المصالحة الفلسطينية بين التفاؤل والتشاؤم.. د. محمد أبو سمرة

لمست منذ قدوم وفد قيادة حماس ومكتبها السياسي إلى مصر، وعقدهم اجتماعهم الأول بعد في القاهرة، أن الأجواء العامة لزيارة المكتب السياسي واجتماعاته العديدة مع وزير المخابرات المصري اللواء خالد فوزي، ومسؤول الملف الفلسطيني بالمخابرات المصرية والعديد من كبار المسؤولين المصريين تدعو للتفاؤل ، وكذلك لمست أن هناك الكثير من البشائر والإنفراجات التي تلوح في الأفق ، ولذلك دعوت للتفاؤل بالخير، وقلت حينها، وفي أكثر من موقع وصحيفة وفضائية : ( أعتقد أننا نقترب كثيراً من الإعلان عن طي صفحة الانقسام الأسود، وبدء صفحة المصالحة الوطنية الفلسطينية الشاملة، داعياً الله أن يوفق قيادة مصر العروبة، والرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية، وقيادة لحماس، في لملمة الشمل الفلسطيني، والإعلان عن حل اللجنة الإدارية، والبدء الفعلي في تنفيذ تفاهمات إنهاء الانقسام، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تعد للانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية والمحلية ). وكذلك كنت أول من تحدث عن التباشير والمعطيات التي تلوح في الأفق ، وأكدت الأسبوع الماضي : (أننا أقرب ما نكون، إلى الإعلان عن حل اللجنة الإدارية، والبدء في تطبيق تفاهمات المصالحة، وطي صفحة الانقسام الأسود، وأن هناك مؤشرات ومعطيات كثيرة تؤكد أن الانفراج مقبل وقادم بإذن الله ) … وهذا التفاؤل الذي سكنني ، كان نابعاً من قراءتي للمتغيرات الفلسطينية والإقليمية والعربية والدولية، والتي باتت تدفع كلها نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني، وأكثر المتغيرات الإقليمية تأثيراً ودفعاً لتغيير الواقع المؤلم فلسطينياً عربياً وإقليمياً، هو قرب انتهاء العدوان ضد سوريا الجغرافيا والتاريخ والحضارة والمكانة والموقع، والاقتراب من لحظات النصر على الجماعات الإرهابية والتكفيرية، والقضاء على المؤامرة والفتنة الكبرى التي تهدد سوريا والمنطقة بأكملها ، بالإضافة إلى قرب القضاء على ” داعش ” وغيرها من الجماعات الإرهابية التكفيرية في المنطقة، حيث كانت فلسطين الخاسر الأكبر بسبب الفتن الكبرى في المنطقة، ونزيف الدم السوري والعراقي واليمني والليبي والمصري والصومالي والأفغاني والتونسي والجزائري، وكافة الدماء الإسلامية والعربية، وباتت سوريا تسير قُدُماً في طريقها نحو النصر الكامل والشامل، وتطهير الأراضي السورية من جميع الإرهابيين والمرتزقة الأجانب، مما سيجعل سوريا العروبة تعود إلى سابق مكانتها ودورها وتأثيرها الإقليمي، وخصوصاً في الصراع العربي / الإسرائيلي ، وكذلك دورها في دعم ومؤازرة ومساندة القضية الفلسطينية ، فسوريا هي إحدى دول المركز المؤثرة في منطقتنا العربية والإسلامية ، وفي معادلة الصراع العربي / الإسرائيلي، وخصوصاً أنها شكَّلَّت منذ فجر التاريخ مع مصر الكنانة ، مركزية الاستقطاب الجيوسياسي والتأثير وصناعة الأحداث في المنطقة، وبلاد الشام ومصر هي قلب الأمة النابض بالحياة وإرادة الصمود والقدرة على النهوض وقيادة الأمة، وبالطبع فإن مصر هي المسؤولة والمعنية والراغبة والحريصة على تحقيق المصالحة الفلسطينية، وبيدها كافة مفاتيح المصالحة وضمان نجاحها، وقد قررت العودة بقوة إلى استعادة دورها الرئيس والمركزي في المصالحة والملف الفلسطيني، وهي الأكثر تأثيراً فيه، ولذلك فإن التقارب