صفقة القرن الأمريكية: ملامح وتحديات.. إعداد/أ. منصور أبو كريم

مقدمة

في عام 1987 نشر رجل الأعمال الأميركي دونالد ترامب والذي أصبح فيما بعد الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، كتابه “فن الصفقة” (Trump: The Art of the Deal) بالتعاون مع الصحافي توني شوارتز، مستعرضاً بين صفحاته أفكاره وفلسفته في إدارة أعماله وعقد صفقاته الضخمة التي جعلته واحداً من أكبر رجال الأعمال والأثرياء في الولايات المتحدة والعالم، حصل الكتاب على المركز الأول والأكثر مبيعاً في قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعاً في عام صدوره، وظهر لعدة أعوام ضمن قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، ويعتبر ترامب هذا الكتاب “واحداً من أعظم إنجازاته” كما يعتبره “كتابه المفضل الثاني بعد الكتاب المقدس”.

وعقب نجاح ترامب في الوصول إلى رئاسة أميركا في 20 يناير/كانون الثاني 2017م، بدأ الحديث في الأوساط السياسية والبحثية عن إرهاصات ومؤشرات استنساخ تجربة ترامب وطريقته في إدارة أعماله التجارية والاقتصادية ونقلها إلى عالم السياسة، ففي الوقت الذي تبدو فيه طريقة إدارة ترامب للسياسة الأميركية من منظور الصفقة واضحة عبر اختياره لعدد من مسؤولي إدارته من ذوي الخلفيات في عالم الاقتصاد وإدارة الأعمال برزت مؤشرات على قرب طرح ترامب صفقة القرن التي تحدث عنها أكثر من مرة، فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها أن فريق ترامب الرئاسي المعني بعملية السلام يعكف على صياغة مسودة خطة سلام جديدة لعرضها على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي فيما بات يعرف بصفقة القرن بداية العام القادم،  الأمر الذي آثار طرح عدة تساؤلات حول مفهوم صفقة القرن؟ والملامح العامة هذه الصفقة وعناصرها الأساسية؟ وتحدياتها الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية؟

أولاً: مفهوم صفقة القرن

عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكي أكد الرئيس دونالد ترامب أنه يود أن تنجح إدارته في التوصل إلى اتفاق سلام في الشرق الأوسط. وأضاف في مقابلة أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز “أحب أن أكون الشخص الذي يحقق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، سيكون هذا إنجازا عظيما”، صفقة القرن كما يراها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هي نجاحه في حل القضية الفلسطينية، الأشد تعقيدًا التي مر عليها أكثر من 70 عاماً، ولذا فهي قضية القرن، وأي صفقة لها حسابات خاصة، عبر تقديم تنازلات بهدف الوصول لحلول وسط، وصولاً لتوافق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، تحت رعاية الأطراف العربية المؤثرة والنافذ().

 مفهوم صفقة القرن حسب ما يؤكد محللون أنها صفقة تسوية سياسية لم تعرف بعد ملامحها الكاملة بعد، وإن كان مراقبون يتحدثون عن أنها تشمل إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن ومصر، إذ أعلن عضو حزب الليكود أيوب قرا أنه أثار مع نتنياهو مقترح دولة فلسطينية في سيناء وفق “خطة السيسي” للسلام الشامل مع دول “الائتلاف السني” حسب وصفه في فبراير/شباط 2017؛ لافتا إلى أن نتنياهو سيعرض المقترح على الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

صفقة القرن تعني حل الصراع العربي الإسرائيلي الذي استمر قرن من الزمن، وبالتالي هذه الصفقة إن حدثت سوف تكون بمثابة إعلان عن انتهاء الصراع العربي الإسرائيلي عبر إيجاد حل ما للقضية الفلسطينية يهيئ الظروف السياسية والإعلامية للإعلان عن التحالف السري بين العرب وإسرائيل لمواجهة التمدد الإيراني من جهة والجماعات المسلحة من جهة أخرى.

ثانياً: عناصر وملامح صفقة القرن الأمريكية

 ليس هناك تصور واضح لما سوف تكون عليه صفقة القرن الأمريكية المزمع طرحها على الأطراف، بسبب تعارض التسريبات الصحفية التي تتحدث عن الموضوع، لكن الثابت الوحيد في الصفقة أنها لن تراعي الحقوق الوطنية الفلسطينية ولن تراعي أسس عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية التي قامت على أساسها عملية السلام ولن تراعي أيضا التجارب الأمريكية الفاشلة في الملف الفلسطيني.

