قراءة هادئة في المؤتمر العام السابع لحركة فتح..

أهم القرارات وما لم يتم طرحه وأهم التوقعات

عقدت حركة “فتح” مؤتمرها العام السابع أيام 29/11 – 4/12/2016 (أي لمدة ستة أيام كاملة) برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبحضور حوالي 1400 عضو من أبناء الحركة. وذلك بعد تأخير استمر عدة سنوات عن عقد هذا المؤتمر بسبب ظروف ادت الى تأجيل عقده مرات ومرات، ولكنه في النهاية عقد في مقر المقاطعة، وفي قاعة احمد الشقيري بالتحديد.

في هذا التحليل نحاول القاء الاضواء على العوامل التي ساعدت على عقده، ومجرياته وقراراته ونتائجه العامة.

العوامل المساعدة في عقد المؤتمر

لقد طالبت اصوات فتحاوية بضرورة عقد هذا المؤتمر منذ سنوات، ولكن في دورة المجلس الثوري الاخيرة التي عقدت في العشرينات من شهر ايلول المنصرم، اتخذ القرار بعقد هذا المؤتمر السابع في رام الله يوم 29/11/2016، أي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. واصر الرئيس عباس على ضرورة الاعداد الجيد لهذا المؤتمر، وترتيب اموره واعداد قائمة المدعوين. وكان هناك خلاف حول عدد المدعوين أو المشاركين فيه، اذ كان يٌصّر الرئيس على ان يكون سقف المشاركين لا يتجاوز الالف شخص، لكن المطالب بأن يشارك اكثر من ذلك، وقبل الرئيس ان يكون العدد 1400 عضو مقارنة مع 2800 عضو شاركوا في المؤتمر العام السادس الذي عقد عام 2009 في بيت لحم، وهذا العدد الكبير ادى الى وقوع فوضى، وكذلك فقدان الانضباط الداخلي.

ومن أجل نجاح المؤتمر وعدم عرقلة اعماله، اجرى الرئيس عباس اتصالات مع الاردن للسماح لاعضاء المؤتمر بالتوجه الى فلسطين والمشاركة في المؤتمر دون أي اجراء بحقهم. وقد احترم الاردن طلب الرئيس، وقرر عدم اتخاذ أي اجراء ضد اعضاء حركة فتح في اقليم الاردن، كما وعد بتسهيل دخول اعضاء المؤتمر القادمين من دول عربية الى الضفة الغربية.

واضافة الى ذلك فقد قام الرئيس عباس بزيارة كل من تركيا وقطر لتحسين العلاقات مع هاتين الدولتين المساندتين لحركة حماس. وقد تعهدت قطر بأن تغطي تكاليف عقد المؤتمر، كما تعهدت قطر وتركيا باجراء اتصالات مع اسرائيل لعدم عرقلة الاعضاء من الوصول الى المؤتمر، كذلك تم التعهد بالا تقوم حماس بعرقلة أو منع اعضاء الحركة من التوجه الى الضفة للمشاركة في المؤتمر.

وكان هناك تعهد فلسطيني من قبل الرئيس عباس على مواصلة الجهود الفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية، وانهاء الخلاف مع حركة حماس. وان يعمل الرئيس على اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في اقرب وقت، وكذلك بذل الجهود للسماح لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، من العودة الى الوطن والاقامة في الضفة الغربية.

أي ان العامل الاساسي الذي شجع على عقد المؤتمر هو رغبة اعضاء فتح في عقد المؤتمر مهما كانت النتائج، لانه من الضروري العمل على تطوير الحركة، وضخ دماء جديدة سواء اكانت شابة أو مسنة، وكذلك تم تعبيد وتهيئة الطريق لعقد المؤتمر دون عوائق متوقعة!

 

دور المعارضة الفتحاوية الايجابي

لقد كانت هناك معارضة فتحاوية التي تنقسم الى اكثر من قسمين: الاول التي لها علاقة مع عضو الحركة المفصول محمد دحلان، والثاني قدامى فتح او الذين هم غير راضين عما وصلت اليه فتح، وغير راضين عن ادارتها.

