الرئيس الفرنسي الجديد ماكرون..  عوامل انتخابه والتحديات المتوقعة

علاقات فرنسا الخارجية وخاصة مع القضية الفلسطينية

احتفل يوم الأحد الموافق 14 أيار 2017 بتنصيب الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية الخامسة ايمانويل ماكرون، وقد سلم الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا اولاند مقاليد القيادة للرئيس الجديد الشاب، الذي يعتبر أصغر رئيس فرنسي منذ تأسيس الجمهورية الفرنسية إذ يبلغ من العمر أقل من 40 عاماً.

ويذكر أن ماكرون فاز في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد 7 أيار 2017 بحصوله على حوالي 65 بالمائة من أصوات المقترعين، في حين أن منافسته ممثلة اليمين المتطرف ماري لوبان حصلت على 35 بالمائة فقط من الأصوات، وهناك عوامل عديدة ساهمت في فوز ماكرون.

عوامل فوز ماكرون

ومن العوامل التي ساهمت بالفعل في فوز ماكرون بهذا المنصب الأول الرفيع في فرنسا:

  1. تخوف الشعب الفرنسي من سيطرة اليمين المتطرف على الحكم، وبالتالي توجه فرنسا نحو صعوبات داخلية وخارجية.
  2. خشية الشعب الفرنسي من الانسحاب من الاتحاد الاوروبي، لأن ذلك سيضعف فرنسا. ومعظم أبناء الشعب مع بقاء فرنسا في هذا الاتحاد.
  3. عداء جماهيري للمرشحة ماري لوبان بسبب تصريحاتها العنصرية الخطيرة، وخططها التي قد تدخل فرنسا في مشاكل عديدة.
  4. نسبة من أبناء الشعب الفرنسي وضعوا الورقة “البيضاء”، عبروا فيها عن عدم رضاهم عن أي من المرشحين للمنصب الرئاسي الفرنسي.
  5. يتمتع ماكرون بشخصية قوية جذبت الجماهير اليه، ولا ننسى انه شاب، وهذا ما يريده الشعب الفرنسي، إذ أنه ملّ من قيادة سياسيين تقليديين للدولة عبر العقود الماضية.
  6. أصحاب رؤوس الأموال كانوا من داعمي ماكرون، وخاصة مؤسسة “روتشليد” اليهودية التي تملك مصرفاً، والعديد من المؤسسات التابعة لها. وكان ماكرون أحد العاملين الرئيسيين فيها.
  7. قرار رئيس حزب “الجمهوريون”، فرانسوا فيون، بدعم ماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات، كما أن زعيم الحزب الاشتراكي اليساري بنوا امون قرر دعم ماكرون في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
  8. خلفيته السياسية اذ كان عضوا في الحزب الاشتراكي منذ عام 2006، واداؤه الجيد عند توليه مناصب رفيعة عدة منها نائب الامين العام لرئاسة الجمهورية، وكذلك وزير الصناعة والاقتصاد في حكومة مانويل فالس حتى عام 2016، أي حتى تشكيل حزبه الجديد باسم “الى الأمام”!

يد خفية أم أعجوبة

تساؤل يطرح نفسه حول فوز ماكرون: هل كانت هناك يد خفية تقف وراء الفوز، أم أن أعجوبة سياسية تمت في فرنسا!

هذا التساؤل يطرح لان ماكرون لم يكن “مشهوراً”، وكذلك لم يمضِ على تشكيل حزبه سوى العام الواحد، ولأنه أيضاً أحدث زلزالاً في فرنسا بابعاد القادة السياسيين التقليديين عن دفة الحكم!

ويمكن الاجابة على ذلك بالقول أن كونه من عالم المال، فان أرباب وأصحاب رؤوس الأموال وقفوا الى جانبه، كما ان اصراره على البقاء في الاتحاد الاوروبي لاقى شعبية جيدة، ولا شك أن شخصيته وصغر عمره لعبا دوراً في جذب الجماهير للتصويت لصالحه!

