انهيار واحة الديمقراطية./ بقلم: أحمد طه الغندور.

            كثيراً ما يوصف المجتمع الإسرائيلي بأنه واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط؛ وهذا ما تغنّى به الرئيس الأمريكي ترامب أثناء حملته الانتخابية، وعبر عنه في مقابلة صحافية مع صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية، المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيث أوضح قائلاً: ” أعرف جيداً أن “إسرائيل” هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط والمدافعة الوحيدة عن حقوق الإنسان، وتعتبر بمثابة منارة أمل للكثير من الناس”.

وإذا ما أضفنا لذلك تقارير منظمة ـ بيت الحريةـ ” Freedom House” المنظمة الأمريكية المستقلة والتي تُعنى بمراقبة أوضاع الديمقراطية على مستوى دول العالم؛ حيث تضع هذه المنظمة تل أبيب على أعلى مستوى بالنسبة للشرق الأوسط، حيث سجلت لها النقاط التالية؛ بالنسبة للإجمالي العام سجل كيان الاحتلال 80 نقطة من أصل 100، وبالنسبة لمستوى الحرية العام فكان (1.5 ــــــ 7) (حيث 1 = أكثر حرية و7 = أقل حرية) ويأتي ذلك من أن الحرية السياسية سجلت (1) بينما الحرية المدنية سجلت (2)، وهذا من أعلى النقاط التي تمنحها المنظمة، وهي مدونة على موقع المنظمة الإلكتروني في وقتنا الحاضر.

هكذا يتم إظهار الاحتلال الإسرائيلي على المستوى الدولي على الرغم من الهبوط والتردي الأخلاقي الذي وصل إليه هذا الكيان، فقد نقل موقع 48 بالأمس عن القناة العبرية الثانية؛ أن دائرة الإحصاء المركزية، وهي وحدة رسمية تعمل في إطار مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية لجمع وتحليل معلومات إحصائية بشأن الكيان، قد نشرت معطيات جديدة حول” ‘الشعور بالأمان الشخصي في أوساط الإسرائيليين” ، ويتبيّن من هذه المعطيات أنّ واحدًا من كل عشرة إسرائيليين كان ‘ضحية جريمة’ في سنة 2016، كما يستدل مما نُشر، أن 324 ألفًا من الرجال و 308 آلاف من النساء، في شريحة عمرية بين 20 سنة وأعلى، وقعوا ضحية “جريمة ” في عام 2016. والجريمة الأكثر شيوعًا، التي عانى منها الإسرائيليون في 2016، بحسب الدراسة، هي السرقات، بنسبة 4.4%، تليها الاعتداءات عبر الإنترنت، بنسبة 3.8%، والعنف أو التهديد بالعنف بنسبة 3.1%، والتحرش الجنسي بنسبة 2.3%؛ هذا فقط ما نشر بالأمس.

أما إذا ما تحدثنا عن جيش الاحتلال؛ فخير ما نستشهد به هو مقال كتبه أوري أفنيري ـ رئيس كتلة السلام وعضو كنيست سابق ـ بعنوان ” المستوى الأخلاقي للجيش الإسرائيلي ” كتبه في 28 ـ 3 ـ 2017 ونشرته صحيفة الأيام؛ اتخذ فيه من حادثة قتل المرحوم عبد الفتاح الشريف من الخليل علي يد الجندي الإسرائيلي إلينور أزاريا الذيا قتل الشريف بدم بارد وهو مصاب وملقى على الأرض وما حدث في المحكمة التي حكمت عليه بعقوبة مخففة وما تلى ذلك من تعاطف مع القاتل على المستويين الرسمي والشعبي علامة فارقة في تدهور المستوى الأخلاقي للجيش الإسرائيلي، وهو الجيش الذي كان يعتبره ” الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار سياسة التمييز العنصري التي بها السلطات الإسرائيلية ضد المواطنين العرب في الداخل في مجالات شتى ويأتي أخرها في شكل قرار محكمة حيفا التي قررت لأول مرة سحب الجنسية الإسرائيلية من شاب عربي إسرائيلي متحدر من بلدة أم فحم ارتكب هجوما وعملية طعن، وذلك في تطبيق لقانون يعود لعام 2008، ولا يقف الأمر عند المواطنين فقط بل النواب العرب في ” الكنيست” يتعرضون ليل نهار لاعتداءات لفظية وجسدية وتحقيقات من قبل جهات رسمية إسرائيلية وحتى إجراءات سحب الجنسية كما يجري مع عزمي بشارة النائب السابق؛ يأتي ذلك كله لمنعهم من ممارسة دورهم الطبيعي كنواب للشعب.