هذه المعارضة احتجت بصورة حضارية واكدت انها جزء من الحركة، ولا تريد الانشقاق، ولا تريد اضعاف الحركة. لذلك كان دورها ايجابيا، مع انها قالت وادعت ما يأتي:-

  • قائمة المدعوين لعقد المؤتمر تغاضت عن اعضاء في المجلس الثوري أو المجلس التشريعي. وهذا مخالف لانظمة الحركة.
  • تمت دعوة اشخاص للمشاركة في المؤتمر، وهم ليسوا اعضاء في الحركة بتاتاً.
  • استثناء عدد كبير من اعضاء الحركة من قائمة الحضور، حوالي 1400 شخص من ابناء الحركة لان المؤتمر السادس شارك فيه 2800 عضو على الاقل. وهذا، حسب وجهة نظرهم، لم يكن قانونيا، ويعتبر نصاب المؤتمر – كما يقولون – غير قانوني.
  • لم تتم المصادقة على البيانات المالية والادارية للحركة من قبل المجلس الثوري قبل عرضها على المؤتمر العام السابع للحركة.
  • اكثر من 90 بالمائة من المشاركين في المؤتمر هم موظفون في السلطة، ولذلك فلا يتمتعون باستقلالية القرار.

ما ميّز هذا المؤتمر

هناك عدة أمور ميّزت المؤتمر العام السابع عن سابقه ومن أهمها:-

  1. التنظيم والاعداد الجيدين، والسيطرة على الوضع، ومنع وقوع فوضى.
  2. مشاركة حوالي 60 وفدا من 28 دولة في المؤتمر. ومعظم رؤساء الوفود القوا كلمات في افتتاح المؤتمر.
  3. مشاركة وفد عن كل من حركة حماس والجهاد الاسلامي. وهذا تعزيز للوحدة الوطنية، اضافة الى وفود عن الفصائل الوطنية الاخرى المنتمية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
  4. لم تكن هناك معارضة قوية داخل المؤتمر لان هذه المعارضة كانت مستبعدة وغير متواجدة في داخل قاعة المؤتمر.
  5. كانت هناك وحدة حال بين تيار فتح الموالي لمروان البرغوثي الذي يقبع في سجون الاحتلال. مع تيار الرئيس عباس.
  6. الاقتراع جرى بصورة هادئة وسليمة لانتخاب اعضاء اللجنة المركزية للحركة، وكذلك اعضاء المجلس الثوري.
  7. التغطية الاعلامية الجيدة لاعمال المؤتمر، وخاصة اداء محمود أبو الهيجاء، الناطق باسم المؤتمر، وهذا الاداء الذي وفر هذه التغطية الممتازة!
  8. تلقى المؤتمر اهتمام العديد من الجهات الموالية والمعادية، وكانت هناك متابعة لما سيصدر عن هذا المؤتمر! وكذلك عن مجرياته الداخلية.
  9. لأول مرة يقوم رئيس حركة حماس خالد مشعل بالاتصال بالرئيس مع بدء أعمال المؤتمر، وكذلك بعد انتهائه مهنئاً بنجاحه.

 

 

خطابا الرئيس عباس

ألقى الرئيس محمود عباس خطابين في المؤتمر. الاول كان ثاني ايام اعمال المؤتمر، أي صباح الاربعاء 30/11/2016. واستمر الخطاب لمدة ثلاث ساعات والربع، وحظي بتصفيق متواصل.

ومن أهم ما جاء في الخطاب الاستمرار على نهج الرئيس الخالد ياسر عرفات، والعمل على تطوير حركة فتح، وعن انجازاتها الطويلة والكبيرة خلال السنوات الماضية.

أما الخطاب الثاني فقد القاه لانهاء أعمال المؤتمر مساء يوم الاحد 4/12/2016. واهم ما جاء فيه:

  • ان الجهاد الاكبر يكمن في تنفيذ القرارات.
  • ضرورة العمل على اعطاء دور أكبر للمرأة والشباب.
  • تعديل النظام الداخلي لحركة فتح.
  • مواصلة النضال السياسي، وبناء الدولة خطوة خطوة. واستمرار النهج التفاوضي والدبلوماسي من اجل اقامة الدولة الفلسطينية. وقال ان علينا ان نكون صبورين وان القيادة الفلسطينية ستتوجه الى مجلس الامن في شهر ايلول من العام القادم للحصول على قرار أممي /دولي. يعترف باقامة دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967. وان الجهود ستبذل لتحقيق وحدة وطنية.