هناك من يدّعي ويقول أن المؤسسات الأمنية تلعب دوراً خفياً في بعض الأحيان، وهي التي وفرت الدعم لماكرون لأنه أقل تطرفاً من ماري لوبان، اضافة الى أن الشعب الفرنسي أراد التقدم “الى الأمام”، وأراد التغيير.

فوز ماكرون ليس أعجوبة بل هو مفاجأة كبيرة، ولكن هل هذه المفاجأة ستكون لصالح فرنسا؟. وما هي أهم التحديات التي سيواجهها هذا الشاب في بناء فرنسا لمدة 5 سنوات قادمة!

التحديات المتوقعة

هناك العديد من التحديات التي قد يواجهها ماكرون في ولايته الرئاسية الاولى، وأهمها دعم حزبه، والحصول على أكبر قدر من القاعدة البرلمانية له في الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي، إذ أن الانتخابات التشريعية ستجري يوم 11 حزيران القادم، حتى يستطيع أن يحكم من دون “مشاغبة” برلمانية عليه!

وماري لوبان التي حصلت على 35 بالمائة من الاصوات في الانتخابات الرئاسية ستحاول الحصول على نسبة جيدة من المقاعد في البرلمان الفرنسي لتشكل معارضة قوية.

وكذلك سيواجه تحديات المعارضين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وسيواجه معارضة الطبقة الفقيرة المهمشة في فرنسا، لان ماكرون هو من قطاع المال، وأرباب العمل، ولذلك فهو، حسب توقعات البعض، سيعمل على توسيع الفجوة بين طبقتي الأغنياء والفقراء في فرنسا، وهذا قد يولد انفجاراً وخاصة في أوساط الفقراء.

ومن أجل مواجهة هذه التحديات، اختار رئيس وزراء جديد للفترة الانتقالية، وشكل حكومة أرضت جميع الأحزاب المؤيدة له، مما يعني أنه يتعامل بهدوء مع هذه التحديات لتجاوزها بسلام دون أي خسائر وعراقيل. ويجب عدم نسيان أنه يعرف الصعاب التي سيواجهها، وكيفية التعامل معها!

علاقاته الخارجية

علاقات فرنسا الخارجية لن تتغير، إذ أنه سيواصل التمسك بعضوية فرنسا الفعالة والمهمة في الاتحاد الاوروبي، لذلك وبعد فوزه، التقى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، مؤكداً لها ضرورة التعاون الفرنسي الالماني لتعزيز الاتحاد، والعمل على منع محاولات اضعافه.

أما علاقات ماكرون باميركا فهي ستكون من ناحية جيدة، ومن ناحية أخرى سيئة.

الناحية الجيدة هي كون ماكرون آتياً من عالم المال، عالم الاقطاع، كذلك الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ولذلك فان العلاقات الفرنسية الاميركية قد تكون جيدة في مختلف الجوانب ما عدا الموقف تجاه الاتحاد الاوروبي، إذ أن الرئيس ترامب ضد الاتحاد الاوروبي، ويأمل في اضعافه وانتهائه، ولكن ذلك لن يتم. ومن هنا فان الرئيس ماكرون سيلعب دوراً وسيطاً يحاول من خلاله أن تكون فرنسا جسراً للعلاقات بين اميركا والاتحاد الاوروبي، وسيعمل على اقناع ترامب في التعامل مع هذا الاتحاد، والكف عن انتقاده أو مناهضته.

أما علاقاته مع روسيا ستبقى كما هي عليه، وكذلك مع افريقيا والعالم العربي اذ أن ماكرون هو “تلميد” سابق للرئيس السابق فرنسوا اولاند الذي عينه نائب الامين العام للرئاسة الفرنسية، وهو الذي شجع مانويل فالس على تعيينه وزيراً للصناعة والاقتصاد، أي أن ماكرون يمتلك ميولاً اشتراكية اضافة الى ميوله المالية الاقطاعية!

