سورية تنتصر سياسياً واعلامياً في “جنيف 2”..

وفد الائتلاف يُعري نفسه من خلال ضعف أدائه
لهذه الأسباب لم توجه الدعوة للمعارضة الوطنية
 
 
وأخيراً عقد مؤتمر "جنيف 2" في موعده المقرر له، يوم 22 كانون الثاني 2014. وشارك فيه وفد سوري رفيع برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم، ومستشارة الرئيس للشؤون السياسية والاعلامية الدكتورة بثينة شعبان، ووزير الاعلام السوري الاستاذ المحامي عمران الزعبي، ونائب وزير الخارجية د. فيصل المقداد، ومندوب سورية لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري، ومديرة المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية لونة الشبل.
أما وفد المعارضة فقد ضم رئيس الائتلاف أحمد الجربا، وعدداً من أعضاء الائتلاف. ولم تشارك قوى أخرى في المعارضة في هذا المؤتمر لعدم تلقيها أية دعوة رسمية بذلك.
المؤتمر شهد حالتين أو مرحلتين، الأولى يوم 22 كانون الثاني، وهي مرحلة الافتتاح بمشاركة مندوبي 40 دولة إضافة إلى سورية ووفد الائتلاف المعارض الموالي للسعودية، والمرحلة الثانية استمرت على مدار 8 أيام متواصلة إذ عقدت اجتماعات بين الوفدين السوري والمعارضة (الائتلاف) منذ يوم الجمعة 24/1/2014 وحتى ظهيرة يوم الجمعة 31/1/2014. واقترح المبعوث الدولي لهذه القضية الأخضر الابراهيمي، مواصلة المباحثات بين الوفدين في العاشر من شهر شباط الجاري.
 
ملاحظات حول حفل الافتتاح
لقد تم بث وقائع الافتتاح التي جرت في مدينة سويسرية قريبة من جنيف، مدينة تورنو، عبر الفضائيات بصورة مباشرة، وقد تابع المعنيون بالأمر وقائع حفل الافتتاح. وفيما يلي أهم الملاحظات حول هذا الافتتاح.
  1. لقد كان من المقرر دعوة 30 دولة للمشاركة في حفل الافتتاح إلا أن الأمين العام دعا 40 دولة للمشاركة فيه.
  2. كل الوزراء المشاركين في حفل الافتتاح أدلوا بكلماتهم، وكذلك الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
  3. تم الاتفاق على أن تعطى فترة زمنية قدرها 15 دقيقة لالقاء كل وزير كلمته، لكن الوزير المعلم تحدث لمدة 34 دقيقة، ووقعت مشادة أو ملاسنة بين الوزير المعلم وبان كي مون بعد أن حاول الأخير ابلاغ الوزير المعلم بالتقيد بالوقت وقد واصل المعلم الكلام، وقال أنا أقيم في سورية، وأنت في نيويورك، ولا بدّ أن أعطي الصورة الحقيقية وأعبر عن موقف وطني.. وحين طلب المعلم انهاء كلمته ببعض الجمل، وافق بان كي مون على ذلك بشرط الالتزام به، وقد رد المعلم بأن سورية صادقة في كل ما تقوله وتلتزم به.
  4. لقد كان وزير الخارجية السوري المعلم جريئاً وصادقاً حين وجه كلامه لوزير خارجية اميركا جون كيري وقال له: "يا سيد كيري إن الشعب السوري وحده يقرر مصيره وينتخب رئيسه". وجاء هذا القول رداً على كلمات كيري وفرقته الذين طالبوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة برحيل الرئيس الأسد عن سدة الحكم" وعزفوا نفس معزوفة كلمة الائتلاف التي تصر على تنحي الرئيس بشار الأسد عن سدة القيادة.
  5. سحب بان كي مون الدعوة التي وجهها إلى ايران، بعد أن هدد الائتلاف السوري بعدم التوجه الى المؤتمر إذا لم تسحب الدعوة، أي أنه تم ابعادها عن المؤتمر علماً أن ايران لاعب أساسي في منطقة الشرق الأوسط، وكلمة وزير الخارجية جواد ظريف لو حضر وشارك في حفل الافتتاح، لن تؤثر شيئاً على المؤتمر. وكان سحب الدعوة لصالح ايران بالكامل لأنها لن تلتزم بما قيل في هذا المؤتمر، وفي الوقت نفسه هي متواجدة في المؤتمر عبر الحليف السوري.
  6. هذه الكلمات التي ألقيت كانت كلها بنفس النغمة، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن غالبية المشاركين هم بصورة مباشرة أو غير مباشرة مشاركين في المؤامرة التي تتعرض لها سورية.
  7. كلمة وزير خارجية اميركا كانت سيئة الى ابعد الحدود. وكذلك كانت كلمتا وزير خارجية تركيا أحمد اوغلو، ووزير خارجية السعودية سعود الفيصل.
  8. غالبية الكلمات التي ألقيت في حفل الافتتاح لم تتناول موضوع الارهاب الذي يتعرض له الشعب السوري، ولم تكن هناك مقترحات ذات جدوى، واهتمام، لايجاد حل لما يجري في سورية، بل كانت هذه الكلمات عدائية لسورية، تدعو الى المزيد من التدمير لها من خلال محاولة فرض إملاءات على سورية "قيادة وشعباً"، وهذه الكلمات أعطت انطباعاً سيئاً عن المؤتمر!
 
