استغلال كل دقيقة من الوقت الضائع قبل اضطرارها لتجميده.. الاحتمالات المعلنة والسرية وراء التصعيد الجنوني للبناء الاستيطاني

 
تساؤل يطرح نفسه وهو: لماذا هذا التصعيد الجنوني الأخير في البناء الاستيطاني رغم أن هناك مفاوضات مباشرة تجري حالياً مع الجانب الفلسطيني.
للاجابة على مثل هذا السؤال يمكن القول أن هناك عدة احتمالات تقف وراءه، وهي احتمالات قد تكون معلنة، ومعروفة ومكشوفة للجميع، وهناك احتمالات أخرى غير معلنة تتطلب هذا التصعيد وفي هذه الفترة بالذات.
 
الاحتمالات المكشوفة
من الاحتمالات المكشوفة وراء هذه الهستيريا في اعلان عطاءات وترخيص اقامة مشاريع استيطانية ما يلي:-
1.     قد تكون هناك محاولة اسرائيلية واضحة لاستفزاز الفلسطينيين، والتالي اجبارهم على وقف المفاوضات المباشرة، واجبار الادارة الاميركية على اتهام السلطة الوطنية بأنها وراء افشال المفاوضات، وبالتالي على هذه الادارة اتخاذ الاجراءات المناسبة لمعاقبة السلطة، والعمل على عزلها، وممارسة الضغوطات عليها.
2.     الاحتمال الثاني يكمن في محاولة ارضاء اليمين الاسرائيلي، وخاصة المستوطنين، وتقديم رسالة اليهم من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأنه ما زال عراب الاستيطان، والداعم الأول له، ولن يتنازل عنه. وعلى المستوطنين الالتفاف حوله لا محاسبته على قبول العودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة!
3.     تلميح واضح بأن المستوطنات في أي اتفاق يتم التوصل إليه لن يزيل المستوطنات، وستبقى على ما هي عليه، إذ أن هذه المستوطنات مُنحت صفة الشرعية في اتفاقيات اوسلو، أو في اتفاق كامب ديفيد الذي لم يوقع، أو في قبول الجانب الفلسطيني في العام 2000 خلال مفاوضات كامب ديفيد الثانية مبدأ تبادل أراضٍ لابقاء هذه المستوطنات قائمة، واعادة "تموضعها" بحيث تشكل تجمعات كبيرة مع التخلص من تلك المستوطنات الصغيرة والنقاط العشوائية التي من الصعب توفير الحماية الأمنية لها. وهذا احتمال ثالث ومهم.
4.     الاحتمال الرابع المكشوف هو محاولة التغطية على قرار الافراج عن 104 أسير فلسطيني على أربع دفعات، تم انجاز دفعتين منها، والافراج عن 52 أسيراً حتى الآن، وبالتالي القول لأبناء الشعب الاسرائيلي، واليميني منه، أنه مقابل الافراج عن هؤلاء، تواصل الاستيطان، وحققت اسرائيل انجازاً، ومكسباً كبيراً.
 
الاحتمال الخطير وغير المكشوف
استناداً لمصادر خاصة ومطلعة، فإن الاحتمال "السري"، غير المعلن وغير المكشوف الذي يقف الدافع الأول لهذا التصعيد الاستيطاني هو أن رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو حصل على تلميح ما من الادارة الاميركية بأنها قد تضطر في نهاية فترة المفاوضات (الأولى) التسعة الشهور المتفق عليها، سواء في حالة التوصل إلى اتفاق مع الجانب الفلسطيني مهما كان شكله، أو عدم التوصل الى اتفاق، فإنها مضطرة للضغط على اسرائيل لوقف هذا الاستيطان، والقول لاسرائيل كفى مثل هذه الاجراءات الاستفزازية، فالادارة الاميركية في أزمة وتحت ضغط كبير، وتريد ترتيب أمورها في المنطقة، وعلى اسرائيل مساعدتها في ذلك لأن الوضع الحالي وما يجري في المنطقة عبء كبير عليها. وكذلك على اسرائيل اظهار حسن نوايا تجاه أي اتفاق إذ تم التوصل اليه، وخاصة اذا كان "اطار اتفاق" وليس اتفاقاً شاملاً.. وسيكون تجميد الاستيطان مقابل عدم توجه الجانب الفلسطيني للأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة.. حتى ولو توجهت القيادة الفلسطينية الى الأمم المتحدة، وحصلت على قرار ما ضد الاستيطان فقد تكون الحكومة الاسرائيلية مع الادارة الاميركية أيضاً محرجتين أمام المجتمع الدولي، ومضطرة بالتالي على وقفه.
أي أن نتنياهو يستغل "الوقت الضائع" الحالي لبناء أكبر ما يمكن من الوحدات السكنية الاستيطانية لتشكل أمراً واقعاً، وليكون قد نفذ وطبق كل ما لديه من مخططات استيطانية قبل أن يحدث أمر ما ضد اسرائيل يجبرها على وقف الاستيطان.
 
كل شيء محتمل
يمكن القول والاستنتاج أن كل ما ذكر من احتمالات مكشوفة أو سرية قد تكون بصورة منفردة أو مجتمعة وراء هذه "الهستيريا" في تصعيد وتيرة البناء في المستوطنات، وهذا التصعيد يشير الى أن الأمر يتطلب استغلال الأجواء الحالية، وبناء وحدات سكنية استيطانية كثيرة قبل أن تتغير وتتبدل الأمور على الساحة الدولية.
من المعروف والمعلوم أن اسرائيل تستغل كل الفرص المتوفرة لها، والفرصة الآن سانحة لمواصلة الاستيطان لأن الادارة الاميركية ساكتة عليه، فهي معنية بالمفاوضات المباشرة، ولكنها بعد فترة قد تغيّر من مواقفها مجبرة على ذلك.
والتساؤل الاخير الذي يطرح نفسه على الجميع: كيف يمكن وضع حد لهذه الهستيريا الاستيطانية الآن، وبالتالي التخفيف من الحجم الاستيطاني، والتخفيف من آثار هذه السياسة على حل الدولتين الذي أصبح من شبه المستحيل تحقيقه اذا استمرت الاجراءات الاسرائيلية على ما هو عليه الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com