تركيا….لن تتخلى عن اطماعها في سوريا/ بقلم :- راسم عبيدات

رغم كل المتغيرات والتطورات الحاصلة على صعيد الأزمة السورية،وحدود الاستدارة التركية منها،والتي وصلت حد قول رئيس الوزراء التركي يلدريم،بأنه لا يمكن تجاوز او تجاهل الرئيس السوري بشار الأسد،فهو لاعب فعال ورئيسي فيها،ولكن علينا ان لا نخدع أنفسنا بالقول بان تركيا،قد تنتقل في استدارتها من حلف الى آخر،فحدود الإستدارة التركية،املتها تطورات وظروف لها بعد وطابع تكتيكي مرتبط بشكل وثيق بالمصالح التركية،مع بقاء الإستراتيجية التركية حتى اللحظة ثابتة،ففي السياسة والتكتيك لدول مبادئها قائمة بالأساس على المصالح، ما هو غير ممكن في لحظة من اللحظات يغدو ممكناً،ويكفي هنا ان نشير الى أن بريطانيا ومن بعدها امريكا كدول رأسمالية أيديولوجيتها وفكرها وسياستها،قائمة على نهب خيرات وثروات الشعوب،حتى لو كان ذلك على حساب جماجم أبنائها المستضعفين،فالرأسمالية المتوحشة والمعولمة لا تعرف الرحمة،والبشر لديها كالسلع،وهما قالتا بالفم المليان،بأنه لا توجد لديهما صداقات دائمة في المنطقة،بل مصالح دائمة،وتركيا التي يحكمها الان حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان،بفكر وعقلية الإخوان المسلمين،المنطلق من نفس منطلقات الرأسمالية،رغم كل ما حصل من لقاءات ومصالحات مع روسيا وايران ودولة الإحتلال الصهيوني،فهي مصالحات حكمتها بالأساس،مصالح تركيا الإقتصادية والأمنية،والمتغيرات الناشئة عن حالة عدم الإستقرار السياسي والأمني في الداخل التركي،بسبب الإنقلاب الفاشل الذي قادة العسكر على أردوغان.

ولذلك فالتصريحات للقيادة التركية بانها ترغب في تطبيع علاقاتها مع دول الجوار بما فيها سوريا،لا يعني بأن تركيا ستتخلى عن اطماعها في الجغرافيا السورية،فتركيا اطماعها قديمة ومتجددة في ضم حلب والموصل الى “نيوعثمانية”.

المشروع التركي على الأرض السورية وفي العراق يتمدد ويتقلص،على ضوء قدرة النظامين في سوريا والعراق على حسم الحرب والمعارك مع الجماعات الإرهابية فوق أراضيها،المدعومة بالأساس من أمريكا وقوى الغرب الإستعماري المتشارك في مشروعه الإستعماري انتاج سايكس- بيكو جديد بالتعاون مع قوى عربية وإقليمية،مشيخات النفط والكاز العربية (السعودية وقطر) والطامحين ببعث واستولاد الخلافة في تركيا على حساب الدم والجغرافيا العربية،هذا المشروع يقوم على أساس تقسيم الوطني العربي على تخوم المذهبية والطائفية والثروات،وخلق كيانات إجتماعية هشة فاقدة لإرادتها ولقرارها السياسي،ولذلك تركيا في بداية الحرب العدوانية التي شنت على سوريا،وفي ذروة الإعتقاد بأن النظام السوري سيسقط خلال أشهر معدودة،كان الطموح التركي،بأن يكون له سيطرة كاملة على منطقة الشمال السوري،من خلال إقامة منطقة آمنة،يمهد لها بحظر جوي،ومن ثم يجري اقتطاعها وضمها الى تركيا،كتمهيد للسيطرة على حلب وجعلها جزء من الأرض التركية،ولذلك استثمرت تركيا في “متفرعات” القاعدة من الجماعات الإرهابية”داعش” و”جبهة النصرة” بتوفير الدعم العسكري والمالي واللوجستي والإستخباري وفتح الحدود امامها لضخ الإحتياط البشري الإرهابي والتزود بالسلاح والبضائع،ناهيك عن توفير الإقامة والحماية لقياداتها على الأرض التركية،وبالمقابل تشاركت معها تركيا في نهب النفط السوري والعراقي وسرقة مصانع حلب،ولكن الصمود السوري الأسطوري،بفعل صلابة القيادة السورية،والتفاف جيشها وشعبها حولها،ووقوف الشركاء والأصدقاء الى جانبها والمشاركة الفعلية معها في محاربة تلك الجماعات الإرهابية (روسيا وايران وحزب الله)،أسقط المشاريع التركية والأمريكية والإسرائيلية والأوربية الغربية ومروحة حلفائها من مشيخات النفط العربي (السعودية وقطر) على الأرض السورية.

