عبد التواب حين يعصي ولا يتوب (قصة قصيرة)/ بكر أبو بكر

          كان ينتظر بشغف، نظر إلى السماء يعدّ النجمات حتى أنه استطاع أن يميز النجم القطبي والدب الأصغر و الدب الأكبر، وأشار بيده اليمنى الى الامام والاعلى موضحا وعلى شفتيه ابتسامة رطبة: هناك تسكن.

          لم أكن أعلم عمن يتحدث، ومَن تلك التي تسكن في العلياء وتكاد تطاول النجوم قامة وهي التي ألقت بغلالتها على عيني عبد التواب.

          هذا كان في اليوم السابق للقاء الذي قضاه بين التمني والمشاعر، والمثابرة وما بين اختيار نوع القميص والسروال بل والبدلة والمعطف (الجاكيت).الذي سيلبسه للقائها

          دخل أكثر من سبعة محلات ليشتري المعطف المناسب لمثل هذه المناسبة التي طال انتظارها لسنوات عديدة، حيث ما برحت علياء فيها تداعب خيالاته حتى وهو ينتقل بين أحضان السمراوات والشقراوات اللواتي تعرف عليهن في أسفاره.

          عبد التواب رجل مزواج لم يترك فرصة الا وقاسمها مع شريكة أو صديقة أو زوجة، وكان له من الزوجات الشرعيات خمسة يتزوج فيطلق ثم يتزوج فيطلق، وآخرهن كانت نرجس تلك التي استطاعت أن تلجمه عن النساء جملة.

 الا علياء، فهي وان قيدت يديه وقلبه منذ الصغر، فإنها لم تستطع أن تمنع خيالاته وأمنياته التي لم تنقطع في تتابع صورها بالأحلام حين نومه وفي اليقظة خاصة ما بعد نرجس.

كان ينظر بشغف حتى أنه في اليوم السابق على اللقاء الموعود الذي جاء متأخرا سنوات طويلة لم يستطع النوم.

  الأعوام الثلاثين التي فصلت بين عبد التواب وعلياء الراقدة في أحضان النجوم المعلقة بين المشتري والزهرة كما كان يراها كانت على موعد في دار صديقتها وكان هو وانا من المدعوين على العشاء.

          كنت أقف على باب دائرة الاراضي في شمال العاصمة، بانتظار صديقي عبد التواب، وما أن وصل سريعا حتى دلفنا معا للدائرة تسبقنا أقدامنا، فأنا بانتظار الحصول على سند ملكية الأرض التي املكها، وهو يكاد يطير فرحا بانتظار نجمته المعلقة بالسماء.

          اتصل عبدالتواب بهاتفه المحمول مع “الواسطة” الذي للأسف الشديد كان في رحلة الى ماليزيا وترك الهاتف مع أخيه الذي أشار لمراجعة فرّاش الدائرة؟!

 لا تستهينوا بالفراش فهو وفي كثير من الدوائر الكل بالكل ، وأنا بانتظار انتهاء المعاملة البسيطة على أحر من الجمر لأنني معزوم هذا اليوم على وليمة تقيمها لنا صديقة قديمة من أيام الجامعة.

 صديقتنا آنست في البعيد جنتها فالتقت مع جمال الطبيعة في “مالمو” بالسويد بعيدا عن صخب الأيام في منطقتنا العربية، وها هي تعود فجأة لزيارة أهلها وصدف أن تواجدنا معا فكانت المأدبة.

          دائرة الأراضي عبارة عن بهو فسيح تتوزع فيه المكاتب علي جانبيه ويتحرك في البهو الطويل جموع من الناس لا تدري أين الاتجاه !

 وما لنا نحن وذلك، فلدينا المفتاح أي مع الفراش، وسنتمم المعاملة في ربع ساعة، وكان الله بالسر عليم… ونخرج، لاسيما وان عصر الحاسوب لم يترك لأحد أن يتوقع تأخيرا أو تعطيلا أو غما لطالما اعتراني حين أتنقل بين المكاتب الرثة والملفات المكدسة ذات الاطراف المشققة، وأجول بين الوجوه العابسة وكأنها تتفضل عليك بأن تنظر تجاهك، أو تجيبك فما بالك حين تقدم الخدمة المطلوبة!