 وفي هذا السياق نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرًا لها  أعده رئيس مراسلي البيت الأبيض، الصحفي بيتر بيكر تحت عنوان “فريق ترامب يبدأ صياغة خطة السلام في الشرق الأوسط”، قالت فيه الصحيفة أن “الرئيس ترامب بدأ مع مستشاريه في وضع خطة جديدة  لإنهاء الصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين، وتهدف الخطة إلى تجاوز الأطروحات القديمة من قبل الحكومات الأمريكية السابقة بغرض تحقيق ما أسماها الرئيس ترامب بـ “صفقة القرن”، وأوضحت الصحيفة أن “عملية السلام في المنطقة، متشعبة ومرتبطة بمحيطها الإقليمي وتطوراته كما ظهر في الأيام الأخيرة من خلال التوتر الحاصل بين كل من السعودية و حزب الله المدعوم من إيران في لبنان”، إلى جانب شعور إسرائيل بالقلق إزاء حزب الله وكذلك الجهود التي تبذلها إيران لإقامة ممر أرضي في جنوب سوريا، وفي حال اندلعت حرب مع حزب الله، فإنها ستفشل أي جهود في هذا الإطار.

وأوضحت الصحيفة أن فريق ترامب المعني القضية الفلسطينية جمع “وثائق أولية” تبحث مواضيع مختلفة على ارتباط بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ونقلت عن مسؤولين قولهم، إنهم يتوقعون أن تتطرق لنقاط الخلاف القائمة كوضع القدس والمستوطنات بالضفة الغربية، لكن “جايسون غرينبلات”، مبعوث ترامب للسلام بالشرق الأوسط وكبير مفاوضيه قال، إن واشنطن لا تنوي فرض خطتها على الأطراف المعنية، ولا وضع “جدول زمني مصطنع”، مضيفا: “هدفنا هو تسهيل، وليس إملاء، اتفاق سلام دائم لتحسين ظروف عيش الإسرائيليين والفلسطينيين والوضع الأمني بالمنطقة”، على حد تعبيره. ونقلت نيويورك تايمز عن مسؤولين تأكيدهم، أن الجهود لتحقيق المبادرة لن تتبلور قبل بداية العام القادم.

وبحسب مراقبين كانت جولة كوشنر الأخيرة للمنطقة للترويج للخروج من الاتفاق النووي مع إيران إلى الدول التي  ترغب بهذه الخطوة في مقابل تحصيل موافقتها وممارسة ضغوطها على الجانب الفلسطيني للقبول بمفاوضات تنتهي بصيغة تسوية ترضى بها إسرائيل، صيغة تكون ترجمة لشعار الحل الذي “يتوافق عليه الطرفان”، وتطرحه الإدارة الأميركية لتنفض يدها من حلّ الدولتين، الذي تدّعي الإدارة بأنه ينطوي على “انحياز”، فتحت هذا الغطاء يجري العمل لتمرير ما يُسمّى بالحلّ الإقليمي، فالرئيس ترامب الذي يعتمد منطق “الصفقة” في السعي لحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يعمل على ما يبدو لتوظيف خروجه من الاتفاق النووي مع إيران، لتوظيفه كحافز مزدوج: من جهة لحمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على العودة إلى طاولة المفاوضات، ومن جهة ثانية لحمل العواصم النافذة في المنطقة على مساندته لإنجاز ما يسميه “الحلّ الأخير”، الذي يقول إنه لا يقوى على تحقيقه أحد غيره.

وفي هذا الإطار تحرص الإدارة الأميركية على إشاعة نوع من التفاؤل من خلال الحديث عن “التزام الرئيس ترامب بتحقيق سلام دائم”، وعن أن “هذه المهمة تندرج في قائمة أولوياته”، كما تحرص على الترويج لمقولة إن “القيادات الشابة في المنطقة، لديها الطاقة والرغبة في تحدّي المخاطر وأخذ القرارات الكبيرة وإن لقاء العزم الرئاسي مع الإرادة الإقليمية، قادر على ترجمة الإنجاز الموعود”، ليبدو الأمر وكأنه عبارة عن عملية حقن موجّهة إلى عواصم معيّنة يبدو أن قابليتها مفتوحة هي الأخرى للمضي بعملية يصورها الرئيس ترامب بحجم تحول تاريخي، لكن الاعتقاد السائد بأن مثل هذا التصور أبعد ما يكون عن الواقع، لا لسبب سوى لأن نتنياهو عازم على تفجير أي محاولة تفاوضية لها حظ في الانتقال إلى حيز التنفيذ.

