الحرية والإبداع ..!

بقلم: شاكر فريد حسن

يعتبر الإبداع ثمرة من ثمار الديمقراطية والحرية الفكرية التي يمارسها النظام الحاكم تجاه مبدعيه وأبناء شعبه، وأن استمرارية الإبداع هو رهن العلاقة المتبادلة بين الفرد والنظام السياسي العام الذي يعيش في كنفه الأفراد . وحقيقة أن الجمود الفكري في المجتمع يعود إلى عامل رئيسي وجوهري وهو النظام الديكتاتوري القائم على القمع والقهر والاستبداد والاضطهاد في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية . وهذا الاستبداد يتجسد ويتمثل في محاربة الديمقراطية وتحريم الحريات ومحاصرة الكلمة الحرة النظيفة ،والكريمة الشريفة وخنق الفكر التقدمي وإلغاء الإنسان الوطني الذي يحمل فكرا مغايراً ومختلفاً بديلاً ، بالإضافة إلى خلق الحواجز بين الأفراد والمؤسسة الثقافية .

ومن المؤسف أن الخلاف حول المشاريع الفكرية النهضوية التي حملها وطرحها رواد التنوير والعقلانية والحداثة في العصر الراهن ،كمشاريع نصر حامد أبو زيد  ومحمد أركون ومحمد عابد الجابري وسواهم ،لم يتحول إلى سجال وحوار حضاري وعقلاني يثري الفكر العربي المعاصر وإنما أجهض هذا الحوار واقتصر على اتهام وإدانة مشروع  الراحل نصر حامد أبو زيد بالكفر والزندقة والإلحاد وتم رفع دعوى الحسبة ضده ،وقدم للمحاكمة حيث قضت المحكمة بالتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس، أستاذة الأدب  الفرنسي . وهذا القرار شكل سابقة لا مثيل لها في التاريخ المعاصر مع بداية الألفية الثالثة، التي يتفتح فيها الفكر الإنساني على آفاق مذهلة من الخلق والتجدد والإبداع في مجالات العلم والمعرفة والفكر بشكل عام .

ولا غرو أن الإنتاج الأدبي يشكل احد الجوانب الهامة في الإنتاج الثقافي الفكري ،حيث أن للنظام العربي القهري والاستبدادي  الديكتاتوري اكبر الأثر على جوانبه المختلفة في الشعر والقصة والرواية والمقالة الأدبية . ولو نظرنا إلى أدبنا العربي المعاصر نجد انه لم يعد كما كان سابقا، مع أن التطور والتقدم العلمي الحاصل في مجتمعاتنا العربية لم يحدث أي تغيير على هذا الأدب، بل تراجع إلى الوراء . وكذلك حال الأدباء والمبدعين والمثقفين، فقد نجحت السلطة في تدجين وخصي الكثيرين منهم، فراحوا يأكلون من خبز السلطان ويضربون بسيفه، ومن رفض القيود وأبى الخنوع وظل يغرد خارج السرب كان نصيبه السجن أو الإبعاد عن الوطن ،بينما حال المنابر الصحفية لم يتعد دور القائمين عليها سوى تنفيذ سياسة مرسومة من المؤسسة الحاكمة .

أن الشعوب العربية التي تعيش في ظل الأنظمة الديكتاتورية والاضطهادية لا ترى النور أبداً، وستظل سجينة وأسيرة في دائرة مغلقة، لذلك نرى الإنسان العربي المبدع والمفكر يخرج بفكر ذي اتجاه واحد رسم وخطط له مسبقا . إن استمرار مأساة المثقفين والمبدعين العرب في ظل هذه النظم يعني استمرار التراجع والنكوص الفكري والحضاري في مختلف جوانب الحياة ،واستمرار التراجع لا يعني سوى المزيد من الإحباطات والانتكاسات والهزائم .

أخيراً، ووسط المناخ الانحطاطي الذي يعيشه العالم العربي والسعار الفكري الذي يحاصر الإبداع، واللجوء إلى الدين سلاحاً في مواجهة الحرية، من المفروض تأكيد حق الثقافة في التعبير، وحق المجتمع العربي في الديمقراطية والحرية، وحق الأفراد في الوجود والاختلاف . وآن للمثقفين أن يعيشوا في عالم بلا أقفاص .

كاتب وناقد فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com