ولا تزال واحة الديمقراطية تدافع عن حكامها الفاسدين، فالمطالبات المتعددة لعدم إجراء محاكمة لرئيس الوزراء الحالي نتنياهو وزوجته عن تهم جنائية متعددة أهمها الفساد؛ لم تتوقف بل تجد لها زخماً في أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يعيث الفساد في الأرض برعاية حكومية، وقد سبق نتنياهو العديد من المسؤولين الذين اتهموا بالفساد مثل شارون، وأولمرت، ليبرمان ودرعي؛ وحتى على مستوى رئيس الدولة “موشيه كتساف” الذي سجن بتهمة اغتصاب موظفات.

ما سبق فقط لمحات عن واقع الأخلاق والديمقراطية داخل كيان الاحتلال؛ ولم نتطرق للوجه القبيح للكيان كسلطة احتلال على ملايين من البشر نهب أرضهم ومقدراتهم وحرمهم من ممارسة أبسط حقوقهم الإنسانية لما يزيد عن نصف قرن من الاحتلال، فكيف يرى الغرب في تل أبيب واحة للديمقراطية؟

لعل خير ما يجيب على هذا السؤال يوسي شفارتز ـ مناضل ومفكر شيوعي مقيم في بريطانياـ؛ حيث قال: ”   انه بالمقارنة بالأنظمة الديكتاتورية القمعية في الشرق الاوسط فان ” إسرائيل ” دولة ديمقراطية تدافع عن نفسها من العمليات الانتحارية والمنظمات الارهابية وخطر تحطيمها بشكل يومي. علاوة على ذلك، وكحليف وفي للولايات المتحدة، تحارب ” إسرائيل ” اعداء الحضارة الغربية ضمن “الحرب على الارهاب”.

إن هذا التفكير يتجاهل واقع عقود من الاضطهاد يعاني منه الشعب الفلسطيني ويتجاهل كذلك دور ” اسرائيل “بوصفها قوة امبريالية رئيسية في المنطقة”، مع العلم بأن هذا الكلام قاله في العام 2005 إلا أنه لازال ينطبق تماما على واقع الحال اليوم.

إن ما نريده اليوم لكسب التأييد العالمي لقضيتنا الفلسطينية وإن كان يقوم بدايةً على وحدة الفلسطينيين وتظافر جهودهم كي نستطيع النجاة بقضيتنا من فخ الحل الإقليمي؛ لأن الإقليم مكبل بضعفه الدكتاتوري وغياب الديمقراطية في الساحات العربية، فسيبقى الإقليم رهينة لأوامر الغرب وخاصة القادمة من البيت الأبيض والتي جعلت تل أبيب حليف في المنطقة.

علينا كشعب فلسطيني في الوطن، والداخل والشتات أن نتوحد وأن نجدد الدماء في مؤسسات منظمة التحرير وتوظيف كل الطاقات المبدعة والمخلصة لخدمة قضيتنا والعودة بها إلى الجذور.

إن المرحلة التي نحياها هي ــ نكون أو لا نكون ــ فلتنصهر كل التنظيمات في بوتقة واحدة ـ بعيداً عن الحزبية والانتهازية؛ كي تكون هذه التنظيمات أهلا لتمثيل الشعب الفلسطيني الذي صمد في القدس والنقب والسجون وغيرها من ساحات المواجهة.

إن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني وتجديد دمائه بات مطلباً وطنياً حثيثا، يشارك فيه الجميع لعلنا نستطيع إعادة صياغة وحدتنا من جديد.

كما أنه يجب أن ندك تماماً؛ أن لا مجال لمهادنة الاحتلال؛ فإنه في خطواته المتقدمة لإنهاء القضية الفلسطينية برمتها والمتمثلة ببناء الهيكل وإعادة تشريد الفلسطينيين.

ولعل من أولوياتنا التي تأتي مع تمتين بنائنا الداخلي؛ إعادة تجنيد الحلفاء والداعمين والأصدقاء كضرورة قصوى لنا، كل هذه الخطوات هامة ويجب القيام بها لدفع واحة الديمقراطية الزائفة إلى الانهيار، كي نتمكن من رفع علمنا على أسوار القدس ونتمكن من الصلاة في الأقصى الشريف أمنيين على أرض دولتنا المستقلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com