مهزلة القرن/ بقلم: أحمد طه الغندور.

        لا أدري كيف يخطئ من يريد عقد صفقة القرن خطأ بهذا الحجم، وكيف ينحدر التفكير بالإدارة الأمريكية لتلجأ للابتزاز بهذه الصورة الممجوجة لتعلن عن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن العاصمة، كون أن فلسطين انضمت إلى المحكمة الجنائية الدولية وتسعى إلى محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين عما اقترفوه من جرائم في حق الفلسطينيين.
متى كانت الدول والأفراد تعاقب بسبب لجؤها للقضاء بحثاً عن العدالة، وهل تعتبر مبادئ القانون الدولي خاضعة لنزوات الشعور بالقوة؟ وأي وسيط للسلام هذا الذي يتخذ مثل هذه الأساليب المضللة في سعيه لتحقيق السلام بين طرفين؟
ها هي الولايات المتحدة ترتكب الخطأ القاتل الثاني في وئد عملية السلام في الشرق الأوسط؛ الأول في واي ريفير حينما حاولوا تهديد الرئيس الراحل عرفات الذي دفع حياته ثمناً للدفاع عن الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، والثانية ستكون مع الاستمرار بالابتزاز والتهديد وتجاوز ما يطرحه الرئيس الفلسطيني وهو الشخص الأكثر حرصاً على صنع السلام في التاريخ الفلسطيني؛ وبالتأكيد أنكم لن تجلسوا إلى رجل فلسطيني مثله على طاولة المفاوضات.
إن ما طرحته القيادة الفلسطينية عن تعليق كافة اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية نتيجة هذه الخطوة الغير مدروسة من قبل واشنطن، والمتمثلة في سياسة “العصا والجزرة” قد عفا عليها الزمن ولم تعد تجدي نفعاً في السياسة الدولية.
ففي نفس الوقت الذي لجئت فيه الإدارة الأمريكية لهذا الابتزاز والذي تتمنى ألا يكون طويل الأمد ـ حسب تعبير أحد المسؤولين ـ بدأت تتسرب إلى الاعلام ملامح عن “صفقة القرن” ـ دولة ليست بدولة، ولا اعتبار أو نقاش في موضوع عاصمتنا الأبدية القدس وإبقاء للمستوطنات بمن فيها من مجرمي اليمين المتطرف ـ يا ترى كم المساحة المتبقية من الضفة الغربية لنقيم عليها الدولة؟! وكيف يمكن أن يتنقل السكان الفلسطينيون داخل دولتهم؟! وهل يستطيع أي مسلم أن يصلي بالقدس؟! أليس هذا بمهزلة القرن؟!
وبالعودة إلى القرار حول إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن؛ أعتقد أن الخسارة لن تكون في الجانب الفلسطيني بل هي بكل تأكيد لديهم في الجانب الأخر؛ فنحن موجودون في الأمم المتحدة في نيويورك وهي الساحة الخاصة بالنضال الوطني الفلسطيني.
ولعله من حسن الطالع أن لدينا جالية فلسطينية وعربية مخلصة وواعية في الولايات الأمريكية قادرة على تعويض الفراغ الذي يتركه هذا “المكتب الرمزي” في واشنطن وهم الممثل الأصلي لفلسطين في الولايات المتحدة فماذا أنتم فاعلون أمامهم؟
ثم أن الإدارة الأمريكية بهذا القرار تكون قد أحرجت وفضحت بعض الحكومات المخدوعة في المنطقة والتي تسعى إلى التطبيع مع الاحتلال وتمرير الحل الإقليمي وقد كُشفت كل أوراق اللعبة على الطاولة، ولم يعد لهذه الحكومات ما يستر عرواتها أمام شعوبها الغاضبة عليها لممارستها الغير شرعية.
ومن الجدير بالذكر بأن هذا القرار وما تسرب من معلومات عن صفقة القرن وما ينفذه الاحتلال على الأرض في القدس ومحيطها، والنية المبيئة لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ يكشف بشكل جلي بأن الطرفين الأمريكي والإسرائيلي يستهدفان القدس ويعلنان حرباً دينية في المنطقة كفيلة بأن تزيل الغفلة التي تتسرب إلى المنطقة.
ورب ضارة نافعة؛ قد يكون هذا القرار اللئيم فاتحة خير على اجتماع الفصائل في القاهرة ومحفزاً على السعي بإخلاص لإنهاء الانقسام البغيض وإعلان الوحدة في مواجهة المؤامرات التي تستهدف وطننا الغالي.
والإسراع في التكاتف حول رئيسنا رمز الشرعية الوطنية؛ وترميم مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية حامية الحلم الفلسطيني، والسعي لتوحيد مؤسسات الحكومة في الداخل، كي نقف موحدين في مواجهة هذه الجرائم التي تنفذ ضد قضيتنا من البعيد والقريب.
إن القرار الأمريكي يعكس فشل ذريع لهذه الإدارة عن القيام بدور الوسيط، ولابد البحث عن بدائل وأن الاتصال الأنسب معها لا يكون إلا عبر القناة الأمنية ومن خلال دبلوماسية أمنية واعية تسعى إلى وضع النقاط على الحروف، وتفشل سياسة الابتزاز الرخيصة.
أما الجانب السياسي والدبلوماسي فعليهم إيجاد البدائل مع قوى وازنة في العالم؛ ولنا كثير من الأصدقاء الذين يمكن العمل معهم في كافة أرجاء المعمورة والمحافل الدولية، وللجاليات الفلسطينية دورها من خلال نشاطات الدبلوماسية الشعبية وحملات المقاطعة القادرة على إحداث صدمات في المجتمع الأمريكي والغربي حول هذه الممارسات العدائية ضد الأساليب الراقية التي يمارسها الفلسطينيون من اجل تحقيق العدالة والاستقلال التام، ولن تكون مهزلة القرن حاجزاَ في طريق التحرير، ورفع علم دولتنا مساجد وكنائس القدس كما أعلن الشهيد القائد ياسر عرفات رحمه الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com