المصري مع حماس ، يصب مباشرة لصالح القضية الفلسطينية، والمصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني . وقد لمست أيضاً أن هناك تغييرات وتطورات ملموسة وايجابية في مواقف حماس ، وعلى ضوء ذلك خاطبت السيد الرئيس أبومازن ، وقلت حينها : ( أعتقد أنه من المهم لدى الأخ الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية التقاط هذه التطورات والإشارات التي تطلقها حماس ، وأنصح وأدعو وأطالب الأخ الرئيس بضرورة إرسال وفد قيادي فلسطيني بصلاحيات وصاحب قرار إلى القاهرة ، للقاء مع الأخوة المصريين، واللقاء مع الأخوة في قيادة حماس برعاية مصرية، وأؤكد أنه تلوح في الأفق الإعلان عن اللجنة الإدارية من طرف حماس، وإمكانيات تحقيق المصالحة، وطي صفحة الانقسام الأسود ) ، وأضفت : ( أعتقد أن الخرق الكبير الذي يمكن تحقيقه، والبدء الجدي بتطبيق كافة التفاهمات للمصالحة برعاية مصر الشقيقة الكبرى، يمكنه أن يتحقق على الفور، فيما لو جاء الرئيس الفلسطيني الأخ أبو مازن إلى القاهرة، على رأس وفد فلسطيني قيادي شامل، وهذه الفرصة قد لا تتكرر، وهذه نصيحة علنية أوجهها للقيادة الفلسطينية ، انطلاقاً من موقعي كجندي فلسطيني في ركب الثورة الفلسطينية، وانطلاقاً من التزامي الوطني وولائي لفلسطين وشعبنا البطل ، ومنظمة التحرير الفلسطينية، والرئاسة والقيادة الفلسطينية الشرعية والتاريخية ، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد ، وتحقيق المصالحة، ورفع الحصار الظالم عن شعبنا في الضفة والقطاع والقدس المحتلة وكل فلسطين ). وكان من الواضح واللافت أن هناك أسس ومعطيات وضوابط جديدة وضعتها مصر الكنانة ، أمام الكل الفلسطيني ، لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء صفحة الانقسام الأسود البغيض ، وأهم هذه المعطيات والأسس ، أنّ مصر أعادت الإمساك بزمام الملف كاملاً ، وإبعاد اللاعبين والعابثين الإقليمين عن هذا الملف ، وتسعى مصر أيضاً للعودة بمستوى العلاقة المصرية / الفلسطينية، إلى زمن الزعماء والقادة الكبار ، الزعيم جمال عبد الناصر ، والزعيم أحمد الشقيري ، والزعيم ياسر عرفات ، ولن تسمح باستمرار الانقسام الفلسطيني ، الذي أضعف الفلسطينيين، وأربك المحيط العربي، وأضعف الدور العربي والمصري للتماس مع القضية الفلسطينية ، فالمصالحة الفلسطينية باتت حاجة وضرورة مصرية، بنفس المستوى والقدر كونها حاجة وضرورة فلسطينية، وخصوصاً بعد فشل جميع المبادرات والوساطات الإقليمية والعربية والدولية السابقة للدفع بتحقيق أي تقدم في المصالحة ، والفشل في طي صفحة الانقسام الأسود، ولن تتوقف مصر عن الضغط بكل قوّة نحو تنفيذ وإنجاح المصالحة الفلسطينية الشاملة، وكذلك لن تسمح باستمرار الانقسام الفلسطيني الملعون، الذي بات يهدد أمنها القومي ، مثلما هو أكبر تهديد للأمن القومي الفلسطيني، وللكيانية والقضية الفلسطينية، ولتمزيقه وتفتيته للمكونات الاجتماعية والسياسية والديمغرافية الفلسطينية . وان العامل الذي شكل قوة دفع حقيقية لقطار المصالحة الفلسطينية هذه المرة بشكل جدي وصادق وحقيقي ، هو التغير الجوهري في موقف قيادة حركة حماس الجديدة ، والمؤشرات الإيجابية التي أطلقتها بشكلٍ يومي منذ قدومها إلى القاهرة ، ولذلك كان من المهم والضروري للرئيس محمود عباس، والقيادة الفلسطينية التقدم نحو مصر وجهودها المباركة لإنجاز ملف المصالحة، والاستجابة للمقترحات المصرية بهذا