تجنيد الشبان العرب المسيحيين.. الأهداف الاسرائيلية الظاهرة والمستترة

 
الرد المناسب السليم وضرورة رص الصفوف
 
استناداً للناطق الرسمي باسم الجيش الاسرائيلي، فان الجيش سيرسل قريباً أوامر تجنيد غير اجباري للشبان العرب المسيحيين داخل الخط الأخضر ممن تتراوح أعمارهم بين 16,5 سنة و18 سنة. وسيطلب من كل منهم أن يمتثل في أحد مكاتب التجنيد في تاريخ معين للخضوع لتصنيف التجنيد.
لاقى هذا الاعلان ردود فعل قوية إذ أعربت المؤسسات الدينية والمدنية عن رفضها لفكرة التجنيد، واعتبرته محاولة لدق الاسفين بين الفلسطينيين العرب، وتفتيتهم الى مجتمعات وجاليات واقليات، ومحاولة لسلخ العرب المسيحيين عن اخوانهم العرب المسلمين، ولاثارة الفتنة الطائفية حتى يفقد هذا المجتمع العربي ما لديه من وحدة وطنية، وأن تسود أجواء الانقسام الطائفي هذه الساحة.
رؤساء الكنائس في الديار المقدسة أصدروا بياناً ضد هذا التجنيد، وكذلك مجلس الاساقفة الكاثوليك اضافة الى العديد من المؤسسات الوطنية، وشخصيات عديدة، لكن الكاهن الأرثوذكسي جبرئيل نداف يؤيد فكرة "التجنيد"، ويقول أنها انخراط المسيحيين في المجتمع الاسرائيلي للحصول على حقوقه الكاملة، مثل الآخرين الذين يخدمون في الجيش الاسرائيلي.
أما لجنة المبادرة الدرزية فرفضت الفكرة وطالبت بأن يكون التجنيد للدروز أيضاً غير اجباري، وكذلك للشركس والا يكون الزامياً لهم!
موضوع تجنيد الشباب العرب المسيحيين أثار تساؤلات عديدة، ومن أهمها: من هو الناطق الرسمي باسم هؤلاء الشبان أو باسم المسيحيين بشكل عام؟ هل هو المرجع الديني أم المؤسسات المدنية الوطنية؟
وكذلك من الأسئلة المثارة: ما الأهداف المخفية وراء اصدار مثل هذه الأوامر، ومحاولة بعض أعضاء الكنيست اليهود، ومن بينهم ياريف إلكين، بسن قوانين تمنح المسيحيين "امتيازات" معينة لتميزهم عن اخوانهم العرب المسلمين؟
للاجابة على هذه الأسئلة بصورة موضوعية وهادئة وحيادية، لا بدّ من الرجوع الى القوانين الاسرائيلية الجائرة بحق العرب، مسلمين ومسيحيين، والتي تميزهم في المواطنة عن بقية المواطنين في اسرائيل، إذ أن من يخدم في الجيش يحصل على امتيازات معينة.. ولكن من المؤكد أن الخدمة في الجيش لن تؤدي الى المساواة، وخير دليل على ذلك أن الاخوة من أبناء الطائفة الدرزية الذين يخدمون في الجيش الاسرائيلي بصورة الزامية لا يحصلون على الحقوق التي يحصل عليها اليهودي الذي خدم في الجيش، لأن هناك تمييزاً واضحاً، لذلك فإن من يبرر دعمه للانخراط في الجيش الاسرائيلي حتى يحصل المسيحيون على مساواة في المواطنة فهو مخطىء، لأن النتائج السلبية للخدمة في الجيش الاسرائيلي كثيرة وعديدة، وهي تتفوق بكثير عليها، لما قد يحصل عليه الشاب المسيحي (المجند) من خدمته العسكرية.
 
