ما الذي جرى في مخيم المعري؟؟.. د. سفيان أبو زايدة

بالأمس اجتمع العديد من قيادات وكوادر من حركة فتح  في قاعة نادي خدمات مخيم الأمعري. منهم أعضاء في المجلس الثوري وأعضاء في المجلس التشريعي و كوادر من شمال ووسط الضفة الغربية و القدس.

 المجتمعون وفقاً للبيان الذي صدر عنهم أكدوا على ضرورة وحدة فتح وتماسكها وطالبوا بأن يكون المؤتمر السابع المزمع عقده الشهر القادم هو مؤتمر   توحيدي و ليس مؤتمر تدميري  إقصائي يتم تفصيله على المقاس. المجتمعون أيضا أكدوا على دعمهم للجهود التي تبذلها  الرباعية العربية  وعلى رأسها مصر الشقيقة في السعي لتوحيد صفوف حركة فتح وإنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بما يساعد في إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الإقليمي والدولي.

الأمر حتى الآن يبدو طبيعياً،  ولو كنا نعيش في نظام سياسي ديمقراطي يؤمن بحرية التعبير عن الرأي و احترام الرأي الآخر، نظام قائم على أساس الفصل بين السلطات والفصل بين العمل التنظيمي والحزبي وبين العمل الوظيفي والحكومي لما حدث  من ردود أفعال هستيرية .

الذي جرى هو ومنذ أن علمت الأجهزة الأمنية أن هناك  قيادات و كوادر من حركة فتح تُجري الاستعدادات لعقد  الاجتماع   في قاعة الهلال الأحمر الملاصق لمخيم الأمعري،  أعلنت  هذه   الأجهزة  حالة الاستنفار لكل طاقاتها و إمكانياتها بعد أن تم إبلاغ الهلال الأحمر الفلسطيني بمنع عقد أي اجتماعات .

 اتصالات أجريت مع كل من اعتقدت الأجهزة الأمنية أنهم مشاركون مفترضون في هذا الاجتماع مع  إيصال  رسائل تهديدية بأنهم لن يسمحوا بعقده مهما  كلف ذلك من ثمن، وان الأمر لن يقتصر على قطع رواتب و فصل من الحركة  و من الخدمة للموظفين منهم سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، بل سيتم فض الاجتماع بالقوة إذا لزم الأمر  .

عشية الاجتماع انتشرت قوات الأمن في كل أنحاء رام الله وعلى مداخلها وتمركزت قوات حول مقر الهلال الأحمر الفلسطيني، وتم اعتقال بعض الكوادر بشكل احترازي و استدعاء البعض الذي ما زال مطلوبا، وهناك من تم اعتقاله ومازال حتى الآن ، وهناك من تم احتجازه لساعات في مقرات الأمن والتحقيق معه حول هذا الاجتماع و خاصة معرفة من الذي وجه لهم الدعوة، على الرغم أن هناك عناوين معروفه تعمل في العلن و ليس في السر.

في ساعات الصباح قوات من الأمن الفلسطيني تتواجد في محيط مخيم الأمعري بعد أن اتضح لهم أن الاجتماع سيكون في قاعة نادي المخيم حيث  تعذر عقده في الهلال الأحمر الفلسطيني. وعلى الرغم من كل هذه  الإجراءات لم تكترث هذه القيادات و الكوادر من رسائل التهديد الشخصية  على اعتبار أن هذا الاجتماع له ( أجندة خارجية) وهو مؤامرة على الشرعية وعلى الرئيس عباس و على حركة فتح. لسوء حظ المُهددين أن هذه التهديدات لم تساعدهم في التأثير على هذه القيادات وثنيهم عن عقد هذا الاجتماع وقراءة  البيان الذي يعبر عن موقفهم لما يجري في فتح على اعتبار أنهم ليسوا ضيوف عابرين وليسوا أجراء  عند أحد، وأن لهم وجهة نظر مختلفة يصرون على التعبير عنها حتى وان كانت لا تعجب البعض.

هذه القيادات و الكوادر  التي  اجتمعت  في مخيم الأمعري أمس، ليسوا نكرات في حركة فتح وليسوا نكرات في محيطهم الاجتماعي، حيث أقل واحد منهم أفنى سنوات عمره في سجون الاحتلال وغالبيتهم من كانوا عناوين بارزه في الانتفاضتين الأولى والثانية. جزء منهم منتخب سواء في المجلس التشريعي أو المجلس الثوري لحركة فتح أو منتخبين في الأقاليم والمناطق.

يستطيع الرئيس عباس أن يفصل من يشاء مستخدما كل ما لديه من صلاحيات كرئيس للحركة ورئيس للسلطة ورئيس للمنظمة، و تستطيع الأجهزة الأمنية أن تستخدم كل ما لديها من سطوه ونفوذ ولكنهم لا يستطيعون نزع الضفة التنظيمية والوطنية والأخلاقية عن هؤلاء القيادات والكوادر.

الحلول الأمنية والعسكرية لا تستطيع أن تحافظ على نظام ولا على رئيس ولا على سلطة، لو كانت تستطيع لنجحت في الحفاظ على نظام زين الدين بن علي في تونس و معمر القذافي في ليبيا و لنجحت في الحفاظ على وحدة سوريا و غيرها من النماذج، هذا ونحن نتحدث عن دول حقيقية وأنظمة حقيقية وليس عن سلطة محدودة الصلاحيات بحكم وجود الاحتلال.

والأمر الأخر هو ما علاقة الأجهزة الأمنية في خلافات تنظيمية؟ ما هي علاقة حرس الرئيس الخاص والأمن الوقائي والمخابرات والاستخبارات والشرطة المدنية والأمن الوطني والدفاع المدني في اجتماع تنظيمي لكوادر من فتح يناقشون مستقبل حركة فتح ويعبرون عن مواقفهم في قضايا تنظيمية؟

ما هي الجريمة التي يقترفها هؤلاء القيادات و الكوادر عندما يطالبون بوحدة فتح رافعين شعار ” قوة فتح في وحدتها”  و يعبرون عن رأيهم في دعم الجهود العربية في توحيد صفوف حركة فتح ورفضهم لإجراءات الفصل وقطع الرواتب التي تمارس بحق قيادات وكوادر أبناء فتح؟

نصيحتي للأجهزة الأمنية لا تخالفوا القانون في تدخلكم في أمور تنظيمية ليس لها علاقة في صلب عملهم، لا تجعلوا من إخوتكم ورافقكم في الأسر والنضال أعداء لكم. الحلول الأمنية لم تنجح في دول اعرق بكثير من سلطة فلسطينية تعيش تحت الاحتلال .

Dr.sufianz@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com