          اتصل عبد التواب بالفراش فإذا به يسير مع غمامة من الناس يوزع عليهم التعليمات في البهو الطويل:

 انت اذهب الى شباك 7

وأنت الى شباك 4

وأنتم انتظروني هنا، اما ذاك فعليه أن يستكمل أوراقه.

          التفت عبد التواب خلفه وأشار بيده ليجد يدا أخرى تشير إليه من بين الحشود فكان المفتاح الذي ما ان سمع بطلبنا البسيط حتى أشار إلى أحد الشبابيك قائلا مهمتكم بسيطة ولا تحتاج واسطة أصلا.

 وبعد أن نقدناه المعلوم، كانت أرجلنا أسرع من امتداد سبابته لاتجاه الشباك.

          ذهبنا إلى الموظفة الجالسة خلف الشباك بهدوء كما بدا للوهلة الاولى من البعيد، اقتربنا منها فنظرنا فإذ هي تحمل على رأسها من الهموم بحجم محافظة كاملة، وتعكس ملامحها قساوة زوج او اخ اوبرودة الليالي…يا خوفي!.

          بادر صديقي بتقديم أوراق الطلب فلم تكلف الموظفة -المهمومة بحجم محافظة- نفسها النظر إليه، بل أشارت وقالت كلمة واحدة: الكراسي.!!!

 أي كراسي تقصد لم نفهم! فالبهو المليء بالأفواج لا مقاعد فيه ولا كراسي فتجرأت أنا رغم جبني المعهود في التعامل مع الرسميين، تجرأت على السؤال.

  قلت لها: نحن نريد فقط نسخة من سند ملكيتي لأرضي

رفعت رأسها متعجبة وغاضبة فكيف لي أن أجرؤ على السؤال! وهي ألقت باجابتها… فبدت امارات الغضب تعلو وجهها.

  اعتدلت في جلستها على المقعد الدوار المواجه للحاسوب وقالت بضحكة صفراء تبينتها من وراء أسنانها الصفراء، قلت لك : الكراسي!.

          أنا: وما هي الكراسي يا سيدتي.

          هي: اذهب واجلس على الكراسي حتى أنادي عليك.

          أنا: ولم ذلك ولا يوجد غيري وصديقي على الشباك.

تأففت تأففنا خرجت معه غيمة ضخمة من البخار مع آهة طويلة، تأففت تأففا عميقا شبيه بذلك التأفف الذي تراه حين تسمع صراخ سواق السيارات في رمضان بحجة كل منهم حين يقول: أنني صائم… فتراهم يتلاطمون بالالفاظ الحادة، وقد تتطور الامور بينهم للتشاحن والعراك…وكل يقول اللهم أني صائم!

قالت المتأففة التي تحمل فوق رأسها هموم بحجم محافظة: أنت واهم فالطابور طويل، وها هي الطلبات التي تسبقك!

          رفعت كومة من الاوراق المكدسة بشكل عشوائي فوق بعضها البعض

          وقالت: كل هؤلاء قبلك، أم تراك تتخطاهم جميعا؟

استملت الموظفة الغاضبة القسمات ورقة الطلب مني، استلمت تلك القصاصة-هي في الحقيقة نصف ورقة-الممهورة بشعار الدائرة مع صورة جواز سفري وصورة الهوية الشخصية و4 صور شخصية وشهادة الميلاد، وأشارت بقفا يدها أن ابتعد.

حاول صديقي عبد التواب أن يتدخل إلا انها أدارت لنا ظهر الكرسي وواجهت الحاسوب على يمينها، حاملة سماعة الهاتف بيسراها !

 ففهمنا أن ليس لنا ألا الانتظار.

 كان الأمل الوحيد هو أن نعود للمفتاح أي الواسطة من خلال الفراش المحاط بعجاج المعركة الذي بحثنا عنه طويلا بين زحمة المراجعين حتى وجدناه….الحمد لله أخيرا.

  وضع عبد التواب في يده ورقة نقدية كبيرة، غير تلك التي وضعها سابقا.

 نظر إليها المفتاح وابتسم، لا بد أنها بحجم توقعاته الآن!

  طلب المفتاح من الغيمة التي تسير مرافقة له أن تنتظر قليلا.