من قرارات المؤتمر

أهم مقررات هذا المؤتمر انعكست في البيان الختامي الصادر عنه والذي تضمن جملة من النقاط واهمها:-

  • وجوب عقد المجلس الوطني خلال فترة ثلاثة شهور من اجل تفعيل دور منظمة التحرير، والحفاظ على المنظمة كبيت سياسي ومعنوي لابناء الشعب الفلسطيني كافة في الوطن والشتات.
  • أهمية انجاز البناء الوطني المرتكز على مجموعة من المبادىء الاساسية التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في المقاومة المشروعة لانهاء الاحتلال.
  • ضرورة التصدي للانقسام البغيض وانهائه لانجاز المصالحة الوطنية بهدف تعزيز الوحدة الوطنية.
  • التأكيد على استراتيجية “فتح” والمنظمة في توسيع قنوات الحوار والتواصل مع مختلف مكونات المجتمع الاسرائيلي.
  • التأكيد على مواصلة مسيرة فلسطين في الأمم المتحدة.
  • ضرورة وأهمية محاربة كل أشكال التطرف والارهاب.
  • رفض المؤتمر الحازم والصارم لأي تدخل في شؤوننا الداخلية، والتأكيد على الحفاظ على قرارنا الفلسطيني المستقل.
  • رفض المؤتمر لمحاولات تفتيت وتقسيم الدول العربية.
  • الوقوف الى جانب السعودية في مواجهة الارهاب، وضد قانون “جاستا” الاميركي.
  • الوقوف الى جانب مصر في مواجهة الارهاب.
  • تأكيد حرص الحركة على تطوير العلاقات والتعاون والتنسيق مع مختلف الاحزاب والقوى الشقيقة والصديقة التي تساند سعي شعبنا للحرية والاستقلال.
  • شدد المؤتمر على تبني دعم حملة مقاطعة منتجات المستوطنات الاسرائيلية داعيا جميع دول العالم الى دعم هذا التوجه.

ما لم يتم طرحه في المؤتمر

عدة قضايا تجنب المؤتمر بحثها او اتخاذ قرار ضدها او معها ومن اهمها:-

  • لم يتناول المؤتمر تعيين نائب للرئيس، وكان كثيرون يتوقعون بحث هذا الموضوع وخصوصا ان الرئيس عباس دخل عامه الـ 82 من العمر، وخلال أشهر قليلة يدخل عامه الـ 83 عاماً. لكن بعض الفتحاويين ان اختيار نائب لرئيس اللجنة المركزية سيتم مستقبلا، وهو الذي يعتبر نائبا للرئيس عباس.
  • لم يتناول المؤتمر قرارات الرئيس لطرد اعضاء من الحركة، ولم يتناول موضوع العضو محمود دحلان، وكأن الرئيس عباس يعتبر ذلك من صلاحياته، ولا حاجة للمؤتمر التدخل في أدق التفاصيل.
  • قال الرئيس عباس في خطاب له قبل فترة قصيرة جدا من موعد عقد المؤتمر انه يعرف شخصيا من قتل الرئيس ياسر عرفات، وترك الامر للجنة التحقيق، ولكن المؤتمر لم يبحث ولم يتناول موضوع من اغتال الرئيس الخالد عرفات!
  • لم يتناول المؤتمر موضوع قطع العلاقات مع اسرائيل، وخاصة وقف التنسيق الامني، وبقيت الامور حول هذا الموضوع غامضة، وتركت للرئيس لاتخاذ القرار المناسب.
  • تجنب المؤتمر تناول مواضيع حساسة كثيرة وخاصة العلاقات مع اميركا واللجنة الرباعية.. ولكنه أصر على استمرار التواصل في الامم المتحدة.

صلاحيات كبيرة للرئيس

لا شك أن رئيس الحركة، الرئيس عباس الذي جرت مبايعته مجددا مع بداية اعمال المؤتمر يملك صلاحيات كبيرة ومن أهمها:-

  • اختيار اربعة اشخاص الى عضوية اللجنة المركزية بعد انتخاب 18 عضوا للجنة من قبل اعضاء المؤتمر. وهذا يعني ان اللجنة المركزية ستكون موالية له في اغلبيتها بعد هذا التعيين.
  • للرئيس عباس صلاحية اختيار أو تعيين 20 عضوا في المجلس الثوري، ومع الثمانين المنتخبين وكذلك اعضاء اللجنة المركزية يصل أعضاء المجلس الثوري الى اكثر من 120 عضوا، وهؤلاء العشرون المعنيون يصادق على عضويتهم ايضا المجلس الثوري المنتخبين.ويكون المجلس الثوري بالتالي مواليا ايضا له.
  • قائمة المدعوين لحضور المؤتمر تحتاج الى مصادقة الرئيس عليها.
  • حسب قرار حكم للمحكمة الدستورية يحق للرئيس عباس نزع حصانة أي عضو مجلس تشريعي، وكذلك نزع عضويته.
  • حسب أنظمة “فتح” المعمول بها حاليا يستطيع الرئيس فصل أي عضو في المجلس التشريعي أو المجلس الثوري، وفصل أي عضو عن الحركة.

