تفاؤلنا الكبير المتين بالمستقبل يحتم اسقاط “النكبة” و”النكسة” من قاموسنا السياسي

 
قبل 46 عاماً، وفي مثل هذه الأيام التي سبقت حرب 5 حزيران 1967، كانت أجواء المنطقة ملتهبة جداً، وكانت جميع الأطراف تدق طبول الحرب، وكانت هناك آمال – حسب اعتقادنا نحن الشباب أبناء البلدة القديمة من القدس – بتحرير فلسطين، وبالتالي انتهاء الصراع العربي الاسرائيلي.. كنا متحمسين، وكنا متفائلين، وكنا فرحين مع أن القلق كان يساورنا للثمن الذي سندفعه إذا وقعت الحرب.
يوم 5 حزيران 1967، وفي الساعة الثامنة صباحاً، أعلن عن بدء اسرائيل هجومها الجوي الواسع، وكانت اذاعة صوت العرب تعلن عن اسقاط 21 طائرة اسرائيلية، ووصل الأمر خلال الساعات الثلاث الأولى إلى اسقاط 77 طائرة حربية، وفي الساعة الحادية عشرة ظهراً، بدأت الحرب على الجبهة الأردنية، وقامت القوات الأردنية باحتلال مقر المندوب السامي للأمم المتحدة على جبل المكبر.. وتواصلت الحرب الى أن دخل الجنود الاسرائيليون عبر بوابة باب الاسباط القدس القديمة قبل ظهر الأربعاء 7 حزيران 1967، وعشنا وقتها لحظات حزينة جداً، لأننا فوجئنا بانتصار اسرائيل، وفوجئنا بتلاشي وتحطم أجواء الآمال والتفاؤل التي عشناها قبل اندلاع هذه الحرب. وسميت هزيمتنا بـ "نكسة" لتضاف إلى كلمة "النكبة" التي تعبّر عن هزيمة حرب 1948.. أي واجهنا نكبة، لتلحق بها بعد 19 عاماً "نكسة". ورغم تلك الهزيمة في حزيران 1967، إلا أن ارادتنا بقيت قوية، وقلنا ان الاحتلال سينتهي مهما تواصل واستمر.. ورغم قرار اسرائيل بضم القدس العربية، وفرض بطاقة الهوية الزرقاء على سكانها.
مرت 46 سنة، وما زالت الارادة في انهاء الاحتلال قوية ولم نيأس، ولم نستسلم رغم كل الاجراءات المتنوعة والقاسية والظالمة والصعبة التي مارستها وتمارسها اسرائيل لتهويد المدينة، وما زال أملنا في انهاء الاحتلال عن القدس قائماً، ولم يتبدل أو يتغير، ولكنه يقوى ويضعف تمشياً مع الظروف والأوضاع، وخاصة الاقليمية منها.
في هذه الأيام "نحيي" ذكرى النكسة، وقبل ايام احيت جماهير شعبنا في الداخل وفي الشتات ذكرى "النكبة" عبر مسيرات ومهرجانات وفعاليات مختلفة ومتنوعة. ولكن هل هذه المسيرات تغيّر من الواقع على الارض، طبعا لا تغيّر ولكن لا بدّ أن نتذكر دائماً أننا عشنا هزيمتين: النكبة والنكسة، ولا بدّ ألا ننسى تاريخنا المر والصعب حتى نأخذ العبر منه.
التساؤل الذي أطرحه على نفسي، ولا بدّ أن كثيرين يطرحونه على أنفسهم: متى سنحيي أو نحتفل بمناسبات فرح وانتصار مثل الاحتفال بعيد الاستقلال، أو عيد جلاء قوات الاحتلال عن اراضينا.. متى نكون أحراراً، ومتى نمارس حقنا في تقرير المصير، ومتى تزول المعاناة التي يفرضها علينا الاحتلال البغيض.
وهذا التساؤل لا يعبّر عن تشاؤم، أو نوع من اليأس، بل يعكس الرغبة القوية والإرادة الصلبة في انهاء هذا الاحتلال.. ويعكس تفاؤلنا بالمستقبل مع انه قد يكون بعيداً ولكنه آت لا محالة.
قد تكون الظروف الحالية التي تعيشها بعض الدول العربية التي لها ثقل واهمية، عاملاً مساعداً في عرقلة تفاؤلنا، واطالة أمد الاحتلال، ولكن حتماً هذه الظروف ستتغير، وستكون لصالح سورية والعرب جميعاً، ولن تكون لصالح المتآمرين الذين يريدون تفتيت العالم العربي حتى يمرروا حلاً مفروضاً علينا… ولكن امكانية تفتيت العالم العربي كله أصبحت مهمة مستحيلة، وخاصة بعد فشل تفتيت سورية ولبنان والعراق مع أن المؤامرة ما زالت مستمرة.
وقد يكون ظلم ذوي القربى أشد مضاضنة علينا، لأن هؤلاء القربى لا يفعلون شيئاً على أرض الواقع من أجل انهاء الاحتلال، هم "يستأسدون" على الدول العربية فقط، و"يتأرنبون" أمام الغريب، ويحاولون الوقوف الى جانب العدو بدلاً من الوقوف إلى جانبنا، ولصالح قضايانا. والمؤامرة على العالم العربي تمر من خلالهم، وهم يشاركون فيها، ولا يخجلون من القول بأنهم جزء من هذه المؤامرات.
ولكن يجب أن يكون اعتمادنا على أنفسنا، وعلى الشرفاء من أبناء الوطن العربي، وهم كثر، وان يتواصل صمودنا، وان تبقى ارادتنا في انهاء الاحتلال صلبة وغير قابلة للكسر.. وان نعمل من أجل انهاء الاحتلال، وان نرفع معنويات كل أبناء شعبنا من خلال اسقاط هاتين الكلمتين "النكبة" و"النكسة"، فهما ليستا كذلك، بل اننا خسرنا حرباً في العام 1948، وبالأحرى خسر العرب هذه الحرب لأنهم لم يحاربوا فعلاً وبصورة جادة لظروف معروفة، وخسرنا حرباً شنتها علينا اسرائيل لم نكن مستعدين لمواجهتها.. ويجب أن نقول لأبنائنا هناك انتصارات عدة وحققناها عسكرياً وسياسياً. فيجب ألا ننسى انتصارنا العربي في معركة الكرامة في آذار 1968، وفي حرب تشرين 1973، وفي جنوب لبنان عام 2000، وفي تموز 2006.. ويجب تعليم وتثقيف أبنائنا، الجيل القادم، بأن الانسان قد يخسر معركة ولكنه قد يربح معارك أخرى.. فلعنة الله على هاتين الكلمتين المعبرتين عن يأس وانهزام، ولنسقطها من قاموسنا.. ونصف ما جرى في عامي 1948 و1967 بأنهما حربان، ولن تكونا نهاية المشوار والمطاف.
كنا متفائلين قبل 46 عاماً.. وتفاؤلنا يزداد بعد مرور هذه السنوات الطوال لأن الظروف والمعطيات الدولية تتغير، كما أن التوازن الاستراتيجي تغير، وعامل الزمن لن يكون لصالح اسرائيل للأبد بل أخذ في التغير والجنوح لصالحنا.
المهم أن نصمد، والمهم الا نتنازل، والمهم أن نتعلم من أخطاء الماضي. والاكثر اهمية أن تبقى ارادتنا قوية، وتفاؤلنا بمستقبل أفضل كبيراً ومتيناً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com