الانقسام والمصالحة الوطنية واقع مشئوم وطموح منشود.. علاء منصور

جاءت أحداث الرابع عشر من حزيران 2007م والتي أدت لسيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة, إلى فرض واقع انقسام سياسي بين الفلسطينيين اتخذ طابع جغرافي في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة, وساهم في تكريسه وبقاءه لعشرة سنين وقد يربو عن ذلك قوى دولية  وإقليمية فاعلة, ناهيك عن توفر الأرضية الخصبة لدى الطرفين لاستمرار حالة الانقسام, فالمرتكزات الفكرية والبرامج السياسية مختلفة لدي الفريقين, إضافة الى غياب مفهوم التحول الديمقراطي والمشاركة السياسية في الحالة الفلسطينية, وتجلي مفاهيم المحاصصة وإقصاء الآخر ورفضه لمجرد لونه السياسي المختلف, فطالما كان التنوع والاختلاف مصدر للبناء والتقدم في الدول الديمقراطية, إلا أنه كان مصدر للحرب الأهلية والاقتتال والانقسام وتبديد الثروات الوطنية لدى الشعوب النامية , في ظل غياب ثقافة التسامح وقبول الآخر, واستعداء مفهوم التداول السلمي للسلطة وقبول نتائج الانتخابات, فالعوامل الذاتية السابقة وفرت الأجواء المريحة لاستمرار الانقسام, ومع توفر العوامل الموضوعية الدولية والإقليمية وجد الانقسام طريقه فنما وترعرع وصَلُب عوده فيما بعد, وجهدت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وحلفاءهم بالمنطقة على إفشال نتائج اتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس, وإفشال إقامة حكومة الوحدة الوطنية, حيث امتنعت إسرائيل عن دفع مستحقات السلطة المالية, مما أدى لعجز السلطة عن دفع رواتب موظفيها لعدة أشهر وعجزها عن إدارة شئونها الداخلية, الى جانب المقاطعة السياسية على تلك الحكومة, الأمر الذي عجل بانهيار مؤسسات وأجهزة السلطة في غزة, وسهل مجريات الصراع بين الأطراف الفلسطينية والذي أـدى لاحقاً لحدوث الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

طريق المصالحة الوطنية طويل ومتعرج وشائك, وتخلله اتفاقات متعددة  لم تجد سبيل لها سوى صفحات الإعلام المرئي والمقروء, وتعثُر طريق المصالحة واستمرارية الانقسام هو الحالة السائدة, وإزالة هذه الحالة وإسدال الستار عليها يتطلب خوض معركة صراع الإرادات الوطنية التي تُفضي لتغليب العام الوطني على  الخاص الحزبي الفئوي..  وهنا يكون الكل الوطني مدعو لتجديد بناءه الفكري والثقافي والسياسي على أسس جديدة, أسس تقوم على قاعدة مفادها أن طريق التحرير والخلاص من الاحتلال يكون عبر الوحدة الوطنية , والطريق الوحيد للوحدة الوطنية الفلسطينية هو الطريق الديمقراطي المؤدي لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية تفضي نتائجها لإنهاء حالة الانقسام, فحركة حماس لن تسلم مقاليد الحكم بغزة بسهولة ويسر بعيداً عن ضمان مصالحها وانجازاتها التي بنتها خلال عشرة سنين, وحركة فتح لن تقبل هي الأخرى لأن تكون حكومة تسيير أعمال  لحماية منجزات ومنشآت حماس وفتح الأبواب الإقليمية والدولية أمام الأخيرة.  وتبرز هناك معضلات ليس من السهل تسوية أوضاعها تتمثل بصلاحيات حكومة التوافق وممارسة سيادتها على الواقع الأمني والاقتصادي في قطاع غزة, وليست حكومة رواتب كما يُراد لها أن تكون, فسنين الانقسام تركت آثار وبصمات على طبيعة وواقع الحياة المُعاشة بقطاع غزة, ولن يُصار لتغييرها بجرة قلم أو بإعلان أو تصريح سياسي, ولكن الواقع يتطلب وجود مرحلة انتقالية قبل الولوج للانتخابات, وهي مرحلة ممارسة حكومة التوافق (الحمد الله) لسيادتها على كافة نواحي الحياة بقطاع غزة وتهيئة الأجواء قبل الدخول للانتخابات الوطنية, هذه المرحلة ستكون بمثابة الفترة الفاحصة بل الكاشفة لمسلك ونوايا الفُرقاء, وتتطلب  توافر إرادات وطنية خالصة نحو تمكين الوطني على الحزبي حتى تسير الحالة الوطنية الوحدوية العامة ببطء نحو واقع مأمول, وبدون ذلك ستبقى حلقات الانقسام ترواح مكانها ضاربة جذورها بالأرض, ونسائم المصالحة المأمولة تداعب وتدغدغ عواطف وأحلام وطموح الفلسطينيين. فبدون الإيمان المسبق بالطريق الديمقراطي واستحقاقاته والابتعاد عن المحاصصة وسياسة إقصاء الآخر بل قبوله والعمل معه في شراكه سياسية جادة لن تكون هناك رؤية توافقية تصالحية تسير وتقود الشعب الفلسطيني نحو بر الأمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com