المطران كبوتشي أيقونة القدس النفيسة

رجل دين مؤمن ايمانا طاهراً وصادقاً، انسان بكل معاني هذه الكلمات، مناضل من أجل رفع شأن رعيته وأبناء شعبه، عاش مع وبين أبناء هذا الوطن، ناضل ضد الاحتلال، وخَبِرَ آلام ومعاناة الأسرى في السجون الاسرائيلية، عُذّب وأهين، لكنه كان شامخاً مرفوع الرأس لا يلين ولا يستكين ولا يتنازل عن طبيعته الفريدة، ولا عن أخلاقه الحميدة، ولا عن مبادئه المتينة.. كان خادماً مخلصاً لكل المؤمنين، لا يفرق بين الأشخاص بالدين، بل كان يعتبر الجميع اخوة في الايمان بالله.. هذا هو المطران هيلاريون كبوتشي، مطران القدس في المنفى، الذي عرفته يوم جاء الى القدس نائباً بطريركيا لكنيسة الروم الكاثوليك في أواسط الستينات من القرن المنصرم خلفاً للمطران الفلسطيني المتنيح أبو سعدى.

عندما احتلت اسرائيل القدس في 7 حزيران 1967 بدخولها الى البلدة القديمة، تألم المطران كبوتشي كثيراً. وما ان رفع منع التجول الذي فرضه جيش الاحتلال الاسرائيلي حتى سارع مع المفتي الشيخ حلمي المحتسب بدفن جثامين المقاومين من أبناء الجيش العربي الاردني حفاظاً على طهارتها، وتكريما لنضالهم، وكانت الصلاة فريدة مشتركة اسلامية مسيحية على هذه الجثامين..

عندما اعتقل عام 1974، حاول الاسرائيليون قدر امكانهم تعذيبه والاساءة اليه لأنه وقف الى جانب المقاومة.. وكانت السلطات الاسرائيلية قاسية في تعاملها معه لأنه كان مقاوما، ومواقفه مشاكسة للاحتلال ، جريئاً في قول كل ما يريد، غير آبه بكل الاجراءات القمعية العقابية لمواقفه الوطنية..

هذا المطران عمل على رفع شأن الكنيسة إذ بنى فندقاً الى جانب البطريركية في باب الخليل، كي يؤمن لها موارد ثابتة، وفكر في العديد من المشاريع لكن الاحتلال لم يمنحه الفرصة لتحقيق مخططاته وآماله وطموحاته.

عند اعتقاله، كثيرون تهربوا من المسؤولية، ولم يقفوا الى جانبه بسبب الخوف على مناصبهم.. أما هو فقد ضحى بمنصبه، وضحى بكل ما لديه من امتيازات كرئيس كنيسة مقابل خدمة هذا الشعب عملاً بتعاليم وأقوال السيد المسيح: “من أراد أن يكون الأول فيكم، فليكن لكم خادماً”.

بعد ابعاده ونفيه تواصلت مع نيافته عبر الهاتف، وقد كان من محبي مجلة البيادر التي كانت ترسل له بانتظام، وكان يراسلنا باستمرار، حتى انه في فترة من الزمن لم تصله البيادر، فاتصل واستفسر عن الأمر، وقد كان هناك خطأ في بريد ايطاليا الذي كان يعيد نسخ المجلة الينا..

لم يكن المطران كبوتشي  في أية لحظة غائباً  عن القدس الا جسدياً، أما روحياً فقد كان فيها باستمرار، يتابع كل صغيرة وكبيرة فيها ويتألم لتهويدها ولما يتعرض له سكانها من محاولات ترحيلهم عن مدينتهم، وهذا ما كان يقلق ويزعج ويغضب قادة الاحتلال الاسرائيلي.

وأذكر جيداً انه كان من قادة الذين دعوا الى الاضراب ضد الاحتلال في الذكرى الأولى لحرب حزيران ولاحتلال القدس.. ووقف الى جانب التجار متحدياً الجيش الاسرائيلي الذي كان باللحام يقفل أبواب المحلات التجارية المشاركة في الاضراب.

المطران كبوتشي هو أيقونة خالدة من أيقونات القدس النفيسة.. فهو عمل بحسب تعاليم السيد المسيح له المجد، وطبّقها على أرض الواقع من خلال تواضعه واتضاعه، وأعماله الكبيرة، وآثاره الخالدة، وهذا التواضع رفعه عالياً ليس الى مناصب عليا، بل الى السماء ليكون دائما وأبداً في أورشليم السماوية..

مهما قيل وكتب عن هذا المطران البطل، فاننا لا نستطيع الايفاء بما يستحقه.. وكل الشكر للذين قاموا بواجبهم نحوه، وخاصة قناة الميادين ، ولا بد من الاشارة الى ان هناك شبيبة تحمل اسمه، متواجدة في المدن الفلسطينية والتي كانت تعمل معه، والتي تقدر عطاءه المميز، وهي التي ستبقى محافظة على ارث هذا ا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com