إدارة وفد المعارضة عن بعد
لقد تواجد في جنيف سفير اميركا لدى سورية روبرت فورد الذي كان يدير عمل وفد المعارضة عبر جهاز التحكم عن بعد (الريموت كونترول). وكان يُملي عليهم ما يجب قوله، وما يجب التصرف به. وهذا أدى إلى وجود فرق شاسع بين الوفد الحكومي الرسمي والشرعي، ووفد المعارضة السورية.
وكلما كان هناك خلاف في وجهات النظر في بعض المواضيع، كان فورد يرسل أوامره، وقيل أيضاً أن وفدا المعارضة كان مؤلفاً أو مشكلاً من حوالي 12 "شخصية" اضافة إلى رئيس الائتلاف أحمد الجربا. وكان الوفد غير موحد، ويمثل آراء 12 دولة، ولم يكن له رأي واحد متوحد.
وفد المعارضة أيضاً انحسر في نوع واحد من المعارضة وهو "الائتلاف" الذي انشق عنه أعضاء المجلس الوطني، وكذلك انشق عنه أعضاء في الائتلاف نظراً لعدم موافقتهم على المشاركة في المؤتمر.
 
لماذا لم توجه الدعوة لكل المعارضة
سؤال يطرح باستمرار: لماذا لم توجه الدعوة إلى كل قوى المعارضة في سورية، ولماذا اقتصرت الدعوة على الائتلاف الوطني الممول والمدعوم من السعودية؟
هناك معلومات تقول أن الائتلاف أصر على عدم دعوة القوى المعارضة الأخرى لعدة أسباب ومن أهمها:
  • إذا حضرت قوى معارضة أخرى، فلن يكون الائتلاف ممثلاً لكل المعارضة في سورية، ولذلك تم التغاضي عن "المعارضة" الأخرى أو المعارضات المختلفة على الساحة السورية، وأهمها المعارضة الوطنية.
  • إذا ضم وفد المعارضة كل قوى المعارضة على الساحة السورية، حتماً سيقع خلاف إذ أن هذه القوى مختلفة حول موضوع الارهاب، والتدخل الأمني، في حين أن وفد الائتلاف يؤيد التدخل الخارجي وكذلك يؤيد الارهاب.
  • المعارضة الوطنية الأخرى، غير الائتلاف، ليست معارضة مأجورة، ولن تقبل باملاءات من الخارج. ورفضت تدخل قطر والسعودية.
انطلاقاً من الأسباب التي ذكرت سابقاً، فإن الائتلاف وبدعم من السعودية، أصر على شرط أساسي للمشاركة في هذا المؤتمر ألا وهو أن يكون هو وحده ممثل المعارضة، واي فصيل يريد ذلك فعليه أن يكون تحت قيادة الائتلاف. والغريب أن اتفاقاً تم بين الدول الكبرى على أن يشمل وفد المعارضة ثلاثة قوى وهي: الائتلاف وهيئة التنسيق، والمعارضة المستقلة وان يكون ممثلو القوى الثلاثة متساوين في العدد لكن الائتلاف لم يقبل بذلك، وحتى يعقد المؤتمر تم قبول شرط الائتلاف، وبالتالي فقد المؤتمر أهميته إذ أن الوفد الحكومي الرسمي والشرعي كان يفاوض جزءاً من المعارضة، وليس كل المعارضة.
 