الصمود الأسطوري السوري ومروحة حلفاءه في وجه حرب كونية تشن على سوريا،والإنتصارات السورية المتحققة،وخاصة مع قرب حسم معركة حلب،وتحرير داريا وتوسيع دائرة الحماية حول العاصمة السورية دمشق،جعل قوى العدوان تفقد صوابها،وهي تدرك تماماً بان تحرير حلب ومن ثم داريا،سيقضي على مشاريعها بشكل نهائي في سوريا،هذه المشاريع القائمة على خلق كنتونات اثنية وعرقية كبديل لسيطرة الدولة المركزية،ولذلك سيطرة تركيا بدعم وإسناد ومباركة امريكية والمانية واوروبية غربية على مدينة جرابلس السورية،ليس له سوى معنى واضح،هو إستمرار الأطماع التركية بالجغرافيا السورية،هذه المعركة المسماة ب “درع الفرات” والتي جاءت كما تدعي تركيا لحماية حدودها وتطهيرها من الجماعات الكردية،ومنع إقامة كيان كردي على طول الحدود التركية – السورية وفي عمق الأراضي التركية،يثبت بان تركيا وامريكا ما زالتا تمسكان باوراق الجماعات الإرهابية من “داعش” وما يسمى ب “الجيش الحر” في تلك المنطقة،والذي هو عبارة عن جماعات تركمانية،لها اهداف إنفصالية،كما هو حال الجماعات التركية.

لم يغيّر الانقلاب في تركيا من أولويات الرئيس التركي ومشروعه في سورية، فهو لا يزال يحن إلى التاريخ،ولا يزال يريد الخروج بشيء ما في سورية،وأوراقه حاضرة في الداخل السوري والدليل الأكبر على ذلك انسحاب «داعش» من جرابلس وتسليمها للميليشيات التركمانية من دون مقاومة تذكر، فالبندقية «الداعشية» هنا تواجه الأكراد والجيش السوري.

واضح انه على ضوء الإنتصارات التي يحققها الجيش السوري في تحرير القسم الشرقي من حلب،وتحرير داريا،والذي سيقود الى إستعادة كامل الجغرافيا السورية وعودتها لسيادة الدولة المركزية،يعني بأن مشروع الفوضى الخلاقة،قد مني بهزيمة شاملة،وبأن حوامل المشروع القومي العربي،في سوريا والعراق قد تستعيد عافيتها وتنهض من جديد،ولذلك لا بد من الإستمرار في لعبة ومخطط إستنزاف الجيشين السوري والعراقي،وبالذات السوري،ولذلك يقوم الأعداء بفتح جبهات جديدة في وجه الدولة السورية من اجل استدامة هذا المشروع العدواني،وتركيا جزء من هذا المشروع،ولا احد ينخدع بإستدارة أردوغان،فأردوغان في سبيل مصالحه واطماعه وطموحاته وتطلعاته،قادر على تغير جلده ولبس اكثر من ثوب والتخفي بأكثر من قناع،وسيبقى الحلم يراوده بإقامة وبعث الخلافة الجديدة عبر استقطاع حلب والموصل وضمهما الى امبراطوريته العثمانية الحالمة.

القدس المحتلة – فلسطين

28/8/2016

Quds.45@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com