 وترتكز الصفقة على منطق تسوية مرحلية أو “تسوية تهدئة” كما أسمتها المصادر الصحفية، أي ليس حلا للصراع، وإنما تسوية “انتقالية” (أوسلو3) عبر قيام دولة فلسطينية بدون حدود واضحة أو حدود مؤقته، التي قد تفضي يوماً إلى اعتبارها تسوية دائمة مع مرور السنوات، فقد زار الموفد الأمريكي المكلف بإعداد الصفقة عدداً من العواصم العربية، ليطلعها على ما يحمله في جعبته، ومن ثم تستعد لفرضها في الساحة الفلسطينية، وتشمل الخطة الامريكية حل شامل اقليمي وليس حل صراع فلسطيني “إسرائيلي” يأتي على طاولة المفاوضات من أجل التطبيع مع “إسرائيل” من جميع الدول العربية والحل الاقليمي يكون مختلف تماماً عن كل الخطط التي طرحت في السابق والتي طرحها جون كيري وكلنتون وجورج بوش الاب والابن.

وتهدف الخطة الأمريكية للتحرك في الملف الفلسطيني من خلال دعم إجراءات اقتصادية “جزئية” لتحسين الوضع الاقتصادي في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، كحافز تشجع السلطة الفلسطينية من خلاله للعودة إلى طاولة التفاوض دون شرطيّ المرجعية ووقف الاستيطان، وبذلك يصبح السلام الاقتصادي، بديلًا عن السلام السياسي، القائم على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطين، وتتضمن هذه الخطة التي طرحت سابقًا خلال لقاءات بين نتنياهو ومسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ضخ أربعة مليارات دولار من الاستثمارات في الأراضي المحتلة، من شأنها أن تزيد الناتج المحلي الفلسطيني، بنسبة 50% خلال ثلاث سنوات، وتخفيض نسبة البطالة إلى الثلثين، وتزيد متوسط الرواتب بنسبة 20%، مع السماح للسلطة باستغلال الفوسفات في البحر الميت، وإعطاء السلطة الحق في تطوير حقول الغاز قبالة شواطئ غزة.

ومن جانب أخر علمت صحيفة الأخبار اللبنانية من مصادر فلسطينية أن صورة التسوية المقبلة لن تكون في إطار حل الدولتين، إنما دولة واحدة مشتركة مع الإسرائيليين، وأضافت الصحيفة، أن الدولة الواحدة لن يعلن عنها أنها دولة يهودية إنما ستكون “دولة ديموقراطية”، وأوضحت أن الأميركيين بعد تخليهم عن دعم “حل الدولتين”، يتجهون إلى هذا الحل، وأضافت الصحيفة أن هذه “الدولة الديموقراطية” المشتركة التي ستحكم فيها السلطة المناطق المعطاة لها وفق اتفاق أوسلو ضمن حكم ذاتي، لن يمكنها السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إليها.

 لا يرتكز أسس الحل في إطار الصفقة الأمريكية على أساس حل الدولتين القائم على المبادرة السعودية للسلام منذ عام 2002 القاضية بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على حدود الرابع من يوينو- حزيران 1967، مقابل تطبيع كامل من قبل العرب للعلاقات مع إسرائيل، لان خطوط 1967 هي خطوط وقف إطلاق النار، وليست منطقية من الناحية الجغرافية والجيوسياسية من وجهة النظر الإسرائيلية، هذه الخطوط ليست مناسبة كأساس لأية مفاوضات سياسية، تجربة الحياة المشتركة بين اليهود والعرب في أرض إسرائيل شهدت مدًا وجزرًا، ليس هناك طريقة للفصل بين عرب إسرائيل واليهود، وبين مليوني عربي في الضفة الغربية و430 ألف يهودي (في مستوطنات الضفة)، يتمتع الفلسطينيون في المنطقة A بحكم ذاتي كامل الصلاحيات، حل الثلاث دول هو نافذة فرص لإنهاء الصراع، مفاتيح الحل -من وجهة النظر الإسرائيلية- في أيدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله، مقابل الموافقة على حصول الرئيس والملك على سريان جديد لمعاهدات السلام مع إسرائيل ودعم مادي من قبل كل الدول المناصرة للسلام، بالشكل الذي لا يمكنهما رفضه.

