أفـْـظـَـع من كِــسرَة الخـُـبـز/ الـدكـتـور عـبـد الـقـادر حسـين ياسـين

كان أورهان كمال واحداً من كبار شعراء تركيا، أوائل القرن العشرين.
وقد حكم عليه بالسجن بتهمة التحريض ضد نظام أتاتورك.
كان معجـباً بــ “مـُعـَلم” لا يعرفه عن قـرب،
هو ناظم حكمت، أشـهـر شعـراء تركيا،
الذي يقـضي حكماً بالسجـن في مكان آخر،
أو بالأحرى يـتـنـقــل من سجـن إلى آخـر.

وذات يوم يفاجئ مدير سجن برصة أورهان كمال بالسؤال:
“إحزر من سـيـنـضم إليكم هـنا؟
ناظم حكمت”.

عـن أيام السجن تلك، وضع أورهان كمال كتابه “في السجن مع ناظم حكمت”…
“ولعـل من أهم ذكرياتي الأدبية،
أنـني حضرت أمسية شعـرية لناظم حكمت.
فـبعـد خروجه من السجن كانت العواصم تـنـتـشـي بالإصغاء إليه،
يلقي شيئا من ديوانه “آفاق بشرية من بلادي”…

كنت تشعـر، من اللحن والإيقاع ،
وذراع ناظم حكمت التي ترسم الصور في الهـواء،
أن ما تسمعه هو أحلى الشعـر.

ذلك الشاعـر العـظيم كان له رقم مـُسـلـسـَل في سجـن برصة،
كما نقرأ الآن في مذكرات أورهان كمال.

عاش بين مـُدمني الحـشيش ،
وأولئك يملأون أوقات الفراغ بالطعـن بالسكاكين.
وهادئا، كان يذهـب كل يوم إلى مشغـل السجن؛
يحفـر في خشبة أو يحـيـك قطعة قـماش.

كان يحاول أن يـُثـبـت إلى أي مدى يحترم البسطاء،
إلى أي مدى يحـتـرم الإنسان.
وكان يمتعـض من الآيديولوجـيـيـن والجـدلـيـيـن.

عاش شاعـر تركيا في رتابة السجـن وعـتومه.
وكان السجـناء إذا أرادوا الخـروج من الرتابة ،
والتحـدث إلى أي فـرد غـير محكوم،
يطلـبون موعـداً مع طبيب الأسنان.

وكانوا جميعاً يرون الضوء من قطعة واحدة في السماء،
كما يقـول أورهان كمال.

أما في الخارج فكانت المرأة التي أحبها، زوجته بيريان هانم.
وقد كتبت إلـيه تـشكو من أنها “قـد لا تملك ثمن الخـشـب،
لوقـود المدفأة ذلك الـشتاء،
وأن ابـنـتـهـما مصابة بالسّـل ،
ولا تملك كلفة علاجها كما يجب.”

وعندما تلقى نـاظـم حـكـمـت الرسالة قال لأورهان كمال:
“في السجن، في هذا السجـن، في قاووش العنبر رقم 2،
جمعـت ذات مرة أعقاب السجائر ،
وأمضيت 48 ساعة بلا شيء آكله،
سوى كسرات الخبـز الجاف،
ومع ذلك لم أشعر باليأس الذي يخامرني الآن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com