لا أحد ينطق باسم "المسيحيين"
إذا نظرنا الى المسيحيين العرب سواء في بلادنا أو في الدول المجاورة، وخاصة الدول النامية، فإننا نجد أن رجال الدين يحصلون على مكانة عالية في تمثيل المسيحيين لدى الدوائر الرسمية، ولدى القيادات، لاستقبال هؤلاء بحفاوة، وحسن ضيافتهم يعني بالنسبة للبعض أن ذلك اهتماماً بالمسيحيين، وهذا غير صحيح الى حد كبير، مع ادراكنا الكبير للمكانة الروحية المهمة التي يتمتع بها رجال الدين، ويكن لهم المسيحيون كل الاحترام، ولكن ليس بالامور الدنيوية وخاصة السياسية، لأن رجل الدين المسيحي من واجبه الاهتمام بالامور الروحية، وترك الامور المدنية للمؤسسات المدنية التي قد تكون لها علاقة ما مع القيادات الروحية.
واستثماراً لمكانة رجل الدين في هذه البلاد، فقد قام أحد الكهنة التابعين للكنيسة الأرثوذكسية، الروم الأرثوذكس بالتحديد، بدعم فكرة تجنيد الشبان المسيحيين مما أثار غضباً كبيراً في الشارع العربي بشكل عام، والمسيحي بكل خاص. وهذا الكاهن، جبرائيل نداف، لاقى دعماً حكومياً اسرائيلياً كبيراً، وترحيباً من قبل كبار المسؤولين الاسرائيليين، في حين أن المؤسسات والشخصيات المسيحية وخاصة المدنية انتقدته انتقاداً شديداً على موقفه المعاكس للتيار العام في الوسط المسيحي. وقد بدأت ردود الفعل المنددة بمثل هذا الموقف. وأخيراً تحرك البطريرك ثيوفيلوس الاول، بطريرك القدس للروم الأرثوذكس، واعلن موقف الكنيسة المعارض للتجنيد، كما قام المجمع المقدس للكنيسة بتجريد نداف من صلاحياته الكهنوتية.
واذا نظرنا الى سلسلة البيانات الصادرة الرافضة للخدمة العسكرية فهي كثيرة ومن جهات روحية ومؤسسات مدنية وشخصيات في مراكز مهمة، فإننا نستنتج أن لا أحد ينطق باسم المسيحيين، وليست هناك مرجعية واحدة، بل تعدد للمرجعيات روحياً ومدنياً. وهذا ما قد تستغله اسرائيل، ومن خلال الأوامر العسكرية للتجنيد غير الاجباري قد تشجع بعض الشبان على الانخراط بالجيش، ومع مرور الزمن يتحول التجنيد الطوعي الى تجنيد الزامي، وتكون اسرائيل قد حققت اهدافها في زج الشبان المسيحيين في الجيش الاسرائيلي، وبالتالي سلخهم الى حد كبير عن مجتمعهم الاصلي، وبث روح التفرقة والتمييز. وهذا ما اكدته البيانات الصادرة عن مختلف الجهات المسيحية سواء أكانت روحية أو مدنية.
 
خدمة مدنية
تدعي السلطات الاسرائيلية أن الشاب المسيحي قد يلتحق بالخدمة المدنية عوضاً عن الخدمة العسكرية، اي أنه يقوم بخدمات مدنية للجيش الاسرائيلي في المكاتب أو أمور الطبخ، أو في امور النقليات.. الخ. ولكن التساؤل الكبير: لماذا يطلب من العربي المسيحي ذلك، ولا يطلب من جميع العرب سواء أكانوا مسيحيين أو مسلمين. لماذا فرضت الخدمة العسكرية على ابناء الطائفة الدرزية وكذلك الشركسية ولم تفرض على بقية الطوائف: وهل حصل أبناء هذه الطوائف على أي امتيازات تختلف عن العرب الآخرين، أو تساوي الامتيازات التي يحصل عليها اليهودي!
لا شك أن عدداً صغيراً (قليلاً جدا) التحق بالخدمة المدنية. وهذا يعود الى أن الجيش يريد أن يبدأ خطواته لتجنيد الشبان المسيحيين رويدا رويدا، مستغلا الظروف الاقتصادية الصعبة، ومقدماً اغراءات لا وجود لها على ارض الواقع.
 
الأهداف الاسرائيلية غير المعلنة
الأهداف المعلنة والتي قيلت وذكرت في التصريحات والبيانات المعارضة لمبدأ التجنيد معروفة وهي اثارة الفتنة الطائفية وتمزيق المجتمع العربي داخل اسرائيل.
أما الاهداف غير المعلنة التي تسعى اسرائيل الى تحقيقها فيمكن حصرها بالآتي:-
1.     رغبة اسرائيل في زيادة عدد الذين يخدمون في الجيش الاسرائيلي إذ أن نسبة كبيرة من الشبان اليهود يتهربون من أدائها سواء بالسفر الى الخارج، أو بخلق أعذار عديدة. ومما يدل على هذه الرغبة هو توجه الدولة نحو تجنيد المتدينين، بعد أن كانوا معفيين، وهناك صراع حول ذلك بين الدولة والاحزاب الدينية.
2.     الجيش الاسرائيلي بحاجة الى مجندين يكونون هم في الخط الامامي، أي "الضحايا" في أية مواجهة على الحدود سواء في الجنوب أو الشمال. تماماً كما يحدث مع الجنود العرب (الدروز والبدو) إذ أنهم يتولون مهمات خطيرة منها قصاص الاثر، أو مفككوا عبوات ناسفة، أو في دوريات على حدود ساخنة!
3.     في الوقت الذي تسعى فيه القيادات الاسرائيلية المتطرفة في سن قوانين تؤكد أن "اسرائيل" دولة للشعب اليهودي، بدأ الحديث عن تجنيد الشبان المسيحيين، أي ليكونوا خدماً للدولة اليهودية، لأن اسرائيل لن تكون دولتهم حسب ما يقال ويصرح به داخل اسرائيل.
4.     محاولة لكسب الرأي العام المسيحي في العالم، وخاصة بعد أن بدأت مؤسسات دينية باتخاذ قرارات مقاطعة لاسرائيل احتجاجاً على سياسة الاستيطان، ومنها الكنيسة المشيخية في اميركا، وهذه الكنائس لها تأثيرها على المجتمع الغربي، وقد تلحق الضرر بالمجموعات المتصهينة الداعمة لاسرائيل باسم المسيحية وخاصة المحافظين الجدد في اميركا.
5.     الحصول على أصوات "مسيحية" من داخل اسرائيل تقول وتدعي أن هناك مساواة، وان المسيحيين يعاملون معاملة مميزة، وان اسرائيل دولة ديمقراطية، وان هناك مساواة في المواطنة.. أي يكون هؤلاء وسيلة اعلامية لدعم اسرائيل وسياستها في المنطقة والعالم.
6.     التحاق عناصر مسيحية بالتجنيد الاجباري أو غير الاجباري، يعني تدريب مجموعة من الشبان المسيحيين على القتال واستخدام السلاح، وقد تستغل بعض هذه المجموعات لتصعيد العنف داخل المجتمع العربي، وفي اشعال نار فتنة طائفية في هذه البلدة أو تلك.. أي اعداد مجموعة قد تكون موالية لاسرائيل، بعد غسل الدماغ، وبالتالي تساهم في تنفيذ بعض المخططات داخل المجتمع العربي، أو في مهمات أمنية خارجية!
7.     تجنيد الشبان المسيحيين قد يكون خطوة أولى للتجنيد الالزامي لكل العرب داخل اسرائيل مستقبلا، وخاصة اذا نجحت فكرة تجنيد الشبان المسيحيين.
 