بعيدون عن الواقع
خلال المحادثات أو المفاوضات بين وفد الحكومة الشرعي ووفد الائتلاف المعارض تبينت عدة حقائق لا لبس فيها وأهمها:-
  1. أن أعضاء الائتلاف لا يعرفون حقيقة ما يجري في الداخل السوري، بل هم "ببغاوات" لأسيادهم من الخارج.
  2. وأعضاء الوفد الذي يمثل المعارضة لا يمون أي منهم على شيء على أرض الواقع. حتى ان المقاتلين المسلحين في حمص رفضوا أن يمثلهم الائتلاف، مع أن الائتلاف طالب بوقف اطلاق النار في حمص وفك الحصار عن 400 مسلح، ومنح طريق آمن للمحاصرين من المدنيين.
  3. ركزوا على تشكيل اللجنة الانتقالية أو الهيئة الانتقالية كما جاء في البند الثامن من بيان "جنيف 1" مع أن البند الأول يتعلق بوقف اطلاق النار ومكافحة الارهاب.
  4. رفض اعضاء وفد الائتلاف طرح الوفد الرسمي السوري وهو اصدار بيان مشترك يدين الارهاب، ويدعو الى وقفه، مما أكد أن هؤلاء يريدون استمرار سفك الدماء، وانهم يسعون للحصول على السلطة بصورة مجانية، كي ينفذوا اجندة الخارج على الشعب السوري.
  5. ظن وفد الائتلاف أن الوفد الحكومي الرسمي سيسلم السلطة لهم بكل سهولة، بعد أن عجزوا هم رغم وقوف أكثر من 80 دولة الى جانبهم، في تحقيق ذلك على أرض الواقع.
  6. لا يعرف "الائتلاف" أنه لا يملك أي شعبية أو وجود على الساحة الداخلية، وهو ائتلاف "كرتوني" شكل فقط لتمرير مخططات الخارج المعادية لسورية.
 
من نتائج المؤتمر
قد يتساءل أحدهم: لماذا توجه الوفد الحكومي الى هذا المؤتمر الذي يشارك فيه "ائتلاف" معارض ملطخة يدي كل واحد من أعضائه بدم الشعب السوري الزكية؟ ألم يكن من الأجدر مقاطعته؟ وماذا حقق الوفد الرسمي من انجازات عبر مشاركته في هذا المؤتمر!
لقد ذهب الوفد الرسمي الى سويسرا لاثبات النوايا الحسنة في ايجاد حل سياسي مع الخصوم حتى ولو كانوا مدعومين من الخارج. وان هذا الوفد كشف نية الحكومة الصادقة لوقف النزيف الدم السوري. ومقاطعة المؤتمر ليست عملية سهلة إذ أن هذا مؤتمر دولي، ولا بدّ من الجلوس مع ألد أعداء الوطن.
ومشاركة سورية الرسمية في هذا المؤتمر حققت لها عدة مكاسب، ومن أهمها أن سورية توجهت للعالم كله، وشرحت موقفها، واستطاعت تعرية موقف الائتلاف دولياً، وكذلك على المستوى السوري الداخلي، وأكدت النوايا الصادقة للدولة لايجاد حل عادل.
 
وحدة موقف
لقد كان الموقف السوري متحداً وموحداً إلى أبعد الحدود، وكشف زيف الموقف الآخر للمعارضة الهزيلة. وضم الوفد نخبة من الخبراء والسياسيين والاعلاميين المخضرمين. وقد نجح الوفد في جذب الأضواء اليه، والادلاء بتصريحات عديدة عرّت الوفد "المعارض" الذي أثبت هزالته وضعفه من خلال تصريحات أعضائه، ومن خلال ضعفهم في التفاوض.
لقد ربحت سورية هذه الجولة من المعركة السياسية. فكان مؤتمر "جنيف 2" محطة جديدة على طريق محطات انتصار سابقة وآتية على المؤامرة الكونية. وكان الوفد ذكياً في طرح ما يريد، والتعامل بصورة مميزة مع وسائل الاعلام، وفي محاصرة وفد اسمه "معارضة سورية"، ولكنه في الواقع بعيد كل البعد عن سورية ومصالحها ومصالح شعبها.
قد تعقد جلسات حوار قادمة، ولكن المسعى الرسمي السوري هو توسيع قاعدة المعارضة المشاركة في الحوار لتضم شرائح واسعة من المعارضة، وأن ينتقل الحوار الى قلب الوطن الأم سورية، بعيداً كل البعد عن أي تاثير خارجي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com