موقفه من سورية

ماكرون، كسائر الزعماء والقادة الغربيين، يقف ضد الارهاب رسمياً وكلامياً، وسيعمل على مواجهته، وخاصة تنظيم “داعش” الارهابي. لن يحاول التورط في حروب لمواجهة هذا الارهاب، ولكنه سيساهم الى جانب التحالف الدولي في مكافحة هذا الارهاب.

لن يطرأ أي تغيير على مواقفه تجاه الدولة السورية، فهو سيواصل السير على نهج اولاند العدائي لسورية، ولكن ربما يكون هناك بعض التغيير، إذا تحالف مع حزب الجمهوريين الذي يقوده فرانسوا فيون الذي له رأي واضح، وهو ضرورة محاربة الارهاب بكل جدية، وتحسين العلاقة مع سورية، اذ أن فيون وخلال حملته الانتخابية انتقد الموقف الفرنسي تجاه الارهاب، وتجاه سورية الدولة، وكان متوقعاً، لو نجح، أن يغير من السياسة الحالية. والتساؤل هل سيؤثر فيون على ماكرون، وكذلك هل نتائج الانتخابات التشريعية (البرلمانية) الفرنسية يوم 11 حزيران القادم ستجبر ماكرون على تغيير مواقفه تجاه سورية والعالم العربي، وتجاه قضايا عديدة في العالم؟

العلاقات الفرنسية الفلسطينية

ما يهمنا في نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية هو معرفة موقف الرئيس الجديد تجاه القضية الفلسطينية، وكذلك معرفة العلاقات الثنائية بين البلدين.

في البداية لا بدّ من ذكر بعض الحقائق وأهمها:-

  1. أن الرئيس ماكرون كان يعمل مع مؤسسة روتشيلد اليهودية المؤيدة لاسرائيل، وحصل على دعم عالم المال له خلال خوضه الانتخابات الرئاسية!
  2. ماكرون ليس متعاطفاً مع القضية الفلسطينية، وقال أكثر من مرة أنه لا يؤيد اقامة دولة فلسطينية مستقلة، أي أنه يتبنى الموقف الاسرائيلي.

وانطلاقاً من هاتين الحقيقتين، فان الدور الفرنسي في تفعيل أو تنشيط أو تحريك العملية السلمية في منطقة الشرق الأوسط سيكون ضعيفاً. وسيكون موقفه مغايراً لموقف الرئيس السابق اولاند. ولن تكون فرنسا داعمة للسلطة الوطنية الفلسطينية، أي أن فوز ماكرون لم يكن لصالح القضية الفلسطينية، وليس لصالح العلاقات الفرنسية الفلسطينية.

انطلاقاً مما ذكر، فان عصر “شهر العسل” بين فرنسا والقيادة الفلسطينية قد رحل، والرئيس ماكرون يميل الى اسرائيل أكثر من أي رئيس فرنسي سابق!

مرحلة فرنسية جديدة

لا شك أن انتخاب الرئيس ماكرون يشكل بداية مرحلة جديدة في تاريخ فرنسا. وهذه المرحلة ما زالت غامضة لأن الانتخابات البرلمانية لم تتم، وبعد اجرائها في 11 حزيران القادم ستنجلي صورة هذه المرحلة الجديدة.

ويأمل كثيرون أن تكون هذه المرحلة الجديدة تعزيزاً لدور فرنسي سلمي في العالم، وكذلك يتم فيها توحيد الصف الفرنسي إذ أنه في حالة انقسام.

هل ينجح ماكرون في رئاسته لفرنسا؟ من الصعب الاجابة على ذلك، إذ لا بد من الانتظار لمعرفة نتائج أدائه، وحجم انجازاته الرئاسية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com