ازدياد عدد حالات الانتحار في الجزائر/ عميرة أيسر

 -الانتحار وهو حسب التَّعريف الاصطلاحي العلمي إقدام الشَّخص على وضع حدٍّ لحياته بنفسه وذلك بسبب اليأس أو الاكتئاب أو غيرها من الأسباب المنتشرة في كل المجتمعات سواء المتحضِّرة أو تلك التي تعاني الفقر والتخلف وتصنَّف على أنها من بلدان العالم الثَّالث،ولكن أن تصبح هذه الظاهرة المَسكوت عنها وسيلةً يلجأَ إليها الجزائريون لإنهاء معاناتهم الجسدية أو النَّفسية أو التخلُّص من ضغوط الحياة وصدماتها فهي لعمري الطَّامة الكبرى،فالدين الإسلامي الحنيف الذي هو المرجع الرئيسي الذي من المفروض أن يضبط التعاملات الاجتماعية بين الأفراد وينضم علاقة الفرد بنفسه وربِّه يجعل الانتحار من السَّبع الموبقات المهلكات.فالله تعالى يقول في محكم تنزيله من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنها قتل النَّاس جميعاً هو مشمول بهذا الوصف والتَّعريف وقوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإيَّاكم إنا قتلهم كان خطأ كبيراً،فالانتحار كظاهرة سوسيولوجية ونفسية يرجعها الخبراء وعلماء الاجتماع والنَّفس إلى جملة من الأسباب الذَّاتية أي المتعلقة بحالة الشَّخص الذهنية والنفسية ومستواه المادي والتعليمي وحتى علاقته بربه عزَّ وجل ومستوى إيمانه الروحي وكذلك لمجموعة من الأسباب الموضوعية الميدانية والاجتماعية والاقتصادية،فالحالة الاجتماعية الصَّعبة وتردي الوضع الاقتصادي وانتشار البطالة والفقر في المُجتمع والذي بلغ مستويات قياسية وكذلك غياب دور التَّوعية  والرعاية الأسرية والإحساس بالظلم والقهر وغياب العدالة الاجتماعية وتغيُّر نمط الحياة وإيقاعها السَّريع وغيرها من الأسباب  التي يرى فيها الكثير من المختصين أسباباً رئيسيَّة في استفحال خطر هذه الظاهرة التي مسَّت كل شرائح المجتمع وطبقاته ودون تمييز أو استثناء.فالإحصاءات التي قدَّمتها الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان تؤكد على أن البلاد تشهد سنوياً أزيد من10آلاف محاولة انتحار ينجح منها1100للأسف الشَّديد فأغلب من يقدم على هذا الفعل المجَّرم أخلاقياً وقيمياً ودينياً ومجتمعياً هم من فئة الشَّباب والمُراهقين،حيث نجد بأنَّ53بالمائة منهم عاطلون عن العمل،و18بالمائة منهم يزاولون مهنا حرة و12بالمائة يزاولون أعمالاً غير ثابتة وضعيفة الدَّخل مادياً وحوالي11بالمائة من الموظفين ومن6إلى7بالمائة من المنتحرين ينتمون إلى نخبة المجتمع وهم الطلبة وهذا شيء يدمي القلب قبل العين حقاً.ولم يسلم حتى الأطفال من أنياب الانتحار ومخالبه.إذ كشف البروفيسور  السيِّد مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية وتطوير البحث النقاب عن تسجيل أكثر من1250حالة انتحار في صفوف الأطفال ملائكة الله التي تمشي فوق الأرض خلال السنوات القليلة الماضية وهذا ما يطرح جملة من التساؤلات المُحقَّة حول الخلفيات والمشاكل التي دفعت بالبراءة إلى محاولة الخروج من باب الحياة الضيِّق وبهذه الطريقة البشعة.الأطفال الذين يقدمون على الانتحار بطرق صادمة ومرعبة كإلقاء أنفسهم من أماكن شاهقة،أو قطع شرايينهم أو تناول المواد الخطرة والكيماوية السَّامة أو أدوية الكبار أو غيرها من الطرق التي يبقى الإنسان عاجزاً  أمامها وذلك عندما يُعمل عقله محاولاً فهم أسباب إقدامهم على ذلك خصوصاً وأنهم لم يروا شيئاً من خير الحياة أو شرها بعد.

 -ظاهرة الانتحار تعدُّ من أكثر الأسباب الثلاثة التي تؤدي إلى الوفاة  من بين140سبباً  مؤدياً للوفاة وذلك حسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية وهي الموت الطبيعي،والقتل،والانتحار ورغم ازدياد حالات الانتحار والتي تؤدي في أحيان كثيرة إلى حدوث اضطرابات نفسية تلازم الشخص المُقدم على الانتحار إذ فشل طبعاً طوال عمره،وهذا ما سيستدعي عادةً علاجاً ومتابعة نفسية طويلة الأمد ومستمرة،إلا أنَّنا نلاحظ عدم اكتراث ولا مبالاة شبه رسمية بهذه الظاهرة ومساوئها وخطرها على الأمن الاجتماعي ككل،إذ دأب السيِّد فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان وكل المسئولين  المعنيين بها على تكذيب كل التقارير الصَّادرة عن هيئات دولية أو منظمات وطنية حقوقية مستقلة والتي تحذر من أخطار هذه الظاهرة وارتفاعها بشكل مطَّرد،وبدل أن يناقشوا الأرقام والعلل والمسبِّبات من أجل محاولة فهم جذورها النفسية والاجتماعية لتقديم علاج مناسب لها،يحاولون التشكيك في صحَّة الأرقام  المتداولة ونفيها في كل مرة،وبما أن الانتحار من الظواهر المتشعبة والمتشابكة الأوجه والتي يصعب فهمها دون الإلمام بالظروف الشخصية لكل حالة قد تقدم على وضع حدٍّ لمشوارها في الحياة الدنيا ولكن  رغم ذلك تبقى الوقاية هي خير دواء لهذا الدَّاء الاجتماعي القاتل،ويجب على الدولة توفير كل أنواع الرعاية والاهتمام والخدمات الاجتماعية والتعليمة والصحية والتربوية  وعلى السُّلطات المختصة الاستعانة بدور العبادة والأئمة وتحسين الوضع الاقتصادي لفئات الاجتماعية المسحوقة من أجلِ خفض مستويات الانتحار إلى الحدِّ الأدنى لأن القضاء عليها نهائياً أمر شبه مستحيل،لأنها ظاهرة اجتماعية شاذة سلبية ولكن لا يخلو منها أي مجتمع في العصر الحديث.فالتغافل عنها وإهمالها وعدم التطرق إليها بالدِّراسة والتحليل والتنويه من أجل فهم مسبِّباتها وكيفية تأثيرها على تغيير السلوكيات الاجتماعية العامة والاستمرار في التعامل معها وكأنها غير موجودة سيكون له بالتأكيد تداعيات سيِّئة جداً قد تهدد وحدة المُجتمع الجزائري وتماسكه  البنيوي في المستقبل.

  -كاتب جزائري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com