من جانب آخر ذكر مسؤولون كبار في حركة فتح أن “جاريد كوشنر” الوسيط الأمريكي لعملية السلام طلب من الملك السعودي إقناع الرئيس محمود عباس بعدم معارضة الخطة الأمريكية الجديدة والموافقة على تجديد المفاوضات مع إسرائيل في إطار مؤتمر إقليمي، وفي ذات الوقت أكدت مصادر في رام الله أن ضغوطاً شديدة مورست على الرئيس عباس وتم تهديده بوقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية ودعم منافسه السياسي محمد دحلان، ووفقا لكبار المسؤولين في السلطة فإن الخطة الأمريكية الجديدة التي قدمها “جاريد كوشنر” إلى الملك سلمان وعرضها على محمود عباس، تتضمن العناصر التالي:

1.المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين تحت مظلة إقليمية، ومحادثات متزامنة تعقد من أجل التطبيع الكامل بين إسرائيل والدول العربية.

2.التقدم التدريجي نحو حل الدولتين، بحيث يبقى جيش الاحتلال منتشرًا على طول وادي الأردن، وسيتم تأجيل المفاوضات حول مستقبل القدس إلى وقت لاحق.

  1. ستسلم إسرائيل مناطق إضافية إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية من المنطقة المصنفة “c”.
  2. ستحصل السلطة الفلسطينية على مساعدات مالية سخية من الادارة الامريكية.

 يبد أن ملامح الخطة الأمريكية التي أصبحت تعرف بصفقة القرن، لن تتجاوز كونها أوسلو3 أو حكم ذاتي واسع الصلاحيات يفضي لدولة فلسطينية بدون حدود أو ذات حدود مؤقته، هذه الدولة أصبحت حاجة أمريكية وإسرائيلية وعربية لرفع الحرج عن العرب في الإعلان الرسمي عن علاقاتهم وتحالفهم مع إسرائيل في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة الذي أصبح يستخدم كزريعة للإسراع في تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران.

ثالثاً: تحديات صفقة القرن

تواجهه صفقة القرن الأمريكية المزمع طرحها على الأطراف خلال الفترة المقبلة مجموعة من التحديات الكبيرة، فرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمي ولكن التجارب الماضية لواشنطن في الملف الفلسطيني كلها بآت بالفشل، حتي أن اتفاق أوسلو لم يأتي عن طريق الوساطة الأمريكية رغم أمريكا تبنت الاتفاق عبر توقيعه في حديقة البيت الأبيض عام 1993م، وبالتالي أمام العرض الأمريكي كثير من التحديات  الإقليمية والإسرائيلية والفلسطينية، التي يمكن تفصيلها على النحو التالي:

التحديات الإقليمية

عاشت منطقة الشرق الأوسط تحولات دراماتيكية مؤثرة على الصعيدين الدولي والإقليمي، وأضحت بمثابة نقطة جذب إستراتيجية للصراعات والتنافرات الدولية، فالصراع الدولي بين الشرق والغرب وضع ثقله فيها حيث التصادم الأميركي – الروسي، الذي يمثل صراع أقطاب كلاسيكياً على صعيد سلم الهرمية الدولية، ومن جهة أخرى هناك صراع قوى إقليمية مندفعة تطمح إلى الريادة والقيادة على حساب القوى الإقليمية الأخرى، إضافة الى تحولات داخلية شابت المشهد الإقليمي من خلال التغيرات الإستراتيجية التي عصفت بالدول الشرق أوسطية نتيجة انحلالات داخلية وإرهاصات خارجية محيطة بها، ويمكن إجمال أهم التغيرات الكبرى التي عصفت بالشرق الأوسط على الشكل الآتي:

– اشتعال الحروب والصراعات الدولية نتيجة التغيرات الديناميكية في الهيكلية الدولية التي شكلت على إثرها اندفاعاً للقطبين الدوليين، روسيا والولايات المتحدة، نحو المواجهة غير المباشرة في المنطقة.

– دخول المنطقة في دائرة حروب الوكالة، فحصيلة انهيار منظومة التوازن الإقليمي الذي دفع بعض القوى الإقليمية الى ممارسة دور جيواستراتيجي كبير على حساب العمق الاستراتيجي لبعض القوى الإقليمية، والذي أثر في شكل سلبي في معادلة الأمن الإقليمية.

