أردوغان يساهم في تقسيم تركيا

تبذل تركيا من خلال حزب العدالة الذي يتزعمه الرئيس رجب اردوغان، جهوداً مضنية لمنع الكرد، سواء في العراق أو سورية، من اقامة كيان مستقل لهم. ورغم أن علاقة اردوغان مع زعيم الكرد في شمال العراق، أي كردستان العراق، مسعود برزاني جيدة، إلا أنه عارض الاستفتاء على استقلال هذا الاقليم عن العراق تحت شعار: “الحفاظ على وحدة العراق جغرافياً وديموغرافياً”. ومعارضته لاستقلال شمال العراق تأتي بسبب رئيسي مهم ألا وهو منع كرد تركيا من الاستقلال لأنهم يطالبون بذلك.

اردوغان ضد اقامة كيان كردي في شمال سورية، رغم أن اميركا تدعمهم، وتزودهم بالسلاح المتطور. وهؤلاء الكرد السوريون منقسمون اذ بعضهم يطالب باقامة كيان مستقل، اما البعض الآخر، وهم الأغلبية، فيُصّرون على البقاء تحت سيادة الدولة السورية. ولان اميركا بقيادة الرئيس الاميركي دونالد ترامب مع فكرة تقسيم سورية لاضعافها، فان اردوغان شعر وعلم وتأكد أن هناك توجهاً لاقامة كيان كردي مستقل في شمال سورية، أي على الحدود التركية مع سورية، وهذا الكيان في نظره يشكل خطراً أمنياً على تركيا من ناحيتين:

الناحية الأولى تكمن وتتمثل في أن الأحزاب الكردية المعارضة لتركيا بقيادة حزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه اوجلان المتواجد في أحد السجون التركية، سيتخذ من هذا الكيان مقراً لانطلاق عملياته العسكرية المناوئة لتركيا في مطالبة واضحة لاستقلال الكرد في تركيا، وخاصة في جنوب شرق تركيا من أجل تشكيل كيان كبير يضم كردستان العراق، وشمال سورية، وجنوب شرق تركيا (محافظة ديار بكر).

أما الناحية الثانية من الخطر فهي قيام كرد سورية بتشجيع أو تحريض اخوانهم على القيام باحتجاجات متنوعة داخل تركيا مطالبين بالاستقلال، أي الى تقسيم تركيا، وهذا بالطبع سيؤدي الى اضعاف هذه الدولة القوية عسكرياً واقتصادياً، لتتحول الى دولة ضعيفة لا تأثير لها في منطقة الشرق الاوسط.

وانطلاقاً من كل ما ذكر، فان اردوغان اتخذ قرار الهجوم العسكري على شمال سورية، لمنع الكرد من الحصول على أي انجاز ميداني، وتوجيه ضربة عسكرية لوحدات الحماية الكردية التي شاركت بكل شراسة في محاربة تنظيم داعش وطرده من مناطق عدة في شمال سورية.

يظن اردوغان انه بالاعتداء على الاراضي السورية من خلال استخدام العضلات العسكرية يمنع قيام كيان كردي مستقل في شمال سورية يشكل خطراً على تركيا، ويقوم اردوغان بهذا التصرف من دون أي تنسيق مع الدولة الشرعية في سورية، مما قد يؤدي ذلك الى استنزاف القوات التركية، وكذلك اطالة أمد الصراع في شمال سورية، وبالتالي تأخير وعرقلة التوصل الى حل سياسي، لأن اردوغان يستخدم عناصر “سورية” تحت أسماء مصطنعة لشن هذا الهجوم أو الاعتداء على الكرد وعلى السيادة السورية!

ولكن هذا الاستعراض الاردوغاني العسكري قد يمنع قيام كيان كردي مستقل لأن ايران وسورية والعراق ترفض أي استقلال للكرد، ووقفوا مع تركيا ضد استقلال كردستان، وهذه الدول ترفض مخطط تقسيم المنطقة واضعاف دولها. ولان هؤلاء الكرد في شمال سورية سيلتجئون الى دولتهم لحمايتهم، وسيؤكدون انتماءهم الى وطنهم سورية الأم، ولن يقبلوا بأي انفصال عنها لأنه سيشكل ضعفاً لهم، وتصفية مستقبلية لوجودهم وتواجدهم على حد سواء.

وهذا الاستعراض الاردوغاني سيساهم في استفزاز مشاعر الكرد في تركيا، وقد يحفزهم على المطالبة بالاستقلال، اذ انهم سيقولون لانفسهم ان نسبة صغيرة من الكرد وقفوا في وجه داعش، وشكلوا قوة عسكرية، فلماذا هم لا يتحركون ليحصلوا على الاستقلال من تركيا، علماً أن عدد الكرد في تركيا يتجاوز الـ 12 مليون استناداً لمصادر عدة.

ومن هنا يمكن القول والاستنتاج بأن اردوغان يمنع قيام كيان كردي مستقل في شمال سورية، ولكنه فعلاً يساهم بصورة غير مباشرة في تقسيم تركيا. ويجب عدم نسيان أمراً واحداً الا وهو أن اردوغان دعم وساند الارهابيين الذين عاثوا دماراً في سورية، ومن غير المستبعد ان تكتوي تركيا، مع أننا لا نأمل ذلك، بالنار التي استخدمتها لتحرق سورية وتضعفها.

وامام اردوغان خيار واحد لا بديل عنه للحفاظ على وحدة وقوة تركيا، وهو خيار الاعتذار لسورية عما اقترفه ضدها، والتعاون معها كدولة جارة واحترام سيادتها، والكف عن الاعتداء على اراضيها ومواطنيها.

7/2/2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com