  تقدم الفراش معنا إلى الشباك متحدثا مع الموظفة المتأففة التي تحمل فوق رأسها هموما بحجم محافظة والتي بعد كلامه ادارت لنا وجهها، بالحقيقة هي ادارت وجهها الشريف للمفتاح الذي انطلق تلاحقه عجاج المعركة من المراجعين.

نادت على اسمي.

          أنا بتمتمة كي لا تسمعني فأثير غضبها: جاء الفرج، والحمد لله!

          هي: أنت صاحب طلب سند الملكية.

          أنا: نعم.

هي: أين تقيم

 وكم عدد الاولاد (؟!)

 واين شهادة ميلادك

 ورخصة السيارة (ما شان رخصة السيارة بسند الملكية؟!)

….  قمت بالإجابة على كافة الأسئلة العجيبة، وقدمت كافة الأوراق المطلوبة إضافة لتلك بين يديها، حيث أنني كنت جاهزا لمثل هذه الطلبات التي لا صلة لها بالطلب من باب التحوط، رغم اننا في العصر الرقمي الذي ظننته قد وصل هنا ولكنه على ما يبدو مازال بعيدا .

هي:طلبك ليس عندنا وانما في دائرة الاراضي في جنوب العاصمة!.

أنا: وما الفرق فكل ما نريده صك الملكية.

هي: ………………… .

جذبني عبد التواب من كم القميص وقال: ما زال أمامنا وقت فنحن الآن في الساعة التاسعة صباحا والدوائر الرسمية تغلق في الثانية بعد الظهر، دعنا نلحق الدائرة جنوب العاصمة.

أشرنا لسيارة أجره وركبناها. بين سخط السائق المتبرم من غلاء البندورة والكيوي!

 لم أجد علاقة بين الطماطم والكيوي فإن كانت الأولى أي البندورة (الطماطم) أساسية وتدخل في السلاطة فما بال الكيوي تأخذ حيزا في حديثه الذي أجبرنا على سماعه!

 كنت أنا أفكر في معاملتي البسيطة! وفيما عبدالتواب هائما يحلم، ممنيا النفس بلقاء محبوبته بالغد القريب.

.. ما علينا بقينا صامتين والسائق يهدر حتى وصلنا بعد ساعة كاملة لدائرة الاراضي في جنوب العاصمة لسبب ضغط السير في وقت ذهاب الموظفين لأعمالهم.

 بعد سلسلة من الاستفسارات للشرطة المقيمة على جانب الشارع، ولكاتب العدل أمام الدائرة ، ولمتعهد موقف السيارات، وللمحلف القانوني أمامها، وللبواب الذي أصر على تفتيشنا جسديا ، دخلت وصاحبي الدائرة فإذ ينتصب أمامنا شاخص به عدة كبسات تصدر بطاقة أو تذكرة حسب نوع المراجعة فكبسنا على بند معاملات المُلكية.

 وجلسنا ننتظر.

كان الايجابي أن طريقة التعامل مع الزبائن ترتبط بالتقانة (التكنولوجيا) منذ دخول ردهة هذه الدائرة جنوب العاصمة على غير عهدنا بالدائرة السابقة التي كان فيها الرجل المفتاح يسير في عجاج المعركة، وتضع الموظفة المتأففة هموما بحجم محافظة فوق رأسها الذي خاطت به ما توفر لديها من نسيج الغباء الموشّى بالقبح. .

  تفاءلنا خيرا.

 بعد عدة اشارات ضوئية على اللوجه الالكترونية المثبتة بالأعلى من القاعة وأصوات جرس…

طن الرقم 125

طن الرقم 126

طن طن الرقم 127

طن وصل رقمنا!

 واجهنا النافذة التي يطل منها شاب ملتحي ذو نظرات خفيضة، وكسل بادٍ في جسده المهزول ودون أي كلمة مني أو من صديقي عبدالتواب -إذ لم  يشجعنا شكله المسلول على الحديث أصلا- بدأنا المعاملة.

مد عبد التواب بالأوراق المطلوبة، وكلنا أمل أن يعطي الشاب الملتحي المسلول ذو النظرات الخفيضة أمره للحاسوب فالطابعة فتخرج الورقة المطلوبة أي سند الملكية.

 لنلحق معا بعزومة الغداء قبل العصر.