– تصدع أسس الدولة الوطنية، فقد عمد الصراع الإقليمي بين القوى الإقليمية المتناحرة إلى تفكيك أواصر التلاحم الاجتماعي بين مكونات الدولة الشرق أوسطية، حيث اتسع الشرخ المجتمعي بين المكونات، وأضحت الهوية الوطنية من الماضي نتيجة صعود الهوية الإثنية الطائفية على الهوية الوطنية للدولة.

– انهيار الحدود والتقسيمات الإدارية لبعض الدول، فقد أدى الصراع الدولي والإقليمي في المنطقة الى فقدان السيطرة على بعض المناطق المحلية، والى إنشاء كانتونات ودويلات داخل الدولة الواحدة، فالعراق يعاني من هذه المشكلة، فضلاً عن سورية واليمن وليبيا وتركيا، إضافة الى بعض الدول المرشحة لهذا الوضع.

– انهيار الأمن الداخلي لبعض دول الشرق الأوسط، فالأمن يشكل ركيزة من ركائز استقرار الدول وقوتها الخارجية، وتعاني بلدان الشرق الأوسط انكسارات أمنية كبيرة نتيجة اختراقات أجهزة الاستخبارات الخارجية التي جعلتها ألعوبة للقوى الدولية التي تعتمد على ضرب منظومة الأمن الداخلي بتفجيرات أو اغتيالات.

– المضاربات النفطية والصراع على إمدادات الطاقة، فمعظم بلدان الشرق الأوسط تعاني أزمات اقتصادية نتيجة ارتباط اقتصادياتها في صورة مباشرة بالنفط والغاز.

– سرعة التحولات الاستراتيجية في المنطقة، فأخطر ما تمر به المنطقة هو سرعة التحولات في المواقفة والتحالفات، فالسياسة الإقليمية والدولية في المنطقة لا تمر اليوم بمرحلة الاستقرار والاستمرار، وإنما تتخذ أشكالاً ومنعرجات مختلفة، فصديق اليوم هو عدو الغد، ومثل على ذلك العلاقات التركية – الغربية والعلاقات التركية – الروسية.

سرعة التحولات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتصدع أركان الدولة الوطنية، وتراجع قدرة هذه الدول على ضبط المنظومة الأمنية، وانتشار الجماعات المسلحة، واستخدام الشعارات الدينية في الصراع المحلي والإقليمي لن  يساعد الولايات المتحدة الأمريكية  على تمرير صفقة القرن، لأن المنطقة تمر بمجموعة من التحولات الاستراتيجية سواء في علاقة الدول العربية فيما بينها أو في علاقة الدول العربية بالفواعل الإقليمية المؤثرة مثل تركيا وإيران وإسرائيل، ففي ظل بروز تقارب عربي إسرائيلي هناك صراع  خليجي عربي إيراني مع توتر في العلاقة مع تركيا بسبب الموقف من الأزمة الخليجية، هذه التحولات وتصاعد حدة الصراع الإقليمي لن يساهم في تمرير الصفقة الأمريكية بسهولة، خاصة أن القضية الفلسطينية أحد القضايا المحورية في المنطقة.

التحدي الإسرائيلي

تواجه صفقة القرن الأمريكية تحديات تتعلق بعدم رغبة حكومة اليمين الإسرائيلي تقديم أي تنازلات في سبيل الوصول لحل ينهي الصراع العربي الإسرائيلي خاصة أنها لا تري أي مبرر لتقديم أي تنازلات على الصعيد الفلسطيني بعد التقارب الإسرائيلي الخليجي، فهي تري أن ثمرة السلام قد حصلت عليها بدون تقديم أي تنازلات.

لكن ترامب يرى أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أمر ممكن؛ في مقابل يرى مراقبون أن المبادرة قد تواجه عوائق خطيرة، منها قديمة وجديدة، على الصعيدين الفلسطيني الإسرائيلي والإقليمي على حد سواء، وفي هذا الصدد، قالت صحيفة نيوارك تايمز، “لا نتنياهو ولا عباس في موقف جيد من أجل التفاوض”، فالأول تواجهه تحقيقات الفساد وضغوط من اليمين ضمن تحالفه الضيق من أجل عدم تقديم أي تنازلات، فيما يواجه الثاني معارضة داخلية شديدة أيضا، ولفتت “نيويورك تايمز” إلى أن ما يظل مهيمنا هو حالة عدم اليقين، لاسيما في صفوف من أمضوا أعواما طويلة يكافحون من أجل التغلب على التحديات نفسها وبواسطة سلسلة الأدوات نفسها،  وهنا يرى دنيس روس، “إذا قمت ببساطة باستئناف المحادثات بدون أن يرافق ذلك أي شيء، لا أحد سيأخذ ما تقوم به على محمل الجد”. وأضاف: “سيقول الأشخاص لقد شاهدنا هذا الفيلم في السابق.

