قصة قصيرة.. صمت الحروف.. بقلم/ ميرال أحمد

حين تضيق الروح بأوجاع الزمان تعجز الكلمات أن تكتب حروفها, فتبقي صامتة وتصبح الحياة مثل شريط سينمائي أخرس, تمر مشاهده أمام عينيك بصمت, فلا أنت قادر أن تشارك في المشهد, ولا أنت قادر أن تعيد فيه الحياة بصوتك, فهذا هو الوجع, لا يداويه الصبر ولا الزمان.

وعندما تفقد الروح إحساسها بالحياة, تتشابه  لديها الصور, فالأسد لا يهمه شكل الغزال الجميل, ولا يعتني بقصصها, وماذا سيحدث لصغارها, ينقض عليها يقتلها, ويتركها لغيره ويذهب باحثاً عن فريسة أخري, وهذا هو الظلم بعينه, علي عكس القلوب العاشقة, تكتب حروفاً تعزف ألحاناً جميلة, تحلم بعالم حب تسوده الرومانسية وتكون الإنسانية أهم صفاته, وهناك فرق شاسع بحجم الأرض بين إنسان يحبك ويتمني أن تكون كل يوم بخير, وبين أخر يشبه ذاك الأسد يريدك فريسة, يقتلك, ويتركك لغيره ويمضي باحثاً عن فريسة أخري.

عندما تعشق شخصاً لا يعيرك اهتمامه, لكنه لا يريدك أن ترحل, ولا يريدك أن تبقي يصبح الوجع أوجاع, وتصبح الحياة بلا طعم, لكن شيئاً ما سيحدث, وستخرج من هذه المحطة مهزوماً, ومن قال أن الهزيمة ليست دواء, ومن قال أن الانتصار هو نهاية اللعبة, ستعود  مثقلاً بأوجاعك وجراحك كلها, لكني لن أنظر حينها إليك, فأنا لا أحب أن أري الحزن في عينيك.

أعذرني هذه طبيعة حياتي, لا أحمل حقداً في داخلي, ولست خائناً لأحد, ووجهي كما هو, لا أعرف الغدر, ولا أبحث عن ضحية.

فاجأت نرمين أختها  بيان, بيوم ميلادها, فأحضرت لها باقة ورد جميلة, احتضنتها وقالت لها: بيان حبيبتي, كل عام وأنت الأجمل, تفاجأت بيان بأختها, وأغرقت عيناها بالبكاء, وردت عليها بصوت شجي, وأنت الأجمل أختي حبيبتي.

دق جرس النقال, فإذا بمحمود يقدم التهاني لبيان بيوم ميلادها, فانهمرت دموعها غزيرة ولم تستطع أن تقاوم مشاعرها التي كانت تختلط بين الحزن علي فقدانه وبين الاشتياق إليه, فقصة حبهما ما زالت حية لديها, رغم أنه تزوج من امرأة أخري .

قال محمود: أهداي يا بيان, أريد أن أتحدث إليك قليلاً طمئنيني عنك,¸أعرف أني قد تسببت لك بألم شديد, وأعرف أنك تعيشين معزولة عن هذا العالم, ولكن صدقيني الظروف كانت أقوي مني, وقهرتني, فكنت مضطراً للزواج من امرأة أخري, والبقاء في الغربة, حتى أستطيع العمل ومواصلة حياتي بجلوها ومرها, لكن الحياة جاءت صارمة وقاسية معي, فقد توفيت زوجتي بمرض غامض, وأنا أصبت بفشل كلوي, أعتقد إن هذا قصاص مني لما فعلته معك, أرجو أن تسامحيني.

انتهت المحادثة, وغاصت بيان في حزن عميق, ودموع تكاد لا تنقطع, لم تصدق ما سمعته من محمود.

بعد أيام قليلة عاود محمود الاتصال ببيان وأبلغها بأنه سوف يعود إلي بلده ثانية, لأنه لا يستطيع أن يواصل, فقد تغير كل شيء, ولم يعد يمكنه البقاء, فصحته لا تسعفه, وحدد يوم العودة, وقال لبيان أنه برغم ما حدث ما زال يتذكر تلك الأيام الجميلة معها.

في يوم عودته اتصلت به بيان وهنأته بسلامة العودة, وتبادلا أطراف الحديث وأعرب لها عن رغبته الشديدة في لقائها, ترددت قليلاً، لكنها وافقت علي اللقاء.

غلبت العاطفة علي اللقاء, كان منكسراً أعراض المرض تبدو واضحة عليه, أما بيان فكانت تبكي بصمت, وتتحدث بحشرجة في صوتها, قال لها: أريد أن أبحث معك موضوع دفنه الزمن, قالت له: تفضل, فقال: بيان أنا أحبك برغم كل ما حدث, وأنا الآن بحاجة ماسة إليك, أريد منك أن تتزوجينني, أنا أعرف أني لن أعمر طويلاً, لكن وجودك بجانبي سوف يسهل عليّ موتي… تنهدت بيان وعيناها مليء بالدموع, وقالت له بصوت منخفض دعني أفكر.

 مرت عدة أيام دون أن تتصل به, وكانت غارقة في التفكير بين التردد والموافقة, ولكنها قررت الارتباط به, وقبل أن تبلغه بذلك تحدثت مع أسرتها عن موضوع الارتباط بمحمود, فأبدوا معارضة شديدة, وقاموا بتذكيرها بأنه قد تخلي عنها في يوم ما, ولم يكن صادقاً معها, حاولت بكل السبل وبكل الطرق, ولكن إصرار أسرتها حال دون ذلك.

أبلغته علي الهاتف أن الزواج لن يحدث بسبب رفض أسرتها المطلق, في الجهة الأخرى ينهار محمود وينقل إلي المستشفي, فتسرع إلي المستشفي لتطمئن عليه, وتواسيه قليلاً, ثم فاجأته قائلة: سوف أتبرع لك بكلية مني يا محمود, أنت حلم لن أتخلي عنه.

بعد أجراء الفحوصات اللازمة للتبرع بكليتها, اكتشف الأطباء أمرا ًخطيراً لديها ولكنهم أخبروها بعدم  التطابق.

شعرت بمرارة كبيرة, وراحت في نوبة بكاء عميقة وطويلة, وبعد ذلك اتصلت بمحمود وأبلغته بنتائج الفحوصات, فبكي هو الآخر طويلاً , لكن القدر له حساباته.لم تتبادل بيان ومحمود المحادثات الهاتفية لعدة أيام, فقد ظهر كل شيء وكأنه وهم, ولا مكان لتحقيق حلمهما, فجأة شعرت بيان بآلام حادة في منطقة الحوض والكليتين, فحملتها سيارة الإسعاف مسرعة إلي المستشفي, وهناك تم تحويلها إلي قسم العناية الفائقة, وقد غابت عن الوعي من شدة الألم, اكتشف الأطباء بعد أجراء فحوصات سريرية ومخبرية أن بيان مريضة بسرطان الكلي في مراحله النهائية.

لم يكن محمود علي علم بما يحدث لبيان, ولكن المرض هاجمه بشدة ولم يستطيع المقاومة, فنقل هو الآخر إلي المستشفي في حالة غياب عن الوعي.

في اليوم التالي اتصلت المستشفي بأسرة بيان وأبلغوهم عن وفاتها, وفي نفس اليوم فارق محمود الحياة.

ميرالِ أحمد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com