 بعد أن ظهرت صورتي ومعلوماتي كلها أمام الشاب الملتحي على الحاسوب بما فيها صورة الجواز والبطاقة المدنية والحالة الاجتماعية وصورة وثيقة الملكية التفت الينا، وقال: معاملتكم ليست عندي.

قال عبد التواب: ها هي أمامك على الحاسوب، وكل ما نريده نسخة مصدقة عن سند الملكية.

الشاب الملتحي والمسلول- مقارنا بين صورتي على الحاسوب وبين عبدالتواب.

 قال:من أنت؟ هل أنت صاحب المعاملة.

عبد التواب: أنا صديقه.

الشاب الملتحي بسخرية مرة: ياسلام! أين هو صاحب المعاملة الذكي؟

 عبد التواب وقد أحمر وجهه، لكنه مسك أعصابه.

 نظر عبد التواب إلى فرآني مبتسما ابتسامة غباء تماما كتلك التي قدّرها الموظف الشاب الملتحي ذو الجسد المسلول والعيون الناعسة أو بالحقيقة شبه النائمة حين قال الذكي قاصدا الغبي.

 تنحى عبد التواب وهو يحوقل.

 أفسح لي المساحة أمام النافذة…لقد كنت بجانبه بالحقيقة فتبادلنا المواقع فقط.

الشاب الملتحي دون أن ينظر لي، وكيف له ذلك! فعيونه أصلا خفيضة الى الدرجة التي لا ترى منها إلا شقا صغيرا، قال:  معاملتك ليست عندي .

 أنا : واين هي؟ عند من؟

الموظف الملتحي ذو الجسد المسلول والعيون الناعسة: اذهب مسرعا الى مديرية غرب العاصمة فهناك حيث سجلت ملكيتك لأول مرة.

   صرخ الموظف المسلول: الذي بعده، وكبس على الزر.

طن الرقم 129

أسرعنا خارجين، ما بين غيظ مكتوم وألم المكلوم وخيبة أمل اعجازية ونظرات تقطر حزنا من عيني، بل ومن عيني عبد التواب صديقي الذي أدخلته في هذه المتاهة وهو مقبل على موعد من أهم مواعيد حياته في الغد مع عليائه.

 ما بين انزعاجي مما حصل ومما اظن أنه أصاب عبد التواب خرجنا معا نبحث عن سيارة أجره، وبعد ما لا يقل عن نصف ساعة استطعنا أن نركب مع أحد فقهاء اللغة العربية!

سائق سيارة الأجرة الفقيه اللغوي! بدأ يشرح لنا الفرق بين الصفح والعفو، والفرق بين الوردة والزهرة!

   دون إذن منا تحدث السائق مبينا لتلميذيه المجبرين على الاستماع في السيارة موضحا الفرق بين المودة والمحبة والشوق والهيام كأنه يقرأ من كتاب ابن حزم الأندلسي المعنون: طوق الحمامة في الألفة والأُلّاف، ليصل بنا للتفريق بين “بني اسرائيل” القدماء المنقرضين، ومن يتسمون باسمهم اليوم من زاوية لغوية وأنا أغلي من الداخل واحترق فلم يتبقى من دوام اليوم الرسمي لدى الدوائر الا ساعة واحدة.

الفقيه اللغوي يقود سيارته بهدوء قاتل كاد يطير صوابنا

 عبد التواب بصدد أن ينفجر إلا انه وعلى عكس طبيعته التي عهدتها في المرحلة الجامعية قد ضبط اعصابه في مواجهة هذا الثرثار الفقيه او المتفيقه باللغة العربية!

 لم تكن الفيقهة هي السوءة الوحيدة، وانما ارتبطت بأنه كان يسير متباطئا الى درجة أن أصابنا في مقتل.

نعم الشوارع مزدحمة ولكن هناك الكثير من المساحات التي كان من الممكن أن يسرع فيها ليصل للسرعة المقررة!

 كان السائق المتفيقه يحول نظره إلى الخلف حيث نجلس وإلى الأمام حيث يجب أن ينظر.

حاسب انتبه، قلت له.

قال: لا تجزع فأنا سائق ودليل خرّيت! ولا أسرع.

