي تقدر بعشرات المليارات سنوياً، فتذهب بالتالي لصالح الولايات المتحدة التي تقدم منها مساعداتها الكبيرة لدولة اسرائيل، أو تذهب لأصحاب هذه البنوك الذين هم رجال أعمال وغالبيتهم من اليهود الذين يدعمون دولة اسرائيل.
وفي المقابل، هناك دول عربية فقيرة جداً، وبالاضافة إلى فقرها نتيجة عدم توفر موارد طبيعية تؤمن لها دخلاً ثابتاً ولو بسيطاً، فإنها مديونة بعشرات المليارات من الدولارات، وهذه الديون ليست عبئاً على الدولة بقدر هي حمل ثقيل جداً على كاهل كل فرد من أبناء شعب هذا القطر العربي أو ذاك.. فلبنان يعاني من ديون تجاوزت الخمسين مليار دولار، ومصر تعاني، وكذلك الأردن والسلطة الفلسطينية والسودان والصومال وموريتانيا وتونس.. الخ، أي أن في عالمنا العربي دولاً غنية ودولاً فقيرة تعاني من الديون.
لو كان هناك انتماء عربي لدى قادة الدول الغنية فإن الدول العربية لن تتسول على باب البنك الدولي، ولن ترجو من الدول المانحة توفير دعم لها، أو منحها قروضاً بشروط صعبة وأحياناً مهينة.
ولو كان قادة دول الخليج الذين يعتبرون أنفسهم "عرباً"، حريصين على قيام دولة فلسطينية مستقلة، وعلى بقاء السلطة الوطنية قوية لوفروا لها الدعم الذي تحتاجه ليس بالأقوال والكلمات الرنانة، بل بالفعل وبالواقع. ماذا سيؤثر على دول الخليج الغنية لو قدمت مليار دولار أو أكثر للسلطة الوطنية سنوياً، فهل ستحتاج السلطة الفلسطينية إلى مد يد طلب العون إلى دول غربية، لتشكّل هذه المساعدات وسيلة من وسائل الضغط على القيادة الفلسطينية لتقديم تنازلات لاسرائيل.
ماذا يضر أو يؤثر على هذه الدول الغنية لو قدمت مساعدات مالية سخية للفقراء في عالمنا العربي. لماذا يجب على وكالة الغوث وحدها أن تقدم مساعدات انسانية لأبناء شعبنا في المخيمات سواء في الداخل أو الشتات، لماذا لا يكون الدعم المالي العربي لوكالة الغوث كبيراً حتى تبقى الوكالة قوية، وبالتالي تحافظ بذلك على حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
لننظر إلى المخيمات التي تقام في الأردن للاجئين السوريين نتيجة المؤامرة التي تتعرض لها سورية.. هؤلاء اللاجئون يعيشون في وضع صعب، فالحكومة الأردنية تقدم لهم كل ما تستطيع عليه، ولكن هذا العدد من اللاجئين بحاجة إلى أكل ومشرب يومياً يقدر بالملايين.. ونجد، وللأسف، أن مؤسسات دولية تقدم المساعدات الإنسانية المختلفة عبر التنسيق مع الأردن، في حين أن دول الخليج لا تقدم أية مساعدة، بل تَدّعي أنها مع الشعب السوري في حين أنها تقف ضد هذا الشعب، وتساهم في تدمير وطنه من خلال دعمها للمسلحين الذين يعيثون دماراً وخراباً في سورية، أي أن بعض قادة الدول العربية مستعدون لتقديم مساعدات بعشرات المليارات من الدولارات لتدمير سورية واسقاط الدولة فيها تلبية لأجندة أو مخطط خارجي يستهدف أمتنا العربية، ولكن قادة هذه الدول غير معنيين بتقديم مساعدات مالية للاجئين يعانون من مساعدات ودعم هذه الدول للإرهاب في وطنهم.. أي أن هذه الأموال مخصصة لتخريب وتدمير الأمة العربية، وليس لبناء وطننا العربي، هذا ما يريده أسيادهم في عواصم الغرب، هؤلاء الأسياد لا يريدون رؤية أمة عربية موحدة قوية، يريدونها أمة عربية ضعيفة مقسمة، ومشرذمة، وتتصارع فيما بينها.
سورية ليست مديونة قبل شن المؤامرة عليها، وليست بحاجة إلى مساعدات هذه الدول، بل تقول ويقول كل شريف معها: أوقفوا هدر الأموال في مساعدة الارهابيين والمخربين والقتلة، وإذا كنتم معنيين بمصلحة الشعب السوري فساعدوا اللاجئين أولاً، وقدموا المساعدات الانسانية "غير المسيسة" للشعب السوري.
ونقول وبكل ألم ومرارة وحزن أن أموال العرب ليست في خدمة العرب، وليست في خدمة قضاياهم، بل هي في خدمة مصالح الأميركان وحلفائهم، وهي في الواقع تجنّد لتدمير الدول العربية من خلال السماح للدول الغربية المعادية للعروبة، في التدخل بشؤوننا الداخلية. ونقول وبكل صراحة أن نعمة النفط هي نقمة على العرب لأن أموال هذا النفط لا تستثمر بالصورة الصحيحة والسليمة، بل تستخدم لطعن العروبة، وتشويه صورة الأمة العربية أمام العالم كله.
عندما فكّر الرئيس صدام حسين باستخدام أموال العرب لدعم الإتحاد السوفياتي مالياً في أواخر عام 1989 لمنع انهياره، كانت النتيجة أنه دفع حياته ثمناً لذلك، وأي رئيس يفكر أو يعمل في دعم العروبة والحفاظ عليها والدفاع عن القضايا العربية القومية والوطنية، فإن المؤامرة تشتد وتتصاعد عليه، وسورية مثال حي على ذلك رغم أننا على يقين بأن سورية تختلف عن العراق، وان سورية أقوى من هذه المؤامرة وستسقطها إن عاجلاً أم آجلاً.
ومن أجل أن تكون أموال العرب للعرب لا بدّ من تغييرات في هذه الدول العربية الغنية، ولا بدّ من أن يكون هناك قادة وطنيون قوميون أمثال الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله، والعاهل السعودي الراحل الملك فيصل في مواقفه الوطنية باستخدام النفط كسلاح لدعم الأمة العربية.
وحتى تتغير الأحوال والظروف، فإننا نأمل من الشعوب أن تتحرك، ولا بدّ أيضاً لما تبقى من ضمير لدى أي من هؤلاء القادة أن يستيقظ في يوم من الأيام وقبل فوات الأوان!
مقولة "أموال العرب ليست للعرب" يجب أن تتغير وتتحول إلى "مقولة أموال العرب هي لخدمة العرب فقط"… قد يكون التغيير المطلوب مجرد أحلام، ولكن نأمل أن يتحقق ولو حلم أو جزء منها!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com