القدس بحاجة الى دعم حقيقي مبني على خطة عمل جادة قابلة للتنفيذ

 

خلال زيارة وفد مقدسي لاحدى دول الخليج العربي، قال احد المسؤولين الخليجيين: “ان اهتمامنا بالقدس كبير، وستبقى عربية، ولا تقلقوا على المسجد الاقصى، فاذا هدمه الاسرائيليون، فاننا قادرون على بنائه كما كان، واجمل ايضا مما كان”.

هذا القول يعكس عدم اهتمام “عروبتنا” العربية بالقدس، والاهتمام هو شفوي، وكلامي وليس على ارض الواقع. ويدعي كثيرون ان اموالا كثيرة رصدت للقدس العربية حتى تصمد في وجه السياسات الاسرائيلية، لكن هذه الاموال تم “لطشها” و”سرقتها”، ولذلك فليست هناك مصداقية بأن الاموال التي يتم التبرع بها قد تصل الى القدس واهلها!

هناك لجنة القدس الذي يترأسها ملك المغرب محمد السادس، ماذا تفعل للقدس؟ انها تقدم ثمن عشرة ارغفة من الخبز لكل عائلة مقدسية، أي انها تصرف 150 شاقلا، أي 40 دولارا لكل عائلة شهريا. وهذه الخطوة حوّلت القدس الى جماعة من “الشحاذين المتسولين والمتوسلين”، وهذا بالطبع ليس دعما لانه يذهب في المكان غير المناسب. لان اهل القدس ليسوا بحاجة الى قوت يومي بل الى دعم فعلي وواقعي، بحاجة الى مشاريع كبيرة تماما كما تفعل الحكومة الاسرائيلية.

القدس بحاجة الى مشروع اسكان، الى مشاريع تعزيز النشاط التجاري، تعزيز للمؤسسات الباقية التي تحتضر، وتشجيع على عودة المؤسسات الوطنية للعمل في قلب القدس.

القدس بحاجة الى سياسة واضحة المعالم لتعزيز الصمود من خلال الحفاظ على الوجود العربي، الذي هو افضل سلاح للحفاظ على عروبتها. بحاجة الى خطة استراتيجية، الى خطة عمل مدروسة قابلة للتطبيق، والقدس ليست بحاجة الى بيانات رنانة ومنمقة وجميلة فيها الكلمات المعسولة. القدس بحاجة الى عمل وليس الى اقوال!

في القمم العربية يطرح القادة العرب الوضع في القدس، ويعربون عن قلقهم على الوضع، ويرسلون تحياتهم لابناء القدس على صمودهم. وفي قمة عام 2001 قرروا انشاء صندوق القدس يبدأ بميزانية الف مليون دولار (مليار دولار)، واعلن ولي العهد السعودي الامير عبد الله في تلك القمة عن تبرع السعودية بمبلغ خمسمائة مليون دولار، لكن اين هو هذا الصندوق، ولا معلومات شفافة عنه، هل تبرعت السعودية بالمبلغ، هل ذهب لصالح القدس أم انه غطى ميزانيات وزارة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية.

وفي قمة الدوحة في العام قبل الماضي اعلن امير قطر عن تبرع الامارة عن 500 مليون دولار لانشاء واقامة صندوق دعم “جديد” للقدس. وهذا الاعلان لم يطبق بل كان مجرد دعاية، لان قطر قالت انها ستتبرع بالمبلغ اذا تبرعت الدول العربية جميعا مقابل ذلك، ولكن الدول العربية لم تفِ بوعودها!

من هنا يمكن القول والاستنتاج بأن العالم العربي ليس مهتماً حالياً بوضع مدينة القدس لاسباب عديدة ومن أهمها:-

  1. هناك العديد من الدول العربية لا تقيم علاقات جيدة مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالتالي تظن أن دعم القدس يعني دعم السلطة ماليا لان المال المتبرع به لن يذهب للقدس واهلها!
  2. لقد كانت هناك جمعيات ومؤسسات وهمية حصلت على دعم من الخارج، وهذا اساء لابناء القدس، وادى الى فقد الثقة بمؤسسات القدس العديدة الفاعلة على الارض.
  3. هناك خلافات داخل الدول العربية، وهناك نزاعات ساخنة، والدول العربية الغنية تبذر أموالا على هذه النزاعات بدلا من صرفها على مشاريع بناء وتطوير.
  4. هناك اتصالات ولقاءات سرية، واحيانا شبه علنية مع اسرائيل، وهذا بالطبع يضعف الموقف الفلسطيني، ويؤيد المطالب الاسرائيلية، واهمها بقاء القدس عاصمة موحدة وابدية لدولة اسرائيل.
  5. لنكن صريحين ونقولها بكل جرأة ان بعض الدول العربية لا تريد اقامة دولة فلسطينية، وغير مستعدة للتضحية من اجل اقامة هذه الدولة!
  6. الانقسام الداخلي الفلسطيني وفر المجال الكبير للعديد من الدول العربية وغير العربية للتدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني، وممارسة ضغوطات على القيادة، وبالتالي فان هذا الانقسام عامل ضعف كبير لا بدّ من التخلص منه؟

في الختام، يمكن القول ان الاهتمام بالعربي بالقدس ليس بالمستوى المطلوب، وخاصة ان دولا عربية عديدة متأثرة بالموقف الاميركي السلبي.

وقد يُطرح سؤال: كيف يمكن احياء اهتمام العرب بالقدس؟ والجواب، ان هذا امر مستحيل في ظل المعطيات الحالية، ولكن لا بدّ ان تتغير المعطيات والاوضاع. وهذا الوضع يتطلب صمودا فلسطينيا مميزا وجبارا، ولن يتحقق ذلك اذا لم يتكاتف الفلسطينيون ويوحدوا صفوفهم، ويضعوا استراتيجية او خطة عمل صادقة وجادة قابلة للتنفيذ!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com