خرّيت!! قال عبدالتواب ضاحكا

همست بأذنه أنها تعني الدليل الماهر والمتمكن، وذكرني هذا السائق ومحاولاته التشبه بفقهاء اللغة بقصة الخريت إذ تقول الحكاية:

حضر دليل من العرب عند الامير ابن مجاهد بالأندلس ليبعثه دليلاً مع جيش له إلى بلد نائية، فقال: أأنت الخرّيت؟ فاستشاط غضباً! وظن الدليل غيرما أراده الأمير، وأنه يستخف به، فقال: وأنت الفسّيت؟ فأخجله جداً واحتمله لجهله، وأمر بصرفه.

 ما بين صوت الفرامل القاسية ونظراته للخلف وهو يشرح لنا الفرق بين الجِناس والطباق في اللغة وصلنا أخيرا، والعرق قد غمرنا، قبل أن يدق جرس انتهاء الدوام بدقائق.

دلفنا إلى دائرة غرب العاصمة فلم يكن فيها أحد إلا من ثلاثة خلف الزجاج.

  فرحت اذ أنه لا يوجد أمامنا أحد، أما عبد التواب فتوجس خيفة وأسرّذلك في أذني.

 هذا ما كان.

 فلقد كان الموظفين المتأخرين يرتبون أوراقهم للخروج إذ لم يكن من داعي للسؤال فليس لنا الا العودة في اليوم التالي.

على الغداء بضيافة صديقتنا منار كان ما لذ وطاب من المشويات ما بين صدر الأرنب والحبش وأسماك الهامور والصبور وكتف الخروف وكثير من انواع الأرز البسمتي.

 جلسنا أنا وزوجتي عزيمة نعم هذا اسمها عزيمة، ومعنا عبد التواب، وصديقتنا.

 ما بين حديث متشعب عن ذكريات أيام الجامعة وشقاء اليوم غير المتوقع في عصر الرقمية والحاسوب، وما بين نوادر سواق سيارات الأجرة وتفاصيل عشاء القادم في بيت صديق الجامعة الآخر، بدأ عبد التواب يعبر عما يختلج في قلبه من مودة لعليائه التي انقطع عنها، ردحا طويلا من الزمن.

أهي ما زالت جميلة كما كانت؟

 أم أن جروح الزمان وندوبها قد فعلت فعلها في جسدها والروح؟

هل ما زالت تجنبي؟ أم أنها وجدت ضالتها في غيري؟

هل ما اخترته من ملابس مناسب أم لا؟

كيف سأحتضنها وأقبلها وأنا لا أدري طبيعة ردة فعلها؟.

استوقفته منار وقالت: تريث قليلا يا عبد التواب، فأنا لا أدري كيف تحمل كل هذه المشاعر، ولك من الزوجات المتتاليات الكثير، عدا عن أن زوجتك الاخيرة صديقتنا نرجس ما زالت على ذمتك؟ فلا تغالي كثيرا، فنحن اليوم وغدا في عزومة صداقة فقط.

عبد التواب بضيق: دعيني أعبر عن مشاعري، فأنا لم استمتع بلحظة من اللحظات بحياتي حتى الآن وما لدي إلا الامل والحلم والتمني.

منار: الحياة جميلة، فخذ من الحياة ما تريد، ولك أن تلطم ولك ان تسعد بكل لحظة.

أنا: اهدئي يا منار، ودعية يفرج عن نفسه فالمحب مفتون.

منار متعجبة: محبّ؟ ماذا تقول! أنه متزوج ولديه من الأولاد سبعة، وما زال يتحدث عن الحب .

أنا: وهل للحب حدود؟

منار: بالطبع لا، ولكنه لا يقتصر على النساء، فالحب شمولي لكل ما يحيط بنان انظر لما يقوله مولانا جلال الدين الرومي في الحياة والكائنات او كما يقول البعض في صديقه ومعلمه شمس التبريزي

 أنا: لنستمع ما يقول.

