نتائج التدخل العسكري في سورية ستكون كارثية للمنطقة واميركا أيضاً

منذ فترة ليست بالقصيرة، وادارة الولايات المتحدة بقيادة الرئيس باراك اوباما تلوح بالتدخل العسكري المباشر في المعارك الطاحنة التي يقودها الجيش العربي السوري ضد “الارهاب”، وتنظيماته المختلفة المدعومة من اكثر من 80 دولة بقيادة اميركا ذاتها. وبدأ التلويح في أواخر شهر 2013 عندما اتهمت الدولة السورية باستخدام سلاح كيماوي في معركة قرب دمشق، لكن روسيا تدخلت واطفأت فتيل ذلك الهجوم الذي كان متوقعاً بقيام سورية بتسليم كافة الاسلحة الكيماوية لديها عبر اتفاق تم ونفذ وطبق بحذافيره.

أما اليوم فهي تلوح بذلك لان الجيش السوري مدعوماً من سلاحي الجو الروسي والسوري يحقق انجازات ميدانية، ويلحق بالمجموعات الارهابية الهزيمة تلو الاخرى في مواقع مواجهة عديدة، واهمها جبهة حلب اذ ان تنظيف حلب من الارهابيين اصبح قريبا جدا.

لقد صعدت اميركا من لهجتها ضد روسيا وسورية وحلفائهما بعدة خطوات، الاولى كانت بتعليق الاتفاق الروسي الاميركي في جنيف الذي وقعه وزيرا خارجية الدولتين العظميين لافروف وكيري بحجة وذريعة عدم الالتزام باتفاق الهدنة، والثانية باعلان خطة “ب” لمواجهة تقدم الجيش السوري في حلب، ومن بينها وفي ضمنها تزويد التنظيمات الارهابية، بالسلاح المتطور، والتي تسميها اميركا بأنها معارضة معتدلة، بعد ان فشلت في الفصل بين التنظيمات الارهابية والمجموعات المعارضة، علماً أنهم جميعا ينتمون الى جبهة النصرة التي هي على لائحة الارهاب. أما الخطوة الثالثة فتتمثل في فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، والرابعة وهي ان امام الرئيس اوباما خطة عسكرية تتضمن خطوتين اما تنفيذهما معا أو واحدة تلو الاخرى، والاولى تتضمن قصفاً جوياً لمواقع الجيش السوري وحلفائه، والثانية تدخل قوات اميركية في سورية!

ومن أجل منع أي قصف جوي لتدمير المطارات العسكرية السورية بهدف منع الطيران السوري والروسي من التحليق، أي تحويل سماء سورية الى منطقة حظر جوي، نشرت روسيا منظومات صواريخ من طراز اس 300، واس 400 لاسقاط أي طائرة معادية، وهذا يعني ان اميركا ستدخل في مواجهة ساخنة مع روسيا، وهذا مانع قوي من الصعب على الادارة الاميركية أن تدخل في مواجهة عسكرية مع روسيا بسبب سورية.

ناهيك عن ان أي تدخل عسكري اميركي ضد سورية لن يترك حلفاءها يتفرجون، فالقواعد العسكرية الاميركية في منطقة الشرق الاوسط والخليج ستتعرض لقصف صاروخي مما يؤدي ذلك الى حرب اقليمية واسعة تشمل السعودية ودول الخليج واسرائيل ايضاً التي هي غير مستعدة للدخول في حرب شاملة لتعزيز قوى الارهاب التي قد تتحول ضدها في المستقبل!

ومن هنا يمكن القول أن اميركا مضطرة للحصول على موافقة اسرائيل على أي تدخل عسكري مباشر، لانها قد تزج في حرب اقليمية كارثية وفادحة الخسائر.

اضافة الى امر آخر مهم وهو ان اميركا لو قصفت المطارات السورية، فان هناك سلاح جو استراتيجي روسي سيقصف الارهابيين من روسيا نفسها. وقد تقصف ايضا بصواريخ عديدة من سفنها ومدمراتها المتواجدة في البحر الابيض المتوسط وكذلك في بحر قزوين.

ومع ان تركيا تريد منطقة حظر جوي في شمال سورية، الا انها لا تريد الدخول في حرب شاملة لانها مكلفة، ولان الاوراق ستكون مختلطة، وستكون المعركة معقدة جدا، وكذلك لا تريد مواجهة روسيا عسكريا، فهي تود ان يكون الحل سياسيا مع حصولها على جزء من كعكة الحل!

وهناك مانع آخر وهو ان القصف الجوي الاميركي لن يجدي نفعا، ولذلك قد تضطر الى ارسال قوات اميركية لدعم الارهاب، وستدخل في مستنقع من الصعب الخروج منه.

لذلك فان الرئيس اوباما مقيد اليدين، والخيارات امامه صعبة، وهناك موانع لها، وخاصة ان اسرائيل كانت تشجع اميركا على ضرب واحتلال العراق، لكن الوضع مع سورية يختلف تماما، لان لها حدودا مع سورية، وقد تقحم في حرب ضروس تأكل الاخضر واليابس، علما ان سورية قد اعاث فيها الارهاب دمارا، وليس هناك من خوف لدمارها، وقد تكون النقطة الضعيفة في هذا التدخل العسكري هو اسرائيل.

والجدير ذكره ان اميركا في آب 2013 تراجعت عن توجيه ضربة عسكرية لسورية، بعد ان هدد المسؤولون السوريون بقصف اسرائيل ردا على هذه الضربة، كذلك هدد قادة ايران العسكريون بأنهم سيدافعون عن سورية.

بقي أمام الادارة الاميركية خطوة واحدة قد تنفذها، وهي فرض عقوبات اقتصادية جديدة، لكن روسيا قادرة على تجاوز ذلك اذ ان دول “البريكس” ستقف الى جانبها اقتصادياً، وخاصة الصين التي تدرك ان اميركا تعادي حاليا روسيا، وبعد ان تحقق اهدافها ستنتقل الى الصين.. ولذلك فانها لن تقف ايضا مكتوفة اليدين، وستكون هناك اجراءات روسية صينية مشتركة ضد اميركا اقتصاديا ايضا.

انطلاقاً مما ذكر سابقاً، فان يد اميركا الطولي قد ضعفت، ولذلك على ادارة اوباما ان تكون حذرة، فأي تدخل عسكري اميركي لن يكون نزهة بل سيكون تورطاً كارثياً من الصعب الخروج منه بسهولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com