اللجنة المركزية الجديدة

اللجنة المركزية الجديدة المنتخبة ضمت 18 عضوا، ثلث الاعضاء، أي ستة، هم أعضاء جدد في اللجنة وهم: الحاج اسماعيل جبر، د. صبري صيدم، دلال سلامة، روحي فتوح، احمد حلس، وسمير الرفاعي. ومن الذين لم يحالفهم الحظ في هذه الانتخابات هم: الطيب عبد الرحيم، د. نبيل شعث، سلطان ابو العينين. وهم من اعضاء اللجنة المركزية السابقة. اما الذين لم يفوزوا في هذه الانتخابات: أحمد قريع، نبيل عمرو وآخرون كثر إذ تقدم اكثر من ستين مرشحا لعضوية اللجنة المركزية.

واذا نظرنا الى نتائج هذه الانتخابات فان اللجنة المركزية لم تتغير، وبقيت موالية للرئيس عباس وبشكل اقوى.. وكذلك لم يدخل اليها عنصر شبابي، ولم تضخ دماء جديدة، اذ أن الدماء التي ضُخت اليها هي قديمة في العمل النضالي.

المجلس الثوري الجديد

المجلس الثوري الجديد المنتخب اعضاؤه الـ 80 يضم اعضاء جددا، ولكن لم يكن هناك أي تغيير جوهري، ومعظم الاعضاء الجدد هم موظفون لدى السلطة الوطنية سواء اكانوا محافظين أو مدراء عامين.

المجلس الثوري يتابع نشاطات وقرارات اللجنة المركزية للحركة، وهو الذي يصدر القوانين او الذي يحدد سياسة فتح. وعلى اللجنة المركزية تنفيذ ذلك. الا ان اللجنة المركزية القوية لا تنفذ ولا تطبق الا ما يروق لها.

وحسب القانون فان 20 عضو مجلس ثوري سيتم تعيينهم لينضموا الى المجلس الثوري ليصبح عددهم مع اعضاء اللجنة المركزية ليكون مجموع عددهم 122 اضافة الى الرئيس عباس.

ما بعد المؤتمر!

لقد عقد المؤتمر ونجح حسب تقديرات من شارك فيه، وحسب تقديرات آخرين فانه لم يحقق أي شيء فعليا، ولكن يجب الاعتراف بان الرئيس ابو مازن نجح في عقد المؤتمر، ونجح في السيطرة على اعضائه جميعا.

لقد قال الرئيس عباس ان عقد المؤتمر احتاج الى جهاد، ولكن الجهاد الاكبر في ترجمة وتنفيذ هذه القرارات والتوصيات الصادرة عن المؤتمر!

وتوقع كثيرون ان يقع انقسام داخل المؤتمر، ولكن هذا التوقع ذهب ادراج الرياح. وتوقعوا أيضاً أن تنشب مشاكل داخل المؤتمر، ولم يتم ذلك. وتوقعوا الكثير من الامور لكن لم تحدث. وجرت الاحداث بصورة هادئة دون أية مشاكل!

ولكن التساؤل: ماذا سيفعل المعارضون؟ هل لهم مخططات معينة، ام انهم سيسكتون ويتفرجون؟

مصادر عديدة قالت ان المعارضين لن يلجأوا الى الانقسام، بل يصرون على انهم جزء مهم من الحركة، ولا بدّ من العمل من داخلها. ومن خطوات العمل هذه، عقد مؤتمر موسع للنهوض بهذه الحركة؟ ولكن أين سيعقد المؤتمر ومتى؟ كلها هذه مجرد تكهنات. والامر المهم في نهاية الامر ان حركة “فتح” عقدت مؤتمرها العام مهما كانت النتائج.. ومرت الامور بسلام.. ولا بد أن تبقى كذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com