هويتنا الوطنية ..! شاكر فريد حسن

كانت الهوية الوطنية الفلسطينية وستظل على الدوام عرضة في دائرة الاستهداف من قبل المؤسسة الصهيونية الحاكمة ، التي دأبت منذ النكبة وحتى يومنا هذا، ومن خلال سياستها العنصرية الاضطهادية التي تنتهجها بحق جماهيرنا وشعبنا الفلسطيني ، إلى محاولات شطب هويتنا الوطنية وطمس معالم حضارتنا وتشويه تاريخنا وسرقة تراثنا الشعبي وبعثرة ذاكرتنا الوطنية .

وقد قامت هذه المؤسسة ودوائرها بعمليات المصادرة والتهويد التدريجي المثابر للأرض ، وفرضت حكماً عسكرياً على جماهيرنا العربية الفلسطينية ، التي ظلت في الوطن متمسكة بالبيت والحاكورة والبيدر، واعتبرتنا مواطنين من الدرجة الثانية، ولم تحترم هويتنا وثقافتنا، بل سعت إلى بث الفرقة وروح العدمية القومية وضرب نسيجنا الاجتماعي بتجزئتنا إلى طوائف وملل .

وأمام هذا الواقع الصعب والمر برز دور الحزب الشيوعي وأدبياته ، فكان التنظيم السياسي الوحيد الذي تشكل وتأسس وتبلور على الساحة السياسية  ، ووقف بالمرصاد لسياسة حكام هذه البلاد ، وتصدى بكل بسالة وشجاعة لمشاريعهم ومخططاتهم التجهيلية . ولعبت صحافته الثورية التقدمية (الاتحاد ، الجديد، الغد ) دوراً طليعياً وتنويرياً فاعلاً في صيانة الهوية الوطنية والثقافية لشعبنا والحفاظ على موروثنا الثقافي، ونشر الثقافة الوطنية والإنسانية التقدمية الشعبية ، ثقافة الحرية والتنوير والتقدم ، وتوظيف هذه الثقافة لحماية وتعزيز هذه الهوية . وكان للمفكر والمناضل والقائد الشيوعي الراحل د. أميل توما الدور الهام في تقديم المعرفة بالتاريخ الفلسطيني ، والتعريف بجذور القضية الفلسطينية عبر دراساته التاريخية ومقالاته السياسية والفكرية . وظهر على ساحتنا الثقافية جيل من المثقفين والمتأدبين والمبدعين الملتزمين المنحازين لقضايا الناس والشعب ، فأضاءوا ليلنا الحالك بإبداعاتهم وقصصهم وقصائدهم الثورية النارية المقاتلة ، وأدوا وظيفتهم ودورهم في تعبئة الجماهير وتحريضها وحضها على المشاركة في معارك النضال والكفاح لأجل البقاء والحياة والتطور في أرض الآباء والأجداد ، برز من بينهم : توفيق زياد وراشد حسين ومحمود درويش وسميح القاسم وسالم جبران وحبيب قهوجي وحنا أبو حنا وحنا إبراهيم وشكيب جهشان ونايف سليم ومحمود دسوقي واميل حبيبي وتوفيق فياض وغيرهم .

وإذا كنا نحمل الهوية والجواز الإسرائيلي ، لكننا لم نتخل يوماً عن انتمائنا الفلسطيني الأصيل وهويتنا الكنعانية الفلسطينية وجذورنا الضاربة في عمق التاريخ ، رغم القمع والجور والظلم والطغيان والتمييز ، وفي كل مناسبة وطنية نعبر عن انتمائنا كجزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني المشرد والمحاصر الذي يناضل في سبيل حريته واستقلاله . وكما قال شاعر الوطن ابن البقيعة الجليلية المرحوم منيب محول :

جذوري تغور، تغور، تغور        بعيداً  بعيدا   ببطن   الأزل

تراب  بلادي  معين    حياتي        وبعض رفات جدودي الأول

بلادي  بلادي،   فداك دمي         جراحي  لعينيك  أحلى  قبل

أو كما الشاعر ابن الناصرة الراحل فوزي جريس عبد اللـه :

لا تعذليني إذا أشركت في ديني      ديني الهوى وديني فلسطيني

وبالرغم من كل المحاولات السلطوية لطمس ومحو الهوية الوطنية الفلسطينية ، إلا أن شعبنا يدحض الرواية الصهيونية ، ويزرع في عقول الأجيال الفلسطينية الجديدة أن فلسطين وطن غير قابل للنسيان ، وأن الهوية متأصلة في العمق والوجدان الفلسطيني لا يمكن طمسها وتذويبها وشطبها ، فهي كجفرا وظريف الطول وان شفت شفتيها إرث تتناقله وتتوارثه الأجيال وتصونه كبوبؤ العين كأحد أهم روابط الانتماء والتجذر والتشبث بالأرض والوطن . وهذا ما يثبته الواقع ، ويتجسد في أعمال الاحتجاج والتضامن مع أبناء شعبنا في الضفة وقطاع غزة ، الذين يواجهون بصدورهم  صواريخ الاحتلال ودباباته . وهذه الهوية كما ينشد مارسيل خليفة  في أغنيته الرائعة “وقفوني ع الحدود ” : “إنها في يافا مخبيتها ستي “.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com