القدس بحاجة إلى خطة عمل مدروسة …

 
 

 

 
بعد اختطاف وقتل الفتى المقدسي الشهيد محمد أبو خضير على يد مجموعة من الشبان المستوطنين الحاقدين، شهدت مدينة القدس رد فعل قوياً جدا وعنيفاً استمر لحوالي الأسبوعين… ورد الفعل هذا كان شعبياً وعفوياً، ولم يخطط له اذ أن الحماس والاندفاع والانتماء الوطني كلها عوامل ساهمت في رد الفعل على هذه الجريمة النكراء، ووقف أبناء القدس الى جانب عائلة الشهيد مؤكدين تعاضدهم معهم، ومشاركتهم آلام فقدانهم لابنهم الغالي.
وجاء رد الفعل الشعبي قويا جدا أيضاً على قرار سلطات الاحتلال الاسرائيلية باغلاق الحرم القدسي الشريف كاملاً عقب حادثة اغتيال أحد زعماء غلاة المستوطنين الساعين للسيطرة على هذا المكان الاسلامي المقدس، والذي يدعو وينادي الى السماح لليهود بزيارة الحرم متى شاؤوا وارادوا، ولديه مجموعة ضغط مؤيدة له في الكنيست تحاول سن قانون يحقق له ولمجموعته المتطرفة هذا "الحلم"، وهو تقسيم الحرم زمنياً كخطوة أولى نحو السيطرة عليه مستقبلاً.
هذه الهبات الجماهيرية في القدس مدعومة من كل القوى في القدس وفلسطين والعالم والعربي، وتدخل قادة عرب وخاصة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، اجبرت اسرائيل على اعادة فتح الحرم للمصلين المسلمين فقط، ولكن سلطات الاحتلال وضعت قيوداً على اعمار المصلين، ولكن الهبة الجماهيرية أثمرت باجبار سلطات الاحتلال على إلغاء قرار اغلاقه التعسفي الذي كان وحتى اشعار آخر!
هذه الأحداث وردود الفعل عليها… ومحاولات المستوطنين اليومية لاقتحام الحرم اثارت سؤالاً كبيراً وواضحاً: ما هو المطلوب من أجل الحفاظ على عروبة القدس وأماكنها المقدسة؟
لا شك أن لردود الفعل العفوية أثرها على النضال، وهي أثر ايجابي، ولكن هل سنبقى في دائرة رد الفعل العفوي غير المخطط له، وغير المدروس؟ وماذا يضمن أن لا يكون رد الفعل في بعض الأحيان مرغوب فيه اسرائيلياً لتحقيق هدف ما، وتكون سلطات الاحتلال تتوقعه ومستعدة له، كل شيء وارد في هذا الزمن، ولكن من المفروض أن نستخدم حماسنا واندفاعنا ووطنيتنا في فاعلية وعمل جاد، وقد يكون السؤال كيف؟ والاجابة لن تكون سهلة، لأن القدس بحاجة الى خطة عمل مدروسة تطبق بصورة فعالة وهادئة.
تخطط اسرائيل لمزيد من السيطرة على القدس لتعزيز تهويدها، وتنفق الأموال الطائلة لتعزيز الاستيطان فيها ولفرض الهيمنة عليها… هناك مخططات مدروسة معدة منذ سنوات طوال… وهذه الاقتحامات لساحات الحرم القدسي الشريف ليست عفوية بل تأتي ضمن منهج معد ومخطط له، ويطبق على مراحل وبصورة هادئة.
قادة ومسؤولون في الأمتين العربية والاسلامية يتحدثون كثيراً عن عروبة القدس، ويتعهدون بانشاء صندوق خاص ويعلنون التبرع له، ولكن على ارض الواقع ليس هناك من فعل، فالصندوق المعلن عنه مجرد دعاية واعلام، والتبرعات المعلن عنها سرعان ما يتم التراجع عنها ولحسها… وفي كثير من الأحيان يبخلون في اصدار بيانات مساندة وتأييد لوجودنا.. هذه حال أمتنا العربية لان لديها قادة وضعوا القضية الفلسطينية على الرف لأن الحفاظ على المنصب والسلطة أهم من كل شيء، وهذه المصلحة الشخصية تتطلب مداهنة "اميركا"، وعدم "اغضاب" اسرائيل.
لا نريد خطة عربية، بل يجب أن تكون الخطة فلسطينية… يضعها معا أصحاب الاختصاص من قوى وطنية ومستقلين وخبراء، والا تكون مجرد خطة على الورق، بل تطبق على الارض، ويجب أن تكون واقعية، ومقبولة جماهيريا. ومثل هذه الخطة الاستراتيجية ستحافظ على عروبة القدس لأنها ستكون شاملة في تناولها لكل القضايا اليومية الحساسة سواء أكانت اجتماعية أم سياسية أم نضالية. وهذه الخطة تنظم رد الفعل العفوي، وتساهم في الا يكون مكلفاً لأبناء القدس أكثر من تكلفة الاحتلال لقراره أو قراراته.
قد يقول أحدهم أن هذه الخطة بحاجة الى دعم مالي، فأين هو هذا الدعم المالي؟
الدعم المالي في الواقع مهم ولكنه ليس كل شيء… فهناك طرق يمكن استخدامها لجمع الأموال ذاتياً، أو لجمعها من شرفاء الأمة، وليس بالضرورة جمعها فقط من دول وقادة. وهذه الخطة يجب أن تشكل صندوقاً خاصاً بالقدس يدار فقط ويشرف عليه أبناء القدس… ولن يكون في يد من قد يسيء استخدامه وبالتالي يعرقل تطبيق الخطة.
مواضيع الخطة ومضامينها وبرامجها ليست مدار نقاش اعلامي، بل يجب أن تكون مدار تطبيق فعلي وهادىء حتى تنجح وتكون لها النتائج المأمولة.
في انتظار وضع هذه الخطة الاستراتيجية وفي أسرع وقت، لأن الاعتماد على رد الفعل العفوي والحماسي ليس مضمون النتائج الايجابية دائماً.
فهل ننتقل من حالة رد الفعل الى حالة المبادرة بالفعل وفي استيعاب أي فعل اسرائيلي بالطريقة المدروسة.. سؤال رهن الرد عليه على أرض الواقع وليس في القول فقط. فالقدس بحاجة إلى عمل وفعل وليست الى مجرد وعد أو قول سرعان ما يتم التراجع عنه! فالقول لا يفيد اذا لم يكن مقروناً بالفعل والتطبيق الجاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com