الحذر من مخطط خطير يتم طبخه!

 
لا بدّ من الاعتراف بوجود تراجع كبير في دعم الأخوة القادة العرب، والشعوب العربية، وقادة العالم الاسلامي للقضية الفلسطينية، فقد كانت في السابق، وقبل عشرات السنوات، هي القضية المركزية للأمتين العربية والاسلامية. وقد نتساءل: من المسؤول عن هذا التراجع الملحوظ والكبير، هل نحن الفلسطينيين، أو القادة العرب، أو المعطيات الدولية وأهمها أن العالم كله يعيش أزمة "أخلاق كبيرة" لأننا عشنا وما زلنا نعيش في عصر الغاب؟
قد نتحمل نحن المسؤولية لأننا أردنا أن يكون قرارنا الفلسطيني مستقلا، وقبلنا باتفاق "اوسلو"، وكنا السبب في انفتاح بعض الدول العربية على اسرائيل، لأننا أعددنا الارض الخصبة لذلك. والقرار الفلسطيني المستقل ساهم في ابتعاد غالبية قادة العرب، وساهم في تخليهم عنا، والتنصل من مسؤولية حل القضية الفلسطينية، وتركوا لنا أعباء كبيرة في مواجهة اسرائيل وصلفها وتعنتها، وسياستها الاستيطانية التوسعية.. الخ.
والعرب يتحملون أيضاً المسؤولية لأن بعضهم لهث وراء التطبيع مع اسرائيل ارضاءً لاميركا، وللحفاظ على مصالحهم الذاتية، حتى أن دعمهم للشعب الفلسطيني بدأ يضمحل، وكان الدعم سخياً، أما اليوم فهو "بالقطارة"، مع شروط، وبعد الحاح كبير!
وما جرى للعالم العربي، حدث ونسخة طبق الأصل عنه مع قادة دول مجلس التعاون الاسلامي الذين أقاموا علاقات مع اسرائيل، ونفضوا اياديهم من هذه القضية تاركين عبئها وثقلها على الشعب الفلسطيني وحده!
أصدقاء الأمس الذين قطعوا العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل بعد حرب تشرين/ اكتوبر عام 1973، اليوم يقيمون علاقات قوية مع اسرائيل. وكنا في السابق نحكم ونسيطر على الساحة الدولية لكن اليوم فقدنا هذا التأثير، وها هي اسرائيل تتوغل في القارة الافريقية، وتحاصر العرب هناك من قلب افريقيا..
هل كل هذا يحدث لأننا مقصرون أو لأن هناك أسباباً أخرى؟
نعم هناك أسباب أخرى ساهمت في هذا التراجع الخطير في دعم قضيتنا الفلسطينية العادلة، ومن أهمها انهيار الاتحاد السوفياتي، وتواجد قطب عالمي واحد هو الولايات المتحدة التي عملت استناداً لمصالحها ومصالح حلفائها، وخاصة الحليفة المدللة اسرائيل، حتى ان جميع قرارات الأمم المتحدة التي كانت ضد اسرائيل والصهيونية والعنصرية تم شطبها، أو تجميدها كاملاً، وأصبحت "اسرائيل" الجسر الذي لا بدّ من العبور منه للحصول على دعم اميركي.
عندما تواجد في العالم قطب واحد، بدأت الاخلاق السياسية والاجتماعية والدولية بالانحلال والانحطاط، وخير أمثلة على ذلك، أن الادارة الاميركية خدعت العالم وكذبت عليه بأن العراق يملك أسلحة دمار شامل، فبررت احتلالها له في عام 2003. وبحجة الاعتداء الارهابي على اميركا يوم 11 ايلول 2001، قامت اميركا باحتلال افغانستان. وهذا الانحطاط في الاخلاق أدى الى تدمير دول، والى حدوث فوضى كبيرة في العالم.. تصوروا أن اسرائيل تشن حرباً على لبنان في تموز 2006، وبعض الدول العربية، بدلاً من دعم لبنان ومقاومته للتصدي لهذا العدوان الواسع الغاشم، قامت بادانة حزب الله وحملته مسؤولية اندلاع هذه الحرب مع أنه كان مخططاً لها اسرائيلياً بالأساس.
في عام 2006 أجريت انتخابات في المناطق الفلسطينية، وفازت فيها كتلة حماس الانتخابية، واسرائيل واميركا رغم اعترافهما بنزاهة الانتخابات إلا أنهما عاقبتا الشعب الفلسطيني على نتائجها بفرض حصار على قطاع غزة.
وتمادت اميركا في تصرفاتها اللاأخلاقية من خلال توجيه رسالة ضمانات في نيسان 2004 الى رئيس وزراء اسرائيل وقتئذ آريئيل شارون تؤكد فيها دعم اميركا لمطالب ومواقف اسرائيل: لا تنازل عن القدس، لا لازالة المستوطنات، لا لحق العودة للشعب الفلسطيني، لا للعودة الى حدود 4 حزيران 1967 إلا بعد اجراء تعديل على ذلك.
وها هي تتمادى على روسيا التي قبلت بضم شبه جزيرة القرم اليها بناء على رغبة أبناء القرم، فتفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وتعتبر رأي الشعب القرمي غير قانوني ومرفوض.
خلاصة القول ان تواجد قطب واحد في الهيمنة على العالم، وعدم تحلي هذا القطب بأخلاق رفيعة، والتصرف بحرية ضارباً بعرض الحائط كل القوانين الدولية، ساهم في ما يحدث في هذا العالم من فوضى ودمار.
اليست اميركا مسؤولة عما يعانيه العراق اليوم، واليست هي المتآمرة الأولى على سورية، وتتحمل مسؤولية ما يحدث فيها منذ أكثر من ثلاث سنوات، ألم تساهم في تقسيم السودان، أليست هي التي تخلّت عن زعماء كانوا مرتمين في أحضانها…
كل ما ذكر معروف، ولكن اليوم بدأت المعطيات الدولية تتغير، وبدأت اقطاب تظهر على السطح متحدية هذا القطب الاميركي الظالم، ولهذا علينا اعادة حساباتنا، ودراسة الوضع من جديد بكل عمق وهدوء.
لقد آن الاوان لنعمل مجدداً لاعادة الاعتبار لقضيتنا الفلسطينية لتعود وتصبح هي القضية المركزية، وحان الوقت كي نوحد صفوفنا، كفلسطينيين وكعرب. ولا بدّ من الحذر من مخطط خطير جدا تعده اسرائيل بالتعاون مع اميركا يتضمن تصفية هذه القضية عبر اتفاقات ملغومة تفرض علينا قد تؤدي الى ترحيلنا عن ارضنا.
الضغوطات على شعبنا كبيرة، ولكن ثقتنا بقيادتنا كبيرة أيضاً في افشال هذا المخطط من خلال التمسك بكافة حقوقنا الشرعية، وعدم التنازل عن ثوابتنا الفلسطينية مهما كانت الظروف والضغوطات والمعطيات والاجواء السلبية.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com