وكشفت القناة الثانية من التلفزيون “الإسرائيلي” عن الخطة التي يزعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طرحها بصفتها “صفقة القرن” والتي تتناول حل الصراع العربي “الإسرائيلي” على قاعدة أن الولايات المتحدة تريد إعادة ترتيب إقليمي شامل وليست صفقة بين “إسرائيل” والفلسطينيين، وأن الاقتراح مفتوح للمفاوضات، وقالت القناة أن طاقم عمل ترامب أعد بعد أشهر الخطة بعد أن جلس مع مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، وأكدت القناة أن إسرائيل قلقة من الطرح الأمريكي، فقد قال نتنياهو لوزرائه “صعب أن أقول للرئيس ترامب “لا” الآن وهناك فعلاً جدية يصف بعض المسؤولين “الإسرائيليين” ترامب بأنه سريع وحاد ولكنهم لا يريدون أن يحددون الآن وقت للمفاوضات.

 كما أن من يحكم “إسرائيل” اليوم هي الحكومة الـ 34 في تاريخها، وهي حكومة متطرفة تتكون من أحزاب دينية متشددة من أقصى اليمين كـ”إسرائيل بيتنا” و”شاس”، و”البيت اليهودي”، و”يهودية التوراة”، فضلاً عن حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تناصب هذه الحكومة العداء لفكرة إقامة دولة فلسطينية، حتى مجرد الفكرة، وتصر في ذات الوقت على “يهودية” إسرائيل، ودائما ما تحذر من “الخطر الديموغرافي” الذي يشكله فلسطينو 48 أو من يسمون بعرب الداخل على هوية الكيان الإسرائيلي.

لا شك أن وجود حكومة يمينية في إسرائيل تتكون من أحزاب قومية متطرفة لا تؤمن بالعملية السلام ولا تعترف بالحقوق الفلسطينية يشكّل تحدي كبير أمام واشنطن في طريق تمرير صفقة القرن، خاصة نتنياهو يواجه قضايا تتعلق بالفساد وأي تقدم في العملية السلمية يمكن أن يؤدي لانهيار الحكومة الإسرائيلية، نهيك عن عدم رغبة نتنياهو نفسه في السير بالعملية السلمية.

التحدي الفلسطيني

التحدي الفلسطيني لا يقل أهمية عن التحديات الأخرى التي تقف أمام تمرير الخطة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية لاعتبارات كثيرة، منها التمسك الفلسطيني بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية في دولة على حدود 1976م، واستمرار الانقسام الفلسطيني وجود فصائل وقوى رافضة للحلول السياسية.

 وفي هذا السياق طلب الرئيس ترامب من العاهل السعودي الملك سلمان اقناع الرئيس الفلسطيني بقبول مبادئ خطة سياسية جديدة لحل النزاع، وتريد الإدارة الأميركية اتمام الصفقة قبل أن ينهي الرئيس عباس حياته السياسية، بينما أكد الرئيس عباس في خطاب مسجل بث خلال ذكرى ياسر عرفات، أن السلطة الفلسطينية تعمل مع الإدارة الأمريكية والأطراف الدولية على حل سياسي للنزاع، حل قائم على أساس حل الدولتين، وأن هناك جهود ترمي إلى الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، جاءت تصريحات الرئيس عباس بعد زيارته للمملكة العربية السعودية بشكل غير متوقع حيث التقى بالملك سلمان، ونشرت عدة وسائل إعلامية في الشرق الأوسط شائعات ومعلومات تفيد بأن الملك السعودي قد ضغط على الرئيس عباس لقبول مبادئ صفقة القرن التي أعدها الرئيس ترامب أو الاستقالة من منصبه.