منار: استمع وانتشي: منتشيا تمشي

منتشيا تمشي يا روح الروح لا تذهب بدوني

يا حياة الأحبة الى البستان لا تذهبي بدوني

أيها الفلك لا تدُر بدوني

أيها القمر لا تُنِر بدوني

أيتها الأرض لا تُنبتي بدوني

أيها الزمن لا تمضي بدوني

أيها العقل لا تختبر بدوني

أيها اللسان لا تلفظ بدوني

أيها البصر لا ترَ بدوني

أيتها الروح لا تذهبي بدوني

هذا العالم، معك بهيج

وذاك العالم معك بهيج

في هذا العالم لا تمكث بدوني

والى ذاك العالم لا تذهب بدوني

منتشيا تمشي

منتشيا تمشي يا روح الروح لا تذهب بدوني

أنا : جميل، ولكن دعيه يعبر!.

منار: ليهتم يحب زوجته أولا، ويرى في حب الأخريات منطق آخر تماما كما يجب ان نحب مخلوقات الله جميعا…وكفى.

عبد التواب بعد أن عدّل من جلسته، متبرما: ولكنها حب حياتي يا منار، وانت تعلمين.

صديقتنا منار: كان هذا أيام الجامعة وأنت اليوم قد تجاوزت الخمسين، فكن رصينا.

عبد التواب: وما زال لها في القلب متسع.

منار: لا ارفض الاعتراف بالحب، وانما أفرق بين الأنواع فقط ، فليس لك النظر لها كأمة (عبدة) تريد استعبادها، وضمها الى حريمك.

عبد التواب وكأنه وجد ضالته: أعلم، فأنت كنت تغارين من جمالها فيما مضى وعلى ما يبدو أن غيرتك هذه ما زالت قائمة.

كادت المعركة تحتدم على مائدة الغداء بين منار وعبد التواب.

 أنا كنت احاول المشاركة والابتسام رغم أني مشغول البال في مشوار الغد الكئيب، حيث كل ما أريده وثيقة صك ملكيتي لأرضي!

إن الصك الذي كان لدي قد فقدته….. أي أن كل معاملتي ببساطة هي: بدل فاقد!

 ما زالت منار ترد على صخب عبد التواب كعادتهما بالشجار من أيام الجامعة.

 هي تتحدث بسلاسة ولطف، وهو يرد بصوت يشبه صوت نقار الخشب، وتعبيرات صادمة.

نحن نأكل وهما يتشاجران.

وضعت اللقمة من فمي، وتوجهت إلى عبد التواب طالبا منه التوقف عن الحديث لنستمتع لصوت فيروز وطعم الطعام الشهي.

كانت زوجتي عزيمة من عشاق فيروز حيث أدمنت سماع صوتها صباحا ومساءا، وخاصة أثناء الوجبات.

لم بنفع كلامي معها حول أن تجد مساحة أخرى لغيرها من المطربات خاصة في بهيم الليل الذي يشتاق لأمثال أم كلثوم وعبد الحليم وفريد وفايزة أحمد، ولكن لا جدوى.

   لم تثر لدى عبدالتواب أي عاطفة تجاه الأغاني عامة! يا لعجب رجل محب وصديق ولهان، ولا يستمع للطرب والمطربين!

  تدخلت زوجتي عزيمة وانهت النزاع بين الصديقين المتخاصمين ابدا منذ ثلاثين عاما حتى اليوم وذلك بتعدادها لفضل صدر الحبش على لحم الارنب.

صحوت هذا اليوم على صوت مطربة جديدة بالنسبة لي اسمها يسرا محنوش من تونس فراقني الصوت، لقد كانت تصدح باللهجة الخليجية:

يا صاحب السعادة قلبي حبك وزيادة

هذه عيوني تشهد دمعي على الوسادة

مغرومة في سموك تأمرني أطيعن أمرك

بس لا تبعدني عنك وحبك تقطع ودادك

يا صاحب الفخامة قلبك ما يحن علاما

صياد رمشك ماهر وانا قلبي يمامة

تصطادني في غرامك واذوبن في هيامك

مدرسة انت في كلامك وفي الحب تعطي شهادة

يا صاحب المعالي حبك معذب حالي

متعذبة في أولها ويا خوفي من التالي

عا جبيني حبك مكتوب وتكون ليا المحبوب

شمعة اضويلك وأذوب وإنت إلي قلبي راده

 هاتفت الصديق عبدالتواب لنلتقي عند باب دائرة الاملاك في غرب العاصمة لكنه اعتذر!

اعتذر لألم أصابه، فذهبت إليه ومنه الى الطبيب مسرعين.

