“قادة” يخدعون أنفسهم أولاً

 
 
في قلب العاصمة الفرنسية باريس قاد الرئيس الفرنسي فرنسوا اولاند وزعماء ورؤساء ووزراء من أكثر من 50 دولة في العالم يوم الأحد الموافق 11 كانون الثاني 2015 تظاهرة مليونية تندد بالارهاب، وخاصة الهجوم الارهابي على مقر مجلة "شارلي ايبدو" الذي وقع يوم الأربعاء الموافق 7 كانون الثاني 2015.. ليس هناك أي اعتراض على هذه المسيرة، ولكن الاعتراض والتساؤلات على بعض المشاركين من القادة في هذه المسيرة، وكذلك على التحرك الكبير ضد هجوم ارهابي على مجلة تستهزىء بكل الأديان تحت يافطة حرية الرأي والتعبير.
كلنا نقر ونؤكد أن الهجوم على هذه المجلة كان ارهابياً وبامتياز، رغم أن هذه المجلة نفسها تمارس "الارهاب" في رسوماتها وكتاباتها وتعدياتها على الأديان السماوية الثلاث من دون أي رادع أو حدود لذلك. ونقول أن مواجهة الارهاب الفكري لا يتم باستخدام اسلوب ارهابي، ولا عبر هجوم بربري خدم هذه المجلة أكثر من أي جهة أخرى، ورفع توزيعها من 60 ألف نسخة الى ملايين النسخ.. أي أن هذا العمل الارهابي كانت له ردود فعل سلبية، ولم تكن له أي ردود ايجابية تمنع المجلة من مواصلة رسوماتها الاستفزازية والوقحة!
والغريب أن العالم كله يتحرك عندما تتعرض مؤسسة غربية للارهاب، وتصدر الادانات ويجتمع مجلس الأمن ليصدر بياناً يدين هذا الهجوم الارهابي.. في حين أن هناك هجمات ارهابية يومية على الشعب العراقي.. وكذلك على الشعب السوري، ولا نسمع ولا نرى ولا نشاهد ادانات دولية، مما يعني أن هذا العالم يخدع نفسه، فهو ليس ضد كل الارهاب، بل مع الذي يخدمه، وضد الذي يسيء اليه.
لم نَرَ العالم عبر قادته أو مؤسساته الدولية يدين قطع رؤوس في سورية على يد ارهابيين واعدام أطفال، وابادة عدد كبير من أبناء عشائر في العراق وسورية على يد ارهابيين، في حين يكون هناك رد فعل عالمي قوي عندما يتعرض صحفي أجنبي سواء أكان بريطانياً أو اميركياً للقتل، وتكون هناك تهديدات وتنديدات ووعود بوضع حد لمثل هذا النوع من الارهاب.
كم سيارة انفجرت في وسط بغداد والمدن العراقية والسورية ولكن العالم لم يصدر أي بيان تنديد بهذا الارهاب، مما يعني أن حياة انسان هي أغلى من حياة انسان آخر، أي أن هذا العالم يمارس سياسة التمييز العرقي والمذهبي والسياسي… الخ لانه يدافع عن "اناس"، ويتغاضى عن قتل اناس آخرين لأنهم ليسوا أجانب أو من عرقهم أو اتباعهم.
والأكثر غرابة في هذه التظاهرة أن بعض المشاركين من القياديين فيها يمارسون الارهاب ضد شعوب أخرى.. وفي مقدمتهم رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو الذي قتل وجرح أكثر من 20 ألف مواطن فلسطيني في قطاع غزة في عدوانه على القطاع في الصيف المنصرم.. وهو يقود حكومة تمارس الارهاب عبر دعمها للاستيطان، فالاستيطان هو جريمة حسب العرف الدولي.
والرئيس الفرنسي اولاند، ألم يدعم الارهاب في سورية من أجل الاطاحة بدولتها الشرعية، وكذلك قادة الغرب الا يدعمون الارهاب في سورية، وهم مسؤولون عن تنامي الارهاب واشتداد أزره في مناطق عديدة من العالم العربي.. أي أنهم يدينون أي عمل ارهابي في بلادهم، ويباركون العمل الارهابي في وطننا العربي ما دام هذا الارهاب يخدم مصالحهم.
من قَوّى داعش، ومن دعمها قبل سنوات؟ من دعم وخلق وأسس جبهة النصرة؟ اليسوا بعض القادة العرب والاجانب الذين يدينون الارهاب في فرنسا، وفي كل أنحاء العالم ويدعمون عملياته في الشرق الأوسط.
انهم يخدعون أنفسهم؟ انهم يدّعون أنهم يحاربون "داعش" وشكلوا تحالفاً دولياً لشن حرب ضد "داعش" ولكن هذا التحالف هو خدعة في ذاتها اذ أنهم لو كانوا صادقين في التصدي لداعش، لاوقفوا دعم وتمويل هذه الحركات والمجموعات الارهابية، ويستطيعون وضع حل لها بشتى الطرق والاجراءات الفعلية.
الارهاب يحارب ويواجه حقاً وحقيقة عبر تجفيف خطوط امداداته، أي تجفيف مصادر الدعم المالي أو "العتادي"، والاعلامي أيضاً. أما ما فائدة تنظيم مظاهرة مليونية ضد الارهاب في باريس، ويتم دعم الارهاب في سورية والعراق. انها سياسة خداع النفس، وبالتالي يمكن القول انهم "قادة" يخدعون انفسهم قبل أن يخدعوا الآخرين. ومن يدعم الارهاب في أي منطقة في العالم سيكتوي بناره عاجلاً أم آجلاً.. فالارهاب واحد.. ويجب الا يكون هناك تراخٍ في مواجهته في كل دول هذا العالم، اذ ليست هناك دماء أكثر طهارة من دماء أخرى، انها دماء بشرية… ويجب وقف سفكها وفي أقرب وقت وقبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com