لهذه الأسباب قبلت سورية بالمبادرة الروسية.. التخلي عن السلاح الكيماوي مقابل انجاز سياسي

 
خطوة أولى فعالة لاخلاء المنطقة
من أسلحة الدمار الشامل
 
يوم 14 تشرين أول الجاري، تصبح الجمهورية العربية السورية، عضوا في منظمة حظر انتشار الاسلحة الكيماوية. وكانت الحكومة السورية قد قدمت طلب الانضمام لعضوية هذه المنظمة يوم الخميس الموافق 11 أيلول 2013، وقبلت الأمم المتحدة هذا الطلب بعد دراسته جيداً.
جاءت هذه العضوية بعد أن وافقت سورية على المبادرة الروسية بنزع السلاح الكيماوي في سورية، عندما توجه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى موسكو، وعرضت عليه هذه المبادرة. يوم الاثنين الموافق 8 أيلول 2013، وتمت هذه الزيارة عقب عقد مؤتمر "قمة العشرين" في روسيا يومي 4 و5 أيلول الماضيين.
وهذه المبادرة لاقت تجاوباً سريعاً من الحكومة السورية، وكذلك ردود فعل ايجابية إذ أنها أخمدت الى حد كبير النيران التي كادت ان تدخل المنطقة في اتون حرب مدمرة وشاملة تأكل الأخضر واليابس. هذه المبادرة نزعت بالفعل فتيل الحرب، واعادت الوضع الى الحلبة السياسية بعيداً عن لغة العضلات العسكرية الاميركية.
هناك من ادعى أن سورية تنازلت، وقدمت هذا السلاح مجاناً لتدميره، في حين أن المنطق يقول أن القيادة السورية كانت حكيمة وذكية جداً عندما قبلت هذه المبادرة، وحققت انجازات سياسية كثيرة لصالحها.. وفي الواقع كانت هناك أسباب منطقية وواقعية جعلت سورية تقبل هذه المبادرة.
 
العامل الانساني والأخلاقي
لعب العامل الانساني أو الاخلاقي دوراً مهماً في قبول هذه المبادرة، ونعني بهذا العامل أن من اخلاقيات سورية، قيادة وشعباً، الا تستخدم هذا السلاح، وهي ضد استخدامه في أي ظرف من الظروف، ولذلك فهي من ناحية انسانية واخلاقية ستتخلص منه، لانه سلاح فتاك لا يستخدم، وهو عبء كبير وثقيل على كاهل الحكومة السورية.
 
حياة المواطنين أغلى من السلاح
وجدت القيادة السورية ان تقديم هذا السلاح الكيماوي الموضوع في مخازن، مسؤولياته كبيرة، والتنازل عنه لتدميره من أجل نزع فتيل حرب مدمرة في المنطقة. فقدمته للحفاظ على حياة عشرات الالوف من البشر، كما أنه أنقذ المنطقة من دمار كبير اذا ما وقعت الحرب والمواجهة.
 
سلاح ردع فقط
لقد كان هذا السلاح بمثابة سلاح ردع ضد السلاح النووي الاسرائيلي. ففي العام 1993، وعند تشكيل معاهدة حظرانتشار السلاح الكيماوي رفضت سبع دول في العالم التوقيع عليها. وكانت في مقدمتها سورية، ومصرواسرائيل. وقد أصرت مصر وسورية على توقيع اسرائيل على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي مقابل توقيع الدولتين على معاهدة حظر انتشار السلاح الكيماوي، ورفضت اسرائيل ذلك.
وفي العام 2003، أثارت سورية هذا الموضوع المهم مرة ثانية من خلال المطالبة بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، أي الأسلحة الذرية والكيماوية والبيولوجية، إلا أن المجتمع الدولي بقيادة اميركا واسرائيل لم يُصغِ الى هذا الطلب السوري المشروع.
وهذا السلاح لن يستخدم، ولن يؤثر على قوة سورية الدفاعية لذلك، من المناسب انهاء هذا الملف من خلال الانضمام الى هذه المنظمة، وبالتالي انهاء "ذريعة" مهمة لشن حرب على سورية، أو لتوجيه الاتهامات اليها.. فأي سلاح كيماوي سيستخدم مستقبلاً، يكون مصدره المعارضة المسلحة أو المجموعة المتطرفة المرتزقة المتواجدة على أرض سورية.
وهذا السلاح له بديل، ولن يؤثر كما ذكر سابقاً عن قوة الردع السورية، ولذلك من الممكن التنازل عنه لتحقيق مكاسب وانجازات سياسية.
 
سلاح قديم وبدائي
استناداً الى تقارير عديدة نشرت عبر الفترة السابقة، والى مصادر استخبارية، والى تقارير نشرتها وسائل اعلام معادية لسورية، فإن هذا السلاح الكيماوي هو قديم جداً، يعود الى الثمانينات من القرن المنصرم. ومن السهل تدميره خلال فترة قصيرة. وهذا السلاح متواجد في المخازن ولم يستخدم بتاتاً.. كما أن المصانع السورية لا تنتج أسلحة كيماوية فتاكة ومتطورة جداً.. لذلك التخلص منه لن يؤثر على الدولة السورية، ولا على قوتها.
 
بداية اخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل
قبول سورية بالتخلي عن هذا السلاح فتح باب مرحلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، إذ أنه أعاد الى الأذهان الطروحات والاقتراحات السابقة والعديدة التي تطالب بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من هذا السلاح الشامل. وهذه الطروحات يعني أنها تطرق، لا بل تثير موضوع امتلاك اسرائيل للسلاح النووي، وعليها التوقيع على اتفاق أو معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية. وكذلك فتح الباب أمام حل دبلوماسي للملف النووي الايراني.
 
مكاسب سياسية كبيرة
قبول سورية التخلي عن السلاح الكيماوي كان خطوة ذكية جدا، إذ أن هذا القبول حقق انجازات عديدة للدولة السورية، واكد التزامها بالمواثيق الدولية، وتعاملها مع كل المبادرات، وخاصة مبادرة دولة صديقة وحليفة، بكل المسؤولية الجدية وبالتالي عرّت المؤامرة التي تشن عليها، وأكدت أن ما تواجهه ليست حرباً أهلية، بل حرباً ضد الارهاب القادم من مختلف دول العالم.
التخلي عن السلاح الكيماوي مهّد الطريق لحل سياسي لما تواجهه سورية، واجبر كل الدول وحتى تلك المتآمرة على الاعتراف بأن حل الملف السوري يتم بالطرق السلمية، عبر الحوار، وعبر مؤتمر "جنيف 2" المتوقع عقده في منتصف شهر تشرين الثاني القادم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com