  ما كان سبب مرضه الفجائي إلا لامتلاء معدته وبطنه بالهواء نتيجة الاكل والصوت العالي في اليوم السابق مما جعل من الغازات تحتقن الى الدرجة التي كانت فيها بطنه لا تكتف عن التفلت.

 غازات مصحوبة بالرائحة العطنة تخرج من الخلف، وأخرى من الأعلى! ما جعل من رائحة الدائرة التي دخلناها تزداد قتامة وبؤسا، لا سيما والموظفين والموظفات مع كل دفعة من الغازات المنطلقة كالمدافع ينظرون بقرف الى أنفسهم من فوق ومن تحت ونحو الآخرين شمالا ويمينا.

سحبت صديقي عبدالتواب من يده، وطلبت منه أن يتخلص من المخزون الثمين لاسيما وان الغاز في البحر المتوسط يقع فيه النزاع اليوم بين فلسطين و”اسرائيل” ولبنان وقبرص، فتخلص منه في الفضاء المجاور للدائرة.

عدنا للدائرة، فإذ بالوضع كما هو قاتم وغائم وأسود حتى بدون الغازات.

أصوات تعلو وشتائم تدوي! وعراك لم تفلت منه مسبات للوالدين!

 وللمفاجأة أن الشخص الذي يتلقى مثل هذه الشتائم والاهانات هو “المتحقق” أو مسؤول دائرة التحقق والمعلومات الارتباطية! هكذا اسمه، أقصد مسماه الوظيفي كما هو ممهور على باب غرفته التي وجب أن ندخلها كشرط اول حسب ما اخبرنا سائق الأجرة “تاكسي”! مشكورا.

وقفنا في طابور “المتحققين” الطويل أكثر من ساعتين حتى حظينا بالوصول لداخل الغرفة الصغيرة والحقيرة والناس بين جلوس ووقوف تمد بطلباتها أمام المتحقق.

المتحقق يعبث بالحاسوب حينا، ويستخدم هاتفه الجوال ليشتم ويسب، ولا يخلو الامر من انزعاج احد المراجعين طالبا الاستعجال لطلبه المرمي امام المتحقق من زمن أي بعد انتظار طويل.

المتحقق: وهل تراني ألعب.

المراجع: لا يا اخي، ولكنك بطيء

المتحقق: نحن نعمل ضمن قانون السلحفاة لا الأرنب!

ذهلت أنا من استخدام المتحقق لمثل هذا المثل؟

 فكتمت ضحكة كادت تبدر مني.

 الا أن المتحقق انتبه لي موجها الكلام: لماذا تضحك؟

فلم أستطع أن أجيب، وما كان من عبدالتواب صديقي الا أن أنقذني.

فرقعت من مؤخرة عبدالتواب كتلة من الغازات المتجمعة فأضاءت جو الغرفة وأجرت دموع البعض، إلا أن لكل حدث ايجابيته! أو كما يقولون: رب ضارة نافعة، وهنا فعلا ثبت القول.

تغاضى المحقق عن ضحكتي وانشعل بتقريع كافة الحضور الذين طلب منهم الخروج من الغرفة .

كانت اللحظة مناسبة فإثر خروج المراجعين جميعا تقدم صديقي عبدالتواب صاحب الغازات المضيئة وبدأ يفتح النوافذ، ويشتم من قام بالفعلة الشنعاء، وتقدم للمتحقق -الذي على ما يبدو شعر بقليل من الامتنان فتجاوز عن دخوله الغرفة- واستقبل الطلب بترحاب وأحاله الى الخدمات اللوجستيكية!

المراجعون المتجمعون على الباب بدأوا يصرخون لتعود الامور الى نصابها بين شتم وصراخ، واستغللنا الفرصة لنذهب الى الخدمات اللوجستيكية -كما لفظها هو- رغم عدم فهمنا “للخدمات اللوجستيكية” او.”التحقق والمعلومات الارتباطية”! فكيف نفهم العلاقة بينهما!؟

كان الظن كله أن الخدمات اللوجستيكية تعني أن يتم إصدار سند الملكية لنا ولكن الحقيقة كانت أكثر بشاعة من غازات بطن عبدالتواب وشتائم المتحقق وقساوة ملامح الموظفين طرا,

مررنا ب64 موطف وموظفة ( ) وتنقلنا بين 3 طوابق 4 مرات ولمدة يومين متتايين من التاسعة صباحا حتى الثانية ظهرا.