الموقف الفلسطيني الرسمي من المساعي الأمريكية واضح ومعلن عبر عنه الرئيس محمود عباس في كل المناسبات والمحافل الدولية، وهو موقف متمسك بالثوابت الوطنية والحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني، ولا يمكن باي حال من الأحوال التراجع عنه تحت تأثير أي ضغط إقليمي أو دولي، هذا الموقف يطالب الإدارة الأمريكي بأن تتأسس مبادرتها المسماة بـ “صفقة القرن” على مبدأ حل الدولتين، عبر إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967(). خلاصة الموقف الفلسطيني أنه يرفض الحلول الجزئية، ويصر على تطبيق حل الدولتين، والالتزام بأسس عملية السلام، عبر التأكيد على الثوابت الوطنية في دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، ورفض الدولة المؤقتة ودولة غزة والدولة بلا حدود، والحكم ذاتي واسع الصلاحيات.

وفي ضوء ما تقدم يمكن استخلاص النتائج التالية:

  • الطرح الأمريكي في إطار صفقة القرن لن يراعي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية في دولة فلسطينية على حدود 1976م.
  • سوف يرتكز الأمريكي على فكرة الحل المرحلي مرة أخرى( أوسلو 3) أي على فكرة دولة بلا حدود أو ذات حدود مؤقته قابلة للتطوير، مع وجود مساهمة إقليمية غير واضحة المعالم حتي الآن.
  • الخطة يمكن أن ترتكز على مبادئ عملية السلام وحل الدولتين في الشكّل؛ لكن من حيث الجوهر سوف ترتكز على فكرة الحل المتفق عليه في كل القضايا، بمعني ليس هناك مسلمات ثابته ولكن كل شيء قابل للتفاوض والتعديل.
  • الطرح الأمريكي لن يوضع جداول زمنية محددة ولكن سوف يترك الأمر للطرفين( ليس هناك مواعيد مقدسة)
  • المفاوضات سوف تنطلق برعاية عربية وإقليمية بما يساهم في إعطاء شرعية للتقارب العربي الإسرائيلي، الذي يسعى لتكوين تحالف إقليمي لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
  • الدور الامريكي سيكون مساعد وليس ضاغط، بمعني أن أمريكا لن تضغط على الطرف الإسرائيلي، في ظل وجود ضغط عربي على الفلسطينيين.
  • هناك تحديات إقليمية وإسرائيلية وفلسطينية تواجه صفقة القرن، هذه التحديات تعمل الإدارة الأمريكية بالتعاون مع الأطراف الإقليمية على تجاوزها.
  • تنطلق الصفقة على تعزيز إجراءات بناء الثقة بين الأطراف، التي تقوم على أساس:
  • خلال فترة المفاوضات سوف تمنع إسرائيل من إقامة مستوطنات جديدة وسوف يقتصر البناء داخل المجمعات الاستيطانية، ونقل منطقة صغيرة من المنطقة C إلى A.
  • تلزم السلطة الفلسطينية بمكافحة التحريض الابتعاد عن إيران والامتناع عن صرف $315 مليون سنويا ل 36000 عائلة أسير فلسطيني. واستئناف التعاون الأمني بشكل كامل وجدي. عدم التوجه إلي المؤسسات الدولية طلبا للاعتراف بدولة فلسطين.
  • تلتزم الدول العربية لاسيما السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والأردن، بفتح الأجواء الجوية في وجه الرحلات الجوية، وتقديم تأشيرات عمل، وكذلك ربط شبكات الاتصالات مع إسرائيل
  • تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين، والاعتماد على فكرة السلام الاقتصادي بدل السلام السياسي بمعني انتعاشه اقتصادية تنسي الشعب الفلسطيني مطالبة السياسية

التوصيات

في ضوء ما تقدم توصي الورقة بالأتي:

  • سرعة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، لأنها الضمانة الوحيدة لمواجهة هذه التحديات والمشاريع التصفوية.
  • توحد الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج في جبهة واحدة رافضةٍ لهذه الصفقة.
  • دعم المفاوض والقيادة الفلسطينية في مواجهة هذه التحديات، عبر تشكيل لوبي شعبي رافض للحلول المؤقتة والجزئية.
  • التمسك بالحقوق الوطنية الفلسطينية عبر إقامة دولة كاملة السيادة وقابلة للحياة على حدود1976م وعاصمتها القدس الشريف.

إعداد/أ. منصور أبو كريم

كاتب وباحث سياسي فلسطيني

Mansour197566@gmail.com

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com