بن يامين نتنياهو وإلغاء فرضية حل الدَّولتين/ عميرة أيسر

رئيس الوزراء الصهيوني بن يامين نتنياهو وفي زيارته الأخيرة إلى واشنطن أكد بأنَّ المفاوضات بين حكومته وبين الفلسطينيين لم تعد ممكنة وبأنه لم يعد هنالك إمكانية لإقامة الدَّولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها  مدينة القدس الشرقية وساق بالمجمل سيلاً من التُّهم إلى كل الأطراف الفلسطينية وحمَّل سلطة رام الله فشل مسار المفاوضات ودفن حل الدَّولتين بلا رجعة، فوقائع المؤتمر الصحفي مع الجانب الأمريكي التي جرت في حينها أثبتت بأنَّ نتنياهو لا يتكلم من فراغ وإنما تدعمه مراكز صناعة القرار السّياسي والأمني في واشنطن فالرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب لم يأتي على ذكر حتىَّ كلمة الدَّولة الفلسطينية أو الرعاية الأمريكية لحل المشاكل السّياسية والتفاوضية وتذليل الصعوبات أمام الدَّولة الفلسطينية المأمولة، بل بالعكس من ذلك حاول الطرفان الإسرائيلي والأمريكي التركيز على الملف النووي الإيراني وخطر القدرات التسلحية لطهران ومحاولة إحياء ما يعرف بمحول الاعتدال السني، فمنطقة الشرق الأوسط التي تشهد تحولات سياسية جيواستراتيجية عميقة وكبيرة لا يرغب الأمريكان وحلفائهم من الصهاينة والعرب أن يوجهوا دفة مصالحهم نحو حل ملف الدَّولة الفلسطينية العالق منذ اتفاقيات أوسلو سنة 1993 أما عودة اللاجئين إلى ديارهم وقراهم ومدنهم التي أخرجوا منها عنوة بعد مجازر مروعة ارتكبها العدو الإسرائيلي  في حقهم فأصبحت حلماً مستحيل المنال، الإعلام الصهيوني هذه المرة و عناوين الصحف الكبرى والتي تعبر عن توجهات مختلف الاتجاهات السِّياسية والحزبية والإيديولوجية الصهيونية كمعاريف ويديعوت أحرنوت وهآرتس وإسرائيل اليوم وإسرائيل هيوم…الخ كلها أشادت بهذه الخطوة بالمجمل لأنه في نظرهم لا يمكن لحكومة بلادهم أن تقدم تنازلات مجانية لطرف الفلسطيني خصوصاً وأنَّ هناك إدارة أمريكية لم تعد تولي اهتماماً كبيراً لملفات المنطقة وأصبحت تعتبر بأنَّ الصراع فلسطيني الصهيوني هو شأن إقليمي محلي ولا يحتاج إلى تدخل دولي فالعقلية البرغماتية لدونالد ترامب تجعله يركز على الدُّول التي لها صناديق سيادية بالمليارات وتستطيع دعم الاقتصاد الأمريكي المتهالك أماَّ القضية الأولى العالقة منذ أكثر من نصف قرن من الزمن وربما أخر قضية تصفية استعمار في مطلع القرن الحالي فأصبحت  لا تهم الإدارة الأمريكية في شيء وحتىَّ سلطة رام الله لم تعد في نظر واشنطن إلا سلطة أمر واقع عليها قمع أي صوت فلسطيني معارض أو مقاوم وتوفير الحماية لمستوطنات والكيبوتزات الصهيونية وليس السهر على تحقيق أهداف منظمة التحرير الفلسطينية الإستراتيجية وأولها إقامة الدَّولة الفلسطينية المستقلة.