 وفي هذه الرحلة الطويلة كانت الاستجابات متنوعة والوجوه تتبدل بألوانها من الرمادي الى القاتم ومرورا بالأصفر من الألوان، وإن كان التأفف والخيبة باديا على الوجوه فإن إحدى الموظفات طاب لها أن تساعدنا فكانت تمثل المرشد لنا بين المكاتب والغرف وبين امزجة الموظفين واوقات الصلاة أو الطعام فنتجاوزها في محاولة لإتمام سير العملية بسلاسة لم تخلُ من النظر الينا شزرا وخاصة حين نوضح ان المعاملة بسيطة!

في ختام اليوم الثاني من رحلة “الألف ميل” لاستصدار سند الملكية للأرض التابعة لي كنا بحضرة أحد الأصدقاء القدامى وحرمه وأنا وحرمنا عزيمة نعم اسمها عزيمة، والسيد عبدالتواب وصديقتنا منار.

بانتظار الاطلالة البهية للفاتنة التي أغرم بها عبد التواب كنا ما بين مكذب ومصدق لاعلانه الحب واللوعة.

 كنا ما بين مترقب أومستعد للانفجار ضحكا على تصرفات عبدالتواب المتوقعة، والتي لطالما فاجأنا بها رغم عصبيته البادية، إذ أنه رغم ذلك وأيضا بالرغم من بطنه المحتوية على أحد حقول الغاز الطبيعي، فهو فكه لطيف ذو نوادر.

ترقبنا للحدث أنسانا أنا وهو قليلا رحلة استصدار سند الملكية الشاقة، فخضنا بالكثير من الامور.

مرت الساعة الأولى في ترقّب شديد خاصة وعبدالتواب قد اعتمر طاقية سوداء ليغطي على صلعته اللامعة، ولبس ربطة عنق صفراء مشجرة مع قميص وردي وبدلة سوداء فاحمة جعلت النظر له بهذه الهيئة تذكرنا بأحد أصدقائنا الذي كنا نسمية “ألن ديلون” نسبة لاحد كبار الممثلين العالميين.

منار بعد انتظار: يبدو أن علياء لن تأتي!

عبدالتواب: فال الله ولا فالك، وكل هذا اللبس والعطر الذي استخدمته وتقولين لي ذلك.

منار: اتصلت بي زوجتك نرجس من استراليا تسأل عنك فهاتفك مغلق.

عبدالتواب: وهل هذا وقته!

كان عبدالتواب متوترا من الانتظار، ونحن قلقين عليه، أما ناصر صديقنا صاحب الوليمة فقال غاضبا بعد ساعة يبدو أنها لن تأتي فهلمّوا الى الوليمة.

طلبت زوجة صديقنا ناصر صاحب الوليمة دقائق للاتصال بعلياء ولما لم تجد اجابة قالت: عملنا الذي ما كان متوجبا…هلموا

كمن دلقت على رأسه دلوا من الماء البارد، هكذا بدا لنا عبدالتواب الأسير لنزواته وحبه القديم كما كان يقول وبين ضحكات مكتومة من جموع الجالسين فها هي علياء تنفر من المجيء لرؤياه! وتبتعد فلم يبقَ لنا الا التندر عليه.

المائدة العامرة بالاطايب كانت فرصة نادرة لمجموعة من النكات والضحكات خاصة على عبد التواب وزوجاته الخمسة وعلياء، وشحنات الغضب التي يتميز بها ولطفه ودفء مشاعره التي تصل به الى حد الجنوح احيانا فيبكي بكاءا مرأ.

 خفنا أن ينفجر حزنا، لا سيما وأن زوجتي عزيمة وزوجة صاحب الدعوة وصديقتنا منار قمن بالدور فلم يتركن طرفة الا والقينا بها في وجهه المكتئب.

تحولت الملامح في وجه عبدالتواب من النقيض الى النقيض! إذ بعد تيقنه بعدم مجيء علياء قلب لها ظهر المجن وبدا يعدد ويحصي عيوبها!!

أصلا هي كانت نