الدكتور صابر فلحوط… تاريخ من الفكر والثقافة والتميز الإبداعي والنضال الوطني والقومي والعروبي

بقلم: الفنان التشكيلي عيسى يعقوب

منذ فترة استهدفت التنظيمات الإرهابية منزل الدكتور صابر فلحوط المستشار في القيادة القطرية والرئيس الفخري لاتحاد الصحفيين بعد وصوله إلى منزله بمحافظة السويداء… طبعاً لم أستغرب هذا الفعل من الإرهابيين أعداء الوطن وأعداء الله وأعداء الحضارة بحق الدكتور صابر فلحوط.. فالدكتور فلحوط هو من كبار القامات الوطنية المشهود لها بالإخلاص للوطن ومبادئه القومية والعروبية والإنسانية والحضارية.. ولو قمنا بسبر مسيرة حياة هذا الرجل الوطني العظيم لوجدنا أنها حافلة بكل ما هو جليل وأنيق ورهيف وصادق… الدكتور صابر فلحوط ذلك الذي ولد في قرية وادعة من قرى محافظة السويداء الرائعة, وسط أسرة كانت غاية في الفقر المدقع والحاجة لأبسط مقومات الحياة, شأنها شأن معظم الأسر في ذلك الزمان حيث يتحالف فيه على الفلاحين والفقراء عدوان لدودان: الإقطاع الداخلي والاستعمار الفرنسي الخارجي.‏..

1

درس الدكتور صابر فلحوط المرحلة الابتدائية في مدرسة القرية, التي فيها يتحول السقف في الشتاء كما سقوف معظم بيوت القرية في ذلك الحين إلى مخزون للدلف الذي ينهمر على رؤوس التلاميذ وكتبهم ودفاترهم بعد توقف الهطول، وتابع الإعدادية والثانوية في مدينة السويداء التي كانت قرية كبيرة لا يميزها عن باقي القرى سوى وجود الكهرباء في بعض شوارعها التي وجد فيها فلحوط ورفاقه غنيمتهم الأغلى في ذلك الوقت, حيث كانوا يقضون الليالي الطوال تحت عامود الكهرباء في الشارع يقرأون استعداداً للامتحانات المدرسية… وبعد الشهادة الثانوية نزل إلى دمشق لأول مرة في منتصف خمسينيات القرن الماضي ليسجل في جامعة دمشق التي لم يكن عدد طلابها يتجاوز العشرة آلاف طالب في ذلك الزمان… وكانت فترة الدراسة الجامعية بالنسبة له طافحة بالآمال والنشاط والأحداث الجسام التي كان جزءاً منها, وكانت تنبض في قلبه وأعصابه, حيث قامت حينها الوحدة بين سورية ومصر,.. وهنا بكى هذا العملاق فلحوط مرتين بكاء تمتزج فيه العاطفة مع العقل, مرة عندما عقد لهم اجتماع في فرع حزب البعث العربي الاشتراكي بمنطقة عرنوس بدمشق، حيث تم إبلاغهم حل الحزب, والثانية لحظة سماعه تنحي الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر عن القيادة في مصر بعد نكسة حزيران.‏.. وخلال الدراسة الجامعية تم انتخابه مندوباً لجامعة دمشق, وحينها أقام الزعيم المرحوم عبد الناصر لهم حفل استقبال في نادي الجزيرة بالقاهرة في تموز 1958‏ وعندما تقدم ممثلو الجامعات لتحية عبد الناصر ألقى فلحوط قبل أن يتقدم لمصافحته قصيدة شعرية من تأليفه،.. وخلال الدراسة الجامعية أصدر الدكتور فلحوط أول مجموعة شعرية بعنوان (البراكين).. وبعد إنهاء المرحلة الجامعية تم تعيينه مدرساً للغة العربية في مدينة صلخد بجبل العرب وكان حينها الانفصال قد دق أطنابه بين سورية ومصر.‏. وبعد قيام ثورة الثامن من آذار عام 1963 وبتكليف من قيادة الحزب شارك بإذاعة البلاغات الأولى من إذاعة حلب التي كان يشرف عليها الرفيق الملازم الأول يحيى أبو عسلي وحينها كان يؤدي فلحوط خدمة العلم في كلية الضباط الاحتياط.‏…

2

وفي 24 شباط 1966 صدر مرسوم بتعيينه مديراً عاماً للدعاية والأنباء في سورية, وهذا الموقع كان مسؤولاً عن تصدير أخبار القطر, ورقابة الصحف والكتب والأفلام الداخلية والخارجية. وقد تعامل معه فلحوط بروح الأديب والشاعر وليس بأسلوب المشكك والمستريب.‏. وبعد عام من تسلمه مهام المدير العام للدعاية والأنباء صدر مرسوم بتعيينه ملحقاً ثقافياً في بلغاريا حيث استثمر وقته جيداً ودرس الدكتوراه بالعلوم السياسية وقام بواجباته في الإشراف على الطلبة السوريين, الذي كانوا بالمئات في بلغاريا, وقد عادوا للوطن يحملون أعلى الشهادات وأصبح العديد منهم وزراء ومديرين ومسؤولين كباراً.‏.. وبعدها عاد إلى الوطن بعد الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها الزعيم الخالد والقائد المؤسس حافظ الأسد ليتم تكليفه بمهام مدير عام دار البعث ورئيس تحرير جريدة البعث، كما انتخب نقيباً للصحفيين حيث بقي في هذه المهمة أطول فترة في العالم لمثل هذا المنصب،.. وفي العام 1975 تم تعيينه مديراً عاماً للوكالة العربية السورية للأنباء سانا, إضافة لمهمته رئيساً لاتحاد الصحفيين الأمر الذي أتاح له شرف أن يكون في موكب الزعيم الخالد والقائد المؤسس حافظ الأسد في عشرات الزيارات الرسمية التي قام بها لعواصم في الشرق والغرب. كما أتيح له أن يشهد قيام اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة التي خاضت حرب تشرين التحريرية أمجد أيام العرب في القرن العشرين تحت رايته، وأن يكون قريباً من المحادثات السورية العراقية بهدف إقامة وحدة بين القطرين الشقيقين.‏.. وخلال الفترة ما بين 1966- 2006 اسعفته الظروف أن يسهم بتأسيس الاتحاد العام للصحفيين العرب, وأن يستمر نائباً لرئيس هذا الاتحاد, كما انتخب نائباً لرئيس اتحاد الصحفيين العالمي في موسكو عام 1980 وكذلك انتخب رئيساً للمركز العربي للدراسات الإعلامية منذ انتقاله من القاهرة إلى دمشق في العام 1980‏، كما شارك في جميع مؤتمرات الحزب القطرية والقومية, وتم انتخابه عضواً في اللجنة المركزية للحزب في المؤتمر القطري العاشر عام 2005‏، وهو شاعر مبدع شهد له القاصي والداني بجودة قصائده، وشعره كان يدرس في المدارس ويغنّى في الإذاعة فترة طويلة, وقد أصدر عدداً كبيراً من المجموعات الشعرية, وأصدر العديد من الكتب النثرية في السياسة والاجتماع إضافة إلى مئات المقالات والدراسات والمحاضرات والأبحاث في مختلف شؤون الحياة والمجتمع.‏.. وشعاره الذهبي قول الزعيم الخالد والقائد المؤسس حافظ الأسد: (نحن أقوياء بمقدار ما نمتلك من القوة) وقول الزعيم الخالد جمال عبد الناصر: (ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة).‏.. وأبرز هواياته: المطالعة, ورياضة المشي, وكرة السلة, والصيد البري.‏. ولم يجلس في مقهى في حياته باستثناء فترة المرحلة الجامعية حيث كان هو ورفاقه وزملاؤه يتحلقون حول الفيلسوف القومي الكبير زكي الأرسوزي في مقهى الهافانا بدمشق ليتعلموا منه، كما لم يمارس أية وسيلة من وسائل التسلية المعروفة كالورق والطاولة وما شابه.‏.. وكانت نصيحته دائماً للجميع هي:‏ إن الشهادات العالية والألقاب الفخمة, والمناصب الرفيعة يستحيل أن تصنع صحفياً مميزاً, أو كاتباً محلياً, أو شاعراً ذائع السمعة…

وإنني في خاتمة هذا المقال أود القول بأنه هو أول من ناداني فنان المقاومة وهو أحد أكثر الذين شجعوني جداً، وقام بافتتاح أحد معارضي التي أقمتها بعنوان (من أجلك يا قدس) في دمشق، وذهبنا معاً إلى منتدى القدس الدولي عام 2006 في اسطنبول وكان معرضي حينها مميزاً وكان هو يشرف عليّ ويرعاني ويشجعني في المنتدى، وما زال إلى الآن يشجعني على معارضي وكتاباتي.. وإنني لا أعتبر نفسي حتى اللحظة إلا كتلميذ ينهل من ينبوعه الثر بكل ما هو جليل ونقي وعظيم ونبيل.

16237223_1211634942254834_329562397_n

maktablquds2016@gmail.com

00963947318103

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com