القاضي الشرعي الأول محمود معراوي الهادئ والطيب والمحب للمجتمع والناس

بقلم: الفنان التشكيلي عيسى يعقوب

القاضي الشرعي الأول بدمشق الأستاذ محمود معراوي ربما هو من القضاة القلائل الذين أثاروا جدلاً في الأوساط الاجتماعية بسبب بعض الآراء التي أبداها بخصوص عدد من المسائل ومنها موضوع الزواج من امرأة ثانية. إلا أنه وعلى الرغم من كل ما أثاره هذا الأمر فهو دائماً يستند إلى قوانين وصيغ مقبولة يؤيد حجته بها فمثلاً منذ فترة اقترح الزواج الثاني كأحد الحلول المقترحة لحل مسألة تأخر الزواج والعنوسة، وبحسب وجهة نظره فإنه يرى أن هذا هو الحل الواقعي والمنطقي حتى لو كان لا يرضي معظم النساء.. وأوضح أن هناك تساهلاً في شروط الزواج الثاني لحل مشكلة العنوسة في المجتمع السوري مشيراً إلى أن هذا أمر طبيعي بشرط ألا يؤثر في حقوق الزوجة الأولى أو يؤدي إلى طلاقها وتشريد الأولاد.. طبعاً هناك الكثير من القضايا التي صرح بخصوصها للإعلام من باب المشاركة الحثيثة منه على تثقيف الشارع والمساهمة منه بوضع الحلول.. فمثلاً بخصوص الزواج المدني كشف أن أغلب الناس يجهلون المدلول الحقيقي للزواج المدني، فالعقد الذي ينشأ بين طرفين بحضور الشاهدين عقد صحيح، لأن أساسه الإيجاب والقبول،.. كما أكد أن الزواج العرفي هو عقد صحيح تتوافر فيه كل شروط وأركان الزواج الصحيح.. وعن حالات الطلاق في دمشق وريفها قال أنها تراوحت يوميا بين 5 إلى 6 حالات طلاق مبرراً ارتفاع نسبة الطلاق في المحافظة إلى الضغط الكبير من المحافظات الأخرى كاشفاً عن أن نسبة المراجعين في القصر العدلي من المحافظات الأخرى وصلت إلى 80% وقال إن نسبة طلاق القاصرات في دمشق وريفها لم تتجاوز 1% معتبراً أن النسبة الحالية تدل على وعي كبير يتمتع به المجتمع السوري. كما بين أن نسبة 10% من حالات الزواج العرفي حدثت دون رضا الأهل موضحاً أن الزواج العرفي هو عقد صحيح تتوافر فيه كل شروط وأركان الزواج الصحيح مستدركاً قوله إن هذا العقد يصبح لازماً في حال موافقة الولي لأن الزوج لا يتمتع بالكفاءة الزوجية لذا فإنه في حال توافرت الكفاءة الزوجية لدى الزوج لا يحق للولي فسخ عقد النكاح… كما أوضح أن الطلاق هو حق من حقوق الزوج وأن قانون الأحوال الشخصية السوري ضبط الطلاق التعسفي بهدف منع الزوج من تعسفه باستخدام حقه ما يسبب بؤس وفاقة لدى الزوجة مشيراً إلى أن قانون الأحوال الشخصية فرض نفقة ثلاث سنوات على الزوج في حال استخدم الطلاق التعسفي بحق الزوجة دون أي مبرر لذلك..

وقال إنه من حق الزوجة أن تطلق نفسها في حال اشتراط ذلك ضمن عقد الزواج أو أثناء الحياة الزوجية كاشفاً عن أن نسبة 60% ممن حصلن على تفويض بتطليق أنفسهن طلقوا أنفسهن من أزواجهن.. وأشار إلى أن المحكمة الشرعية تحاول أن تقلل من حالات الطلاق من خلال إعطاء مهلة للزوجين بهدف الصلح بينهما والاستمرار بالحياة الزوجية لافتاً إلى أن الشرائع السماوية اعتبرت الطلاق حقاً مشروعاً للزوج ولكن ضمن ضوابط وحدود وهذا ما عمل عليه قانون الأحوال الشخصية السوري وذلك للحد من ظاهرة انتشار حالات الطلاق في سورية.. وحول هذا الموضوع الذي هو العصمة بيد المرأة استعان بالمادة 78 من قانون الأحوال الشخصية ليبين أن هذه المادة أجازت للزوج أن يفوض زوجته بطلاق نفسها وذلك ضمن حالتين الأولى تفويض أثناء العقد أي إذا اشترطت المرأة أن تكون العصمة بيدها ووافق الزوج على ذلك وبهذه الحالة يكون التفويض تفويض تمليك فلا يحق للزوج أن يرجع عنه على الإطلاق ولا يعتمد برجوعه، وصيغة هذا التفويض الذي منحه الرجل للمرأة يحدد نوعية الطلاق الذي يفوض المرأة بإيقاعه حسب التفويض الممنوح لها “فوضتك طلاق نفسك” وهو ينصرف إلى طلاق واحد “طلقت نفسي منك” وفي هذه الحالة يمكن للرجل أن يعيدها “رجعتك”… أما إذا  كان التفويض بطلاق نفسها متى أرادت والمرة تلو المرة،  فهذا يعني أنها تستطيع طلاق نفسها لعدة مرات وبشكل تستطيع معه أن تطلق نفسها طلاق بائن “بينونة كبرى… والحالة الثانية التي بينها المعرواي إذا كان التفويض في حالة الزوجية فإن ذلك يعتبر توكيل ويجوز للرجل أن يرجع عن توكيله بالطلاق متى شاء وفي أي وقت، وبين أن نسبة الطلاق بين المفوضات بطلاق أنفسهن بلغت حوالي 70% ، وأشار إلى  أن التفويض سواء كان تمليك أو توكيل لا يسلب حق الزوج  بالطلاق… ولفت المعرواي إلى أن الزوج قد يجعل أمر طلاق زوجته بيدها من دون قصد عندما  يطلقها طلاقاً مشروطاً (إذا ذهبت إلى بيت أختك.. فأنت طالق) وهذا يعني إن ذهبت تستطيع، نافياً مفهوم يمين الطلاق الشائع بين الناس (لا استحلاف في الطلاق… واقترح القاضي الشرعي الأول في حال اضطر الزوجين إلى إجراء عقد عرفي لأسباب مختلفة، فليكن بشرط أن تكون العصمة بيدها من أجل تثبيت عقد الزواج في المحكمة كما في حالة “لم الشمل” ومن جهة ثانية تستطيع طلاق نفسها وهذا ما يجب على أهل الفتاة القيام به، ووجه المعرواي نصيحة للنساء أن يشترطن في عقد الزواج إذا تزوج الزوج من إمرأة ثانية أن تصبح العصمة بيدها بحيث تطلق نفسها متى شاءت..

ومن إحدى الطرائف التي حدثت معه أثناء عمله في المحكمة الشرعية هي أن شابا أقدم على الزواج من فتاة تنتمي إلى عائلة متدينة ولكي يحصل على موافقة الأهل لبس لباس الدين وأوهمهم أنه من ذوي الأخلاق الحسنة وبعد عقد النكاح اكتشف الأهل أنه من ذوي السمعة السيئة وأنه لا يقيم للأخلاق أي وزن كما أن زوجته الحالية كانت الزوجة السابعة ومن البديهي أن يطلب أهل الزوجة منه الطلاق إلا أنه رفض ذلك شريطة أن يدفعوا له تعويضاً بهدف أن يتزوج من فتاة أخرى قائلا من يعوضني لكي أتزوج الزوجة الثامنة…

وحول موضوع اللقطاء كشف معراوي أن عدد اللقطاء ازداد في سورية نتيجة نتيجة الحرب، موضحاً أنه لابد من التميز بين اللقطاء الذين ولدوا من أبويين غير شرعيين وتخليا عن الولد فأصبح مجهول النسب، وبين اللقطاء الذين فقدوا والدهم ولم يبلغوا سن التميز أي إنهم لا يستطيعون تذكر نسبهم… وقال: إن دمشق تستقبل في كل أسبوع معاملة تتعلق باللقيط، مبيناً أن دور القضاء الشرعي هو تعين الوصي على اللقيط بهدف القيام بكل الأشياء التي يحتاجها الطفل اللقيط من الرعاية… وبيّن أنه يتم رعاية الأطفال اللقطاء في دور الرعاية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، والتي بدورها تقترح على السجلات المدنية انتحال اسم للقيط حيث يقوم مدير السجل المدني بإيجاد اسم وهمي له لافتاً إلى أن هناك أشخاصاً قد يتقدمون إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بهدف رعاية اللقيط، وهنا يأتي دور القضاء الشرعي باعتبار أن الراعي يحتاج إلى وصاية لكي يحق له التصرف بحقوق اللقيط مثل السفر والتسجيل في المدارس وغيرها من الاحتياجات التي تمكنه من تسيير وتصريف شؤونه الحياتية… وأكد أنه تم إلغاء القانون الخاص باللقطاء عندما وضع “قانون الأحوال المدنية” ولم يتم إلى الآن إيجاد قانون بديل للقانون القديم على الرغم بأنه لابد من وضع قانون خاص باللقطاء ولاسيما أن قانون الأحوال المدنية ذكر قواعد عامة عن اللقطاء ولم يدخل في التفاصيل وخاصة أن اللقطاء يحتاجون إلى رعاية خاصة باعتبارهم مجهولي النسب… وأشار إلى ضرورة إيجاد قانون خاص باللقطاء بعد إلغاء القانون القديم باعتبار أن اللقطاء يعاملون معاملة خاصة ومن هذا المنطلق لابد من تقنين جميع المواد التي تتحدث عنهم في قانون خاص موضحاً أن المواد التي تنص على رعاية اللقطاء موزعة بين قانون الأحوال المدنية وقانون الأحوال الشخصية….

وبالطبع في خاتمة هذه المقال لا بد لي هنا من الإشارة إلى أن القاضي معرواي يتحدث الجميع عن حسن أخلاقه ورحابة صدره وهدوئه وبأنه يمتلك القدرة على التعامل مع جميع الحالات بحنكة وذكاء واستيعاب تام لكافة ملابسات وظروف أي قضية والاستماع للجميع وإبداء الرأي والنصيحة، كما أنه لا يبخل بأي معلومة تفيد السائل وخاصة الإعلام الذي يؤمن بدوره في التوعية الاجتماعية والإرشاد والتوجيه. وإنني قد كتبت عنه هذه المقال إعجاباً بهذه الصفات العظيمة التي يتحلى بها إضافة لما وجدته من إخلاصه لمهنته وتعاطيه بكل محبة مع القضايا التي تهم المجتمع والناس.

تلفاكس: 0116117850

maktablquds2016@gmail.com

00963947318103

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com