وتأكيداً على ذلك وكما يرى الأستاذ عبد الباري عطوان فإنَّ قيام ترامب بإيفاد رئيس المخابرات الأمريكية”مايك بومبيو” ولقاءه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يصب إلا لخدمة هذه الأجندات الأمريكية التي أشار إليه الإعلام الغربي فوكالة رويترز للأنباء ذكرت بأنَّ اللقاء الذي جمع جيرالد كوشنر صهر الرئيس دونالد ترامب وأحد مستشاريه الشخصيين بالسيِّد محمود عباس الرئيس الفلسطيني والصهيوني بن يامين نتنياهو لم يورد عبارة حل الدولتين في حديثة وقد شهد  هذا اللقاء حالة من التوتر الشديد و لم يقم  جيرالد كوشنر بالضغط على الطرفين للعودة إلى طاولة المفاوضات كما هي عادة كل الإدارات الأمريكية في العشرين سنة الماضية على الأقل سواءً كانت جمهورية أو ديمقراطية والتي كانت تضع على رأس أولوياتها حلّ الدولتين وذلك في كل خطاباتها السِّياسية وخرجاتها الدِّبلوماسية ولكن يبدو أن الجانب الأمريكي هذه المرة ضرب بكل هذه الأعراف الدِّبلوماسية عرض الحائط حينما طالب كوشنر وبعده مبعوث ترامب الشخصي لشرق الأوسط وممثله في المفاوضات الدولية جيسون جرينبلات عندما زار رام الله الجانب الفلسطيني بوقف المساعدات المالية والمعنوية لأسر الأسرى والشهداء والمعتقلين في السُّجون الصهيونية والتي ناهز عددهم 10 آلاف أسير فلسطيني منذ 1948بحسب إحصائيات نادي الأسير الفلسطيني منهم 389 طفلاً فلسطينياَ أسيراَ بالإضافة لمطالبته بوقف البروباغندا الإعلامية لتحريض على العنف ضدَّ المستوطنين الصهاينة واعتقال كوادر حماس والجهاد الإسلامي في مناطق سيطرة السُّلطة الوطنية الفلسطينية والزجِّ بهم في السجون حتىَّ دون أن يرتكبوا أي جرم وهذه السِّياسة الأمريكية الجديدة تتماها مع وعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بن يامين نتنياهو والتي أطلقها انتخابات سنة 2015 والتي قال: فيها وبالحرف الواحد بأنه لن يسمح تحت أي ظرف بقيام الدَّولة الفلسطينية و تعتبر مجرد حلم فلسطيني لن يتحقق على أرض الواقع أبداً وهذه اللغة السِّياسية المتشددة هي من أوصلت نتنياهو إلى اعتلاء سدَّة الحكم في تل أبيب مجدداً لأنَّ المجتمع الصهيوني بات لا يرى أفقاً سياسياً لعملية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية مادام أن إسرائيل ليست مضطرة أن تنفذ قرارات مجلس الأمن والاتفاقيات الدَّولية التي وقعتها في هذا الإطار لأنَّ اللجنة الرباعية أصبحت مفككة أو شبه مغيبة وهناك الكثير من الدُّول العربية والإقليمية التي تتحالف مع إسرائيل سياسياً وأمنياً وتقيم معها علاقات اقتصادية وتجارية وليس هناك انتفاضة شعبية فلسطينية عارمة مدعومة سواءً من الداخل الفلسطيني أو من أطراف عربية ودولية وبالتالي فإسرائيل مرتاحة نوعاً ما لمحيطها العربي والدولي ما دام أنَّ الدول الغربية وروسيا أصبحت تتصارع لزعامة الشرق الأوسط ولكن بعيداً عن الدخول في عداء معلن مع تل أبيب التي رغم أنها تعيش مقاطعة اقتصادية لمنتجات مستوطناتها من طرف العديد من دول الاتحاد الأوروبي ولكن لم يصل الضغط السِّياسي الأوروبي والغربي عليها بعد لمرحلة تجبرها على العودة لطاولة المفاوضات لمناقشة قضايا الحلّ النهائي كقضية اللاجئين ومشكلة المياه وكيفية تقاسمها و الحدود …الخ.

وحتىَّ زعيم المعارضة الصهيونية إسحاق هرتسوغ والذي انتقد خطاب نتنياهو بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى تل أبيب في 22مايو الفارط وذلك بسبب أنَّ نتنياهو لم يتطرق إلى قضية السَّلام مع الفلسطينيين في معظم خطابه السّياسي  الذي ألقاه  في الكنيست الإسرائيلي بالمناسبة ولكنه كمعظم السّياسيين الصهاينة يؤمن بأنَّ لإسرائيل الحقَّ في التوسع الاستيطاني ويدعم الأطروحات القومية لمفكرين اليساريين الصَّهاينة والذين حتىَّ وإن اختلفوا مع أحزاب اليمين الصهيوني كحزب الليكود والمسئولين المتطرفين كوزيرة الرياضة ميري ريغيف ورئيس الائتلاف الحكومي في الكنيست الصهيوني دافيد بيتان فأنهم يتفقون معهم على التلاعب بمصير الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وبأنَّ المستوطنين الصهاينة لهم الحق في العيش بسلام في المستوطنات التي أقاموها على أراضي 1967وبأنَّ مفاوضات السَّلام المقبلة  لا تشمل تلك الأراضي التي استولى عليها المستوطنون بالقوة  مما يعني ضمنياً التفريط في جزء كبير من أراضي الدَّولة الفلسطينية القادمة.فالمعارضة الصهيونية والتي تعتبر فيها تسيفي ليفني ذات التَّوجهات اليهودية العلمانية المتطرفة  شريكة هرتسوغ في المعسكر الصهيوني الحالي والذي حاول الانضمام إلى حكومة نتنياهو العام الماضي وفشل في ذلك  ورغم خلافاتهم السّياسية ولكن كل الأحزاب الإسرائيلية  وقياداتها متفقة على الخطوط الكبرى لحماية أمن الكيان الصهيوني وما يقوم به  زعماء المعارضة الصهيونية من حرص على السَّلام مع الفلسطينيين ليس إلاَّ النفخ في قربة مثقوبة فكل ما يجرى عملية تبادل أدوار منسقة مسبقاً فنتنياهو الذي يعتبر من الصقور في إسرائيل سيستمر في تبنى نفس السًّياسة الإقصائية القمعية على كافة الأصعدة والمستويات ما دام أنَّ الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم وضعفاء ولا يستطيعون تشكيل قوة ضغط على الرئيس الأمريكي أو المجتمع الدولي الذي يعتبر المسئول الأول عن تشريد الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه في النهاية  ويتحمل تاريخياً المسئولة الأكبر في إيجاد حل شامل وعادل لقضيتهم .

-كاتب جزائري

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com