الرد المناسب والسليم
لن تستطيع البيانات المناهضة للخدمة العسكرية من منع الشبان المسيحيين من القبول بالتجنيد الاجباري، فالاعلام الاسرائيلي "أقوى"، والاغراءات "الوهمية" المعروضة قد تكون أكثر.. ولذلك فإنه يجب أن يكون هناك رد مناسب وسليم يقنع الشبان على عدم الانخراط في الجيش الاسرائيلي. ولن يأتي هذا الرد المناسب إلا عبر خطوات عديدة ومهمة منها:
·        عقد مؤتمر عام لجميع القوى المسيحية الدينية والمدنية بمشاركة خبراء، واكاديميين لدراسة ايجابيات وسلبيات قرار التجنيد، وخاصة في المرحلة الحالية. واتخاذ قرار حاسم وموحد يلتزم به الجميع.
·        بدء حملة توعية لشرح الدوافع الاسرائيلية للتجنيد، ومخاطر ذلك على الوجود المسيحي.. ولماذا الآن انتبه الاسرائيليون للوجود المسيحي بعد اهمال دام أكثر من 66 عاماً.
·        تنسيق كامل مع جميع قوى المجتمع العربي داخل الخط الأخضر للتأكيد على الوحدة الوطنية. ورفض تقسيم هذا المجتمع الى اقليات، وقطع دابر الفتنة قبل أن يكبر، ويكون له التأثير الكبير.
·        لا بدّ من حملة اعلامية دولية ضد هذه الخطوة الاسرائيلية، للحصول على دعم من الدول العديدة التي تدعي دفاعها وحمايتها ووصايتها على بعض المسيحيين، وكذلك تحرك مختلف الكنائس في العالم ضد هذه الأوامر العسكرية.
 
 
 
لا وقت للجدال البيزنطي العقيم
لا حاجة الى مهاترات ونقاشات مع القلة القليلة جداً، والتي لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة التي تؤيد التجنيد، فكلما دخلنا في نقاشات معهم، كلما قويت "شوكتهم"، واضعنا الوقت في جدل بيزنطي.
لذلك على المسيحيين العرب أبناء هذه الديار أن يتحدوا ويوحدوا صفوفهم من أجل مواجهة ما يحاك ضدهم، وعليهم الرد على هذه المرحلة بالعمل الجاد الهادىء الذي يجعل تجاوز هذه المخططات والاهداف الخطيرة جدا.
حان وقت العمل الجاد، وحان موعد رص الصفوف، وعدم السماح لزيد أو عبيد في التحدث باسمهم.. وخاصة أن هذه القضية حساسة وخطيرة، ويجب ألا يرتكب "الخطأ" الذي ارتكب في الخمسينات من القرن المنصرم والذي أدى الى فرض التجنيد الاجباري على الأخوة الدروز والشركس!
وحان الوقت ليكون صوت المجتمع العربي موحداً في قول كلمة واحدة تجاه التجنيد الطوعي أو الالزامي، وتجاه الخدمة المدنية. وأي تقاعس في تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات المناسبة سيدفع ثمنه ليس العرب المسيحيون وحدهم فقط، بل كل المجتمع العربي بكافة أطيافه وتركيباته وطوائفه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com