زيارة البطريرك الراعي للديار المقدسة.. تعزيز للوجود المسيحي في هذه المنطقة

ورسالة بأن فلسطين ليست دولة لليهود وحدهم
 
أثارت زيارة غبطة الكاردينال والبطريرك مار بشارة الراعي، بطريرك الموارنة في العالم، للاراضي المقدسة جدلا ونقاشا حول آثارها السلبية والايجابية.. وقد ارتفعت اصوات تنادي بضرورة الغاء البطريرك الراعي لهذه الزيارة، في حين اصوات مسؤولين عديدين رحبت بهذه الزيارة الدينية الرعوية الصرفة!
سيأتي البطريرك الراعي الى الاراضي المقدسة مع البابا فرنسيس الاول يوم غد الأحد 25/5/2014 وسيرافقه في كل نشاطاته، وبعد انتهاء زيارة الحبر الأعظم، سيبقى البطريرك الراعي لعدة أيام، وحتى 31 ايار الجاري في الاراضي المقدسة لتفقد أبناء الرعية المارونية والذين يصل عددهم الى عشرة آلاف نسمة، ولاقامة صلوات وقداديس وخاصة في كنيسة كفر برعم المهدمة والمهجرة، والتي يطالب اهلها بالعودة اليها.
في هذا التحليل نلقي الاضواء على اسباب الضجة الاعلامية والسياسية على هذه الزيارة، ونحاول الاجابة على سؤال واضح المعالم والا وهو: ألا يحق للراعي القيام بزيارة رعوية لابناء رعيته في فلسطين؟
 
أسباب الضجة الاعلامية
جاءت الضجة الاعلامية لان هناك انقساماً في لبنان. قوى المقاومة اعتبرت الزيارة تطبيعا، وطالبت بالغائها، او تأجيلها، لان الوقت غير مناسب. واخذت هذه الزيارة حيزاً كبيراً من الجدال حولها.. وحاولت جهات عديدة حشد الآراء ضدها واعطاء الأسباب لذلك.
ولا شك ان هناك من هو يعارض البطريرك الراعي في مواقفه الوطنية التي لا يمكن لاحد المزايدة عليها.. ويريدون استخدام هذه الزيارة من اجل "اضعافه" نظراً لما يتمتع به من نفوذ روحاني قوي على الساحة اللبنانية.
وهناك من هم يعتبرون الزيارة تطبيعا لان البطريرك لبناني اولا، ودولة لبنان عانت الامرين من اسرائيل.. فكيف يمكن للراعي زيارة مناطق خاضعة للاحتلال الاسرائيلي، في حين أن بابا الاقباط الراحل القديس شنودا اصدر أمراً دينياً يحرم زيارة الاماكن المقدسة الى حين تحرير القدس، ولذلك لا يريدون ان يفتح المجال لبطاركة آخرين بزيارة الاراضي المقدسة تحت يافطة "زيارة رعوية دينية فقط".
 
لماذا الراعي بالذات
لقد قام اكثر من بطريرك كاثوليكي، وبواسطة جواز سفره الفاتيكاني، بزيارة الاماكن المقدسة، وخاصة بطريرك السريان الارثوذكس، وكذلك فان بطريرك الروم الملكيين غريغوريوس لحام كان اسقفا لسنوات طوال في القدس، ويعرف الديار المقدسة. والسؤال لماذا زيارة البطريرك الراعي تواجه مثل هذه الضجة؟
الاجابة واضحة وتقول بكل صدق أن البطريرك الراعي هو زعيم روحي لاكبر كنيسة مشرقية في بلاد الشام، فهي ليست كنيسة صغيرة، وكذلك لان البطريرك الراعي يتحلى بمواقف وطنية وعروبية، وهو ضد العنف والاحتلال والظلم، وضد اسرائيل وممارساتها بحق الشعب الفلسطيني، وكان المأمول منه الا يقرر زيارة الاراضي المقدسة الآن، ولان الراعي المعروف بمواقفه الوطنية النبيلة سيجتمع مع عائلات جنود سعد المنشقين الذين يقيمون في اسرائيل بعد أن فروا اليها بعد الانسحاب الاسرائيلي السريع من جنوب لبنان ليلة 24/25 ايار 2000.
والخوف الاكبر أن تفتح هذه الزيارة المجال لقيام قادة مسيحيين بزيارة الاراضي المقدسة تحت يافطة "زيارة رعوية".
 
