قصة قصيرة.. نانا(غزل البنات غزل).. بقلم/ كامل خالد الشامي

الأرواح تشعر بالسعادة مع بعضها البعض, حتى وان تباينت الصفات الشخصية, فثمة رابط يجذب تلك الأرواح لتلتقي, وثمة أشياء مغناطيسية تقرب أفكار تلك الأرواح,وثمة شبه في المعاناة, وثمة شبه في اليوميات.

غزل صديقة دائمة لنانا,لا تستطيع أن تعيش بدونها, ولا يمر يوم من دون أن تتقابلا , وتناقشا أمورا تهمهما أو تهم واحدة منهن

وغزل مثل شعر البنات للأطفال, مفرحة عندما تراها, إلا أنها في نهاية الأمر لا تطاق, فهي شخصية حساسة جدا , وذكية جدا, وهي تريد أن تسمع كلمات معينة, ولا تدهشها أي كلمات أخري, غير تلك الموجودة في مخيلتها, تشعر سريعا بالملل, وترفض الأشياء المكررة,الكلمات والملابس والوجوه المكررة. ربما تكون هذه الشابة من المجانين الذين يعيشون خارج المصحات العقلية, فهي تهرب بشكل دائم من كل التفاصيل, تحب المغامرة, فتدخل إليها من أوسع الأبواب , لكنها سرعان ما تخرج هاربة من باب آخر وتواصل, تنهار فتبكي حتى آخر دمعة في كيس الدمع, والأسوأ أنها شخص متناقض ومزاجية  وعنيدة  الي أبعد الحدود, تقول: والدي تركنا وتزوج امرأة أخري, فليذهب وليأخذ معه كل الرجال, سنعيش رغم الداء والأعداء. تحب الصخب, وتدخن مثل القطار البخاري,رسامة كئيبة, وطفلة طيبة,وشخص عادي, يمكن أن تحبك وبعد ساعة تغضب منك وتطردك, ولكنها لا تسرق فرحا من

أحد, فلا فرح يعني لها شيئا.

نانا تتلاقي وتبتعد معها في هذه الصفات, ولكن ثمة قاسم مشترك يجمعها بغزل, والقاسم المشترك يمكن أن يتغير ويحل بدلا منه قاسم مشترك آخر, ولكن في كل الأحوال أنت أمام امرأتين بشخصيات مركبة.

خرجتا معا لزيارة حلا التي نهش السرطان جسدها وأصبحت منهكة ومتعبة جدا,وبقيا لبعض الوقت معها , كان الحزن الشديد يسيطر علي نانا التي تعشق حلا.

في طريق العودة إلي المنزل كانت غزل تشعر بالغضب من والد حلا الذي تخلي عن أسرته لأجل امرأة أخري, فهي تعيش نفس المأساة .

في مقهى علي شاطئ البحر دار بينهما حديث يتعلق بهجرة الشباب, والمعاناة التي تتركها الهجرة علي الشباب والأسر أيضا, فتقول نانا: إن ما يحدث للشباب المهاجر أمر فظيع , الكثير منهم يصبح عرضة للابتزاز والغرق, والبقاء في مخيمات اللجوء لفترة طويلة جدا, ناهيك عن عدم الحصول علي فرصة عمل

غزل: صحيح ما تقولينه, لقد غادر أسعد خطيب صديقتي ناريمان الي السويد منذ عدة سنوات, ولم يحصل حتى الآن علي عمل, وهو يعيش علي مخصصات الإغاثة, وناريمان تموت شيئا فشيئا, فلا هو بإمكانه العودة, ولا هي تستطيع اللحاق به, وهكذا يوجد في بلدنا آلاف الحالات المشابهة.

نانا:لماذا نعيش هكذا؟ بإمكاننا خلق فرص عمل للناس, علينا تشغيل عقولنا والتخلي عن الأنانية, والاستحواذ علي مقدرات الناس وسنكون بعدها بخير.

غزل: أدرك أن لا أحد يهتم بأحد, وهذا ما سيقودنا سريعا الي الهاوية.

نانا:هذه الحياة بكل ما تحمله من ظلم ومعاناة, وألم وموت وفناء, لن يبقي أي شيء علي حاله, وان كان التغير بطيئا.

غزل: علي ذكر الموت , لقد حلمت بالأمس أني كنت ميتة

نانا: لكنك علي قيد الحياة يا عزيزتي

غزل: لقد مت بالأمس وجاءني ملك طلبت منه أن يعيدني الي الحياة لأبقي بجانب أمي, فقال لي انتظري وعاد بعد قليل وإعطاني شاشة, وقال لي بإمكانك مراقبة الحياة من خلال هذه الشاشة,فرأيت الناس في محيطنا, يتخبطون ويتعثرون ويلهثون وراء سراب, لكنهم في نهاية اليوم, لا يحصلون علي شيء.

نانا: وماذا عني؟

غزل: لم أراك بين هذه الجموع, وتابعت لقد رأيت ظلا ثابتا في الشاشة وعندما قربت الصورة كانت أمي ومعها جمع غفير من أقربائي , أمي الوحيدة التي كانت تبكيني, أما البقية فكانوا يحتسون القهوة والتمور غير آبهين.

نانا:حقا ياغزل الأم هي صاحبة القلب الذي يبكيك.

غزل: لقد صحوت من نومي منزعجة جدا وذهبت الي غرفة أمي أبحث عنها فقد كنت مشتاقة جدا إليها.

drkamilshami@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com