سياسة أمريكا ترامب والإجابة على الأسئلة الكبرى ..؟! بقلم / د. عبد الرحيم جاموس

تابع ملايين الأمريكيين وغيرهم من العامة والسياسيين والإعلاميين، حفل التنصيب المهيب الذي جرى للرئيس ترامب يوم 20/يناير الجاري، وأستمع لخطابه الذي قدم فيه موجزاً لما سيكون عليه عهده، وخطوطاً عامة للسياسة التي سيتبعها داخلياً وخارجياً، على أساس يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية خلال فترته الرئاسية، الخطاب لم يكن مجرد خطاب تنصيب تقليدي للرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة، خصوصاً وأن الأوضاع الأمريكية خاصة والعالمية عامة أيضاً غير تقليدية، في ظل أزمة إقتصادية عالمية طاحنة، طالت الدول المتقدمة كما الدول النامية، والكل يبحث عن حلول للخروج من هذه الأزمة، إضافة إلى الصراعات المتفجرة في المنطقة العربية وغيرها، والحرب على الإرهاب، التي كان قد بدأها أسلافه من الرؤساء الجمهوريين أو ما يسمون بالمحافظين الجدد.

عودة إلى خطاب التنصيب، سنجد أنه قد إشتمل على العديد من الأفكار، كان في مقدمتها (أميركا أولاً) وإعادة السلطة إلى الشعب، وتعزيز التحالفات القديمة، وتشكيل أخرى جديدة، والقضاء على الإرهاب الإسلامي المتطرف، والعمل على توحيد العالم ضد الإسلام المتطرف، وأنتقد السياسات السابقة للولايات المتحدة، العسكرية والإقتصادية، حيث أَسِفَ على دعم أميركا لجيوش دول أخرى، وإنفاق تريليونات الدولارات في الخارج الأمريكي، وبالتالي التأكيد على أولوية الداخل الأمريكي، إقتصادياً وعمرانياً وإستحداث الوظائف للأمريكيين، فالأولوية لشراء المنتجات الأمريكية، وتوظيف الأمريكيين وإعادة المصانع التي هاجرت إلى الخارج، مؤكداً أن رؤيته السياسية ستحدد مسار الولايات المتحدة والعالم معها، لسنوات كثيرة مقبلة، مؤكداً أنه يسعى لإعادة بناء الولايات المتحدة لكل شعبها.

بالتأكيد من حق الرئيس ترامب، أن يقدم رؤيته السياسية لما يجب أن تكون عليه بلاده، ولكن دون أن يتعارض ذلك، مع ما إستقر من قواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية، التي باتت تنظم علاقات بلاده بمختلف دول العالم، ومع ما إرتبطت به من إتفاقيات أو معاهدات دولية، أممية أو قارية أو ثنائية، سواء في مجالات التعاون الإقتصادي والعسكري والأمني والثقافي وغيره، حتى لا يمثل هذا التوجه إنقلاباً، يؤثر في إستقرار العلاقات الدولية، ويثير النزاعات الأمنية والعسكرية والإقتصادية.

إن رائحة الإرتداد للداخل الأمريكي التي عبر عنها خطاب الرئيس ترامب، تظهر فيها ملامح الإنكفاء والبعد القومي، الذي قد يضع الولايات المتحدة في موضع المتخلي عن الكثير من الإلتزامات الإقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، التي قد إلتزمت بها مع الآخرين، هذا ما يستدعي طرح تساؤلات كبرى تحتاج إجابة واضحة من (أميركا ترامب) ومن سياستها الجديدة، أولها فيما يتعلق بإستمرار دعم الولايات المتحدة وأجهزتها ومنظماتها المتخصصة، والإتفاقيات الدولية التي أشرفت عليها وباتت تنظم مختلف مجالات التعاون الدولي من أجل تحقيق الأمن والإستقرار والسلم الدولي، والتي لعبت فيها الولايات المتحدة الدور الرئيس منذ تشكيل الأمم المتحدة، عقب الحرب العالمية الثانية، وحافظت على إستمرارها وتطورها، وهنا نذكر أن من أسباب فشل عصبة الأمم المتحدة وإنهيارها بعد الحرب العالمية الأولى، كان عدم مشاركة الولايات المتحدة فيها، رغم أنها أسست على أسس مبادئ الرئيس ولسن الأربعة عشر، فالسؤال في ظل التوجه الجديد للترامبية إلى أي مدى ستستمر الولايات المتحدة في لعب هذا الدور الذي يحدد مستقبل الأمم المتحدة ومدى فاعليتها ؟!!