هل من حق الراعي القيام بالزيارة
بعيداً عن السياسة، وبعيدا عن التجاذبات الحزبية، وقريباً من الواقع فإن من حق الراعي القيام بهذه الزيارة لان أبناء رعيته يصرون على ذلك وناشدوه وناشدوا البطريرك السابق صفير بالقيام بهذه الزيارة الرعوية لتفقدهم، مع ان المطران موسى الحاج، مطران الموارنة في حيفا وفلسطين والاردن يؤدي مهامه على اكمل وجه، كما اداه بصورة مميزة المطران السابق بولس صياح لسنوات طوال.
والتساؤل الذي يطرح: هل يحق لاي كاردينال بزيارة الاماكن المقدسة، ولا يحق للكاردينال الراعي ذلك لانه عربي الاصول.. مع انه يحمل ايضا جنسية الفاتيكان، ويدخل الى الاراضي المقدسة بجواز سفر ليس لبنانياً؟
لهذه الزيارة مكاسب اكثر من خسائر.. ولا بدّ لاي انسان ان ينظر للايجابيات أيضاً، والا يتمسك بالسلبيات التي قد تكون اقل بكثير من ايجابيات الزيارة.
 
ايجابيات الزيارة
زيارة الراعي تؤكد وجود مسيحيين موارنة في فلسطين التاريخية، وان الدعوة الى الاعتراف بيهودية اسرائيل هو تجاوز للمنطق وتجاوز للواقع.. فهناك عرب مسيحيون، وهناك موارنة، وهناك عرب مسلمون، هذا أولاُ، أما ثانياً فإننا نطالب باستمرار بتعزيز الوجود المسيحي في الديار المقدسة، وهذه الزيارة هي دعم معنوي كبير لهذا الوجود، وتؤكد أن البطريرك الراعي مع رعيته، ويساندهم ويعاضدهم ويرعاهم.. اما الايجابية الثالثة المهمة فتكمن في انه لن يلتقي اي مسؤول سياسي، فهي زيارة دينية صرفة وهذا ما يقلق ويثير غضب المسؤولين الاسرائيليين اذ انه لا يعترف بهم ولا باحتلالهم للارض. واما الايجابية الرابعة فتكمن في ان البطريرك الراعي سيترأس قداساً في قرية كفر برعم المصادرة ليؤكد للعالم ان هذه الارض أو البلدة عربية، وان هناك ظلماً، ولا بدّ من انهاء الظلم.
 
لا تحكموا مسبقاً على الزيارة
ان من يحكم على هذه الزيارة قبل ان تتم فهو مخطىء، فعليه ان يتريث قليلا، وينظر الى النتائج. فالبطريرك الراعي شجاع وجريء، وهو قلق على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط ويعمل من اجل تعزيزه.. وقام الراعي بزيارة جريئة الى سورية لتفقد الرعية هناك رغم ما تعانيه سورية غير آبه للانتقادات. فالراعي الصالح يرعى خرافه جيداً ويدافع عنهم بكل ما اوتي من قوة وامكانيات.
زيارة الراعي ستكون ايجابية اذا تمت حسب البرنامج الجيد أصلاً، وهذا ما نتوقعه، وهذا ما سيكتشفه فيما بعد اصحاب الاصوات المعارضة لهذه الزيارة الرعوية المهمة جدا التي هدفها دعم الوجود المسيحي والتأكيد للعالم كله على ان فلسطين ليست لليهود فقط!
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com