إضراب الأسرى: مأزق إسرائيلي وفقدان توازن.. أشرف العجرمي

اليوم هو اليوم العاشر لإضراب الأسرى، والتفاعل مع الإضراب يزداد ويتسع نطاقه في كل الساحات، وخصوصاً في الساحات العربية والأوروبية التي شهدت حملات تضامن ونشاطات دعم وتأييد لحقوق الأسرى، والتي يبدو أن حركة “فتح” والجاليات الفلسطينية في أوروبا تلعب دوراً بارزاً فيها. ولعل فعالية التضامن مع الأسرى التي قامت بها الجالية الفلسطينية في لندن، التي تعرضت لضغوط شديدة من قبل اللوبي الإسرائيلي لمنعها، كانت الأبرز لأن النجاح كان حليف الأسرى ومؤيديهم من فلسطينيين وعرب وبريطانيين. بالإضافة الى سلسلة من التظاهرات التي شملت العديد من العواصم الأوروبية والعربية. وفي جنوب إفريقيا دشن سجناء سابقون ومنظمة “أحمد كاثرادا” الحقوقية “مبادرة مقاطعة إسرائيل من أجل فلسطين” للتضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام.

كل هذه التحركات التضامنية التي تأخذ في الانتشار والاتساع التدريجي مع استمرار الإضراب قد لا تقلق إسرائيل كثيراً، على الرغم من أنها تساهم في عزلتها وفي فضح سياستها المناقضة لحقوق الإنسان الفلسطيني وحقوق الأسرى والمعتقلين على وجه الخصوص، ولكن ما يقلق إسرائيل فعلاً هو تضامن الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، والتقديرات الأمنية الإسرائيلية تشير إلى قلق المستوى الأمني من احتمالات حدوث تفاعلات قد تقود إلى انتفاضات أو مواجهات مع قوات الاحتلال، والمشكلة من وجهة نظر هذه الجهات هي في تنظيم حركة “فتح” كون مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية يقود الإضراب، وإذا ما تفاعلت قواعد “فتح” مع الإضراب خاصة إذا استمر لفترة طويلة فهذا قد يقود إلى إشعال الشارع وإلى المواجهات التي لا تريد إسرائيل حصولها، خاصة في هذه المرحلة التي تسبق قيام الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب بطرح صفقتها للتسوية السياسية.

الصحافة الإسرائيلية تتحدث عن محاولة الجهات الرسمية الفلسطينية تهدئة الأوضاع حتى انتهاء زيارة الرئيس أبو مازن لواشنطن، ولكن لا توجد ضمانة لبقاء الأمور هادئة بعد أن أخذت أقاليم “فتح” في الضفة موقفاً حازماً مسانداً للإضراب، وقد تبدأ سلسلة من الفعاليات المساندة للإضراب من إضراب شامل ومسيرات ومظاهرات وأنشطة متنوعة لدعم نضال الأسرى. والقلق الإسرائيلي يتبدى في بحث موضوع الأسرى في اجتماع المجلس الوزاري الأمني السياسي المصغر، الذي عادة يبحث القضايا العاجلة والمهمة في الفترة بين اجتماعي الحكومة. وتعكس تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي هاجم فيها الأسرى وادعى أن إسرائيل تطبق المعايير الدولية في التعامل مع الأسرى مدى الخشية الإسرائيلية من التفاعلات المتوقعة مع قضية الإضراب محلياً ودولياً.

هجوم الأوساط الرسمية الإسرائيلية على الأسرى غير مسبوق من حيث التركيز والشدة، وهذا على ما يبدو ناجم عن التطورات التي شهدتها الحركة الأسيرة، حيث يمثل هذا الإضراب نقلة نوعية في تنظيم الأسرى ونضالهم بعد أن غابت الحركة الأسيرة عن المشهد السياسي منذ اتفاق الأسرى الذي كان من المفروض أن يشكل قاعدة إنهاء الانقسام. ويظهر أن سلطات الاحتلال تفاجأت بالقدرة على خوض إضراب يشمل عدداً كبيراً من الأسرى. ولأن الإضراب جاء في وقت تشهد فيه المناطق الفلسطينية توتراً ملحوظاً شابته بعض أفعال المقاومة الفردية من عمليات طعن ودهس وإطلاق نار. وبالتالي يمكن للإضراب أن يصب الزيت على نار هذا التوتر ويخرجه عن نطاق السيطرة. كما أن الإضراب جاء في وقت تزداد فيه عزلة إسرائيل الدولية بعد سلسلة من التقارير الأممية التي تتحدث عن انتهاكات فظة لحقوق الإنسان الفلسطيني تصل في بعض الأحيان إلى مستوى جرائم الحرب. ويضاف لذلك وصول العملية السياسية إلى طريق مسدود وتوقف الاتصالات السياسية بين السلطة الوطنية والسلطات الإسرائيلية.

لا شك أن استمرار الإضراب وانضمام أسرى جدد إليه سيؤدي في النهاية إلى ازدياد حالة التفاعل الشعبي مع الأسرى الذين يحظون بدعم شعبي بمستوى الإجماع الوطني. وهذا على ما يبدو سيلاحظ خلال الفترة القادمة. مع ذلك لابد من الإشارة إلى وجود قصور في التحركات الشعبية المساندة. ولو كانت التحركات الشعبية بستوى ما تشهده شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس بوك حتى لو أقل منها بدرجات لكانت الأرض تشتعل. وفي هذا السياق تنبغي الإشارة إلى أن هذه الشبكات تتحول تدريجياً إلى بديل عن دور الأحزاب والمنظمات التي كانت تلعب الدور الأبرز في تحريك الشارع. ويمكن لشبكات التواصل الاجتماعي في لحظات معينة أن تؤثر في حركة الشارع كما حصل أبان المظاهرات ضد جدول الكهرباء في غزة حيث نجح نشطاء الفيس بوك في إخراج عشرات الألوف من المواطنين للشارع للتظاهر، وهذا قد يحدث في موضوع التضامن مع الأسرى. وربما هذا أيضاً من دواعي القلق الإسرائيلي الذي بات يعبر عنه بتصريحات نارية عدائية وأفعال تدل على فقدان التوازن والهستيريا على غرار تظاهرة الشواء التي قام بها المستوطنون بالقرب من سجن عوفر في بيتونيا لمحاولة التأثير على معنويات الأسرى. وطالما يشكل الأسرى عنواناً للاجماع الوطني مع بعض النكوص لدى أحزاب وحركات باتت تشعر بالخجل من قصورها وتخاذلها سيكون النصر من نصيبهم مهما امتدت المعركة وطالت، وهذا ما يثبته تاريخ الحركة الأسيرة الحافل بالإنجازات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com