الخصوص، والتقاط الإشارات الإيجابية التي أطلقتها ومازالت تطلقها قيادة حركة حماس ، والبدء الجدي والفعلي في تحقيق المصالحة الفلسطينية، ولأن الرئيس أبو مازن يدرك أنّ رعاية مصر وتبنيها ورعايتها للمصالحة الفلسطينية، خير لشعبنا وقضيتنا من كافة الأطراف العربية والإقليمية والدولية الأخرى، وأيضاً أن تكون مصر الشقيقة الكبرى هي الضامن لتحقيق المصالحة الشاملة الكاملة، فهذا يعني أنها تستطيع أن تضع كافة الضوابط والمعايير والشروط لنجاحها، ومنع أي تدخل سلبي لأي طرف إقليمي أو دولي، وتقديراً منه لمصر وقيادتها ودورها التاريخي في دعم القضية والثورة الفلسطينية، وحرصها على ترتيب البيت الفلسطيني ، من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ووقف خطر التهويد والاستيطان، ومنع تقسيم وتهويد المسجد الأقصى المبارك، فقد تجاوب مع الجهود المصرية، وأرسل وفداً من اللجنة المركزية لحركة فتح، إلى القاهرة، ومنحه الصلاحيات الكاملة، وقد ذلَّلَّ وزير المخابرات المصرية اللواء خالد فوزي كافة العقبات التي أعاقت تحقيق المصالحة ، وبذل مع طاقمه جهوداً كبيراً من أجل إقناع حماس وفتح بالتوافق ، وإزاحة كافة العوائق التي كانت تمنع من تحقيق المصالحة، والإعلان عن موافقتهما على البدء بتنفيذ كافة التفاهمات السابقة، وحل اللجنة الإدارية ، وتمكين حكومة الوفاق الوطني من إدارة شؤون قطاع غزة وكافة وزاراته، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية تعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية . وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لتحقيق المصالحة الفلسطينية الشاملة ، ولذلك يتوجب على الكلّ الفلسطيني عدم إضاعة الفرصة ، التي قد لا تتكرر ثانية ، واختصار الوقت والمسافات وإزالة كافة العوائق، فشعبنا الفلسطيني الذي ترنو عيونه نحو القاهرة ، وينظر نحو الجميع مسكوناً بالأمل المشوب بالقلق الشديد ، لا يريد إلاّ تحقيق المصالحة ، وطيّ صفحة الانقسام الأسود الملعونة من تاريخه وحاضره ، التي مزّقت نسيجه الاجتماعي والسياسي والجغرافي والديمغرافي، وحوّلت حياته إلى جحيمٍ لا يطاق، لأن استمرار الانقسام يعني استمرار كافة أشكال المعاناة والحصار والبطالة والفقر والجوع وأزمة الكهرباء ، وتعقيدات الحياة المُرَّة في قطاع غزة المظلوم المحاضر والمنكوب …. ورغم تشاؤم المتشائمين ، وتشكيك المشككين، وإحباط اليائسين، فإنني أؤكد أن المسافة المتبقية لقطعها من أجل التخلص من تبعات ونتائج وموروثات الانقسام اللعين، والبدء الجدي والفعلي بتنفيذ إجراءات المصالحة، باتت قصيرة جداً، فالفرصة التي تتيحها مصر الكنانة هذه المرة لتحقيق المصالحة ورعايتها وتوفير كافة الضمانات المطلوبة لكافة الأطراف من أجل نجاحها ، لم تتحقق من قبل، أنها فرصة حقيقية وجدية وتاريخية ومهمة لتجاوز مرحلة السواد والخراب والتدمير الذاتي والانقسام الملعون، والانتقال إلى مرحلة بناء الثقة والالتقاء على كافة القواسم المشتركة من أجل فلسطين وشعبنا وقضيتنا .. شكرا لمصر العروبة والكنانة ، رئاسةً وقيادةً وشعباً … نعم للمصالحة، وليذهب الانقسام وكل من يرغب باستمراره إلى الجحيم… اللهم نسألك التوفيق والسداد لنا وللجميع، وأن تعجّل بالفرج لنا ولشعبنا المظلوم، وأن توفّق أولي الأمر لتحقيق المصالحة والوحدة، وإنهاء الانقسام .

 palwasat@hotmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com