إن إنهيار الأمم المتحدة أو ضعفها، قد يدخل العالم في حالة من الفوضى وعدم الإستقرار، تكون عواقبها وخيمة على كافة الدول والمجتمعات، إن الإتجاه إلى الداخل الأمريكي وعودة المصانع المهاجرة وإعطاء الأولوية لشراء البضائع الأمريكية، هذا لا يمكن له أن يتأتى دون الإخلال بما إلتزمت به الولايات المتحدة في إطار إتفاقية التجارة العالمية الحرة من خلال منظمة التجارة العالمية، التي ألغت الكثير من القوانين المنظمة للتجارة الداخلية، سواء في أمريكا أو غيرها من الدول الموقعة عليها، والتي مثلت عنوان النظام الدولي الجديد وعنوان العولمة، وهنا يأتي الإصطدام بين سياسة الرئيس ترامب، التي ستعيد أنظمة الحماية الجمركية إلى سابق عهدها، كي يكون شعار أمريكا أولاً والأولوية لشراء البضائع الأمريكية موضع التنفيذ، فما مصير إتفاقية التجارة الحرة العالمية، وكيف سيكون رد الدول الأخرى، وخصوصاً الدول التي باتت منافسة قوية للإقتصاد الأمريكي في مجموعة دول البريكس، والتي إلتزمت ببنود إتفاقية التجارة العالمية، خصوصاً وأن الولايات المتحدة قد لعبت أيضاً الدور الرئيس في وضع أسسها وقواعدها المنظمة للتجارة العالمية، والتي جعلت من العالم أجمع سوقاً مفتوحاً أمام بضائع الولايات المتحدة وغيرها، وكانت الدول النامية الأكثر تضرراً من نتائجها لضعف قدرتها التنافسية، فما هي الإجابة الأمريكية على سؤال، ما مصير النظام الإقتصادي الدولي بصفة عامة، وما مصير إتفاقية التجارة العالمية ؟!

لا شك أن القواعد القانونية المنظمة للإقتصاد الدولي بحاجة إلى التطوير، بما يخدم الإقتصاد العالمي ويتيح الفرصة أمام التنمية المستدامة لجميع الدول، والنهوض بإقتصاديات الدول النامية، بعيداً عن روح الهيمنة والسيطرة التي تبقي العالم مقسوماً بين متطور ومتخلف، بين فقير وغني، لأن ذلك هو الأساس الذي يقف خلف هذه الأزمات الإقتصادية المتلاحقة، والتي لم تعد نتائجها مقتصرة على دول بعينها، أنظر إلى الدول النامية والتي فرض عليها أن تكون مورداً للمواد الخام من نفط وغيره، ما آل إليه وضعها الإقتصادي في الآونة الأخيرة.

في مجال التحالفات العسكرية والإنفاق العسكري، ومواجهة الإرهاب الإسلامي وتشكيل جبهة عالمية لمواجهة الإسلام المتطرف، تثور أمامنا تساؤلات عديدة، بدءاً من تعريف الإرهاب، وصولاً إلى أنواع الإرهاب، فلا زال الإختلاف قائماً على مستوى الأمم المتحدة حول تعريف الإرهاب، كما على مستوى فقهاء القانون الدولي، وعلى مستوى أنواع الإرهاب، من إرهاب الأفراد، وإرهاب المجموعات، وإرهاب الدول، ففي أي صنف يصنف (إرهاب الإسلام المتطرف) وما هي طرق مواجهته ومعالجته، وما هو نطاقه الجغرافي الذي يحدد مسرح عمليات المواجهة، وماذا يسمى التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة ومهاجمتها وتدميرها، وتفكيكها، وماذا يسمى إستمرار إحتلال أراضي الغير، والإستيطان فيها، وحرمان شعوبها من حقها في تقرير المصير وبناء مستقبلها، وممارسة القتل اليومي في حق أبنائها والحيلولة دون تحقيق الحياة الكريمة لها، مثل الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والأراضي الفلسطينية، متحدياً قرارات الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي كافة، أليس هذا إرهاب ما بعده إرهاب، مطلوب من أمريكا ترامب الإجابة على كل هذه التساؤلات حتى يقف العالم أجمع جبهة موحدة في وجه الإرهاب، وإعادة السلم والأمن إلى كافة البؤر المتوترة وإجتثاث أسباب الإرهاب بكافة أنواعه، سواء إرهاب الأفراد أو الجماعات أو الدول، سواء كان ينسب لمسلمين متطرفين أو غيرهم، فالإرهاب ليس لهو دين محدد وليس له مكان أو زمان محدد، فكل من يخرج على القواعد المنظمة للعلاقات بين الأفراد والجماعات والدول يهدد أمن الأفراد والجماعات والشعوب والدول، هو شكل من أشكال الإرهاب يجب أن يواجه وأن يتوقف حتى لا تكون العلاقات بين الأفراد والجماعات والدول ((فوضى حرب الجميع ضد الجميع))، ويدفع الجميع الثمن، حيث لا يكون هناك منتصر وإنما الكل خاسر لأمنه وإستقراره وسلامته ولمستقبله، لأن العنف لا يولد إلا العنف، تلك أسئلة كبرى على سياسة أمريكا ترامب الإجابة عليها، كي تنجح في محاربة الإرهاب وإجتثاث أسبابه وتجفيف مصادره، سواء كانت إجتماعية أو سياسية أو أمنية أو عسكرية، وتحقيق العدالة بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول المختلفة، والشراكة في بناء السلام والأمن والإستقرار للجميع على مستوى العالم.

السيد ترامب لم يلفت إنتباهه الإرهاب الصهيوني الذي يتعرض له العرب عامة، والشعب الفلسطيني خاصة، وقصر الإرهاب على الإسلام المتطرف، إن عدم إلتزام أمريكا بإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي على أساس إنهاء إحتلال إسرائيل للأراضي العربية وفي مقدمتها الأراضي الفلسطينية وإنهاء إستيطانها لها وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في العودة وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة، يبقي المنطقة العربية في حالة من التوتر، ومصدراً من مصادر تفشي ظاهرة الإرهاب، إن إجتثاث الإرهاب، يفرض إنهاء الإرهاب الصهيوني أولاً المتمثل في إستمرار الإحتلال والإستيطان في الأراضي الفلسطينية.

فالسؤال الكبير الذي لا بد من الإجابة عليه، هل تدرك أمريكا ترامب إن نجاحها في مواجهة الإرهاب الإسلامي المتطرف، متوقف أيضاً على مواجهة إنهاء الإرهاب الصهيوني في فلسطين والمنطقة؟!

قادم الأيام سيكشف لنا مدى قدرة السياسة الجديدة للولايات المتحدة على تحقيق الأمن والسلام لأمريكا وغيرها، وتحقيق التنمية لأمريكا وغيرها، والعالم أجمع ينتظر الإجابة على هذه التساؤلات الكبرى من قادم السياسة الأمريكية الترامبية …!!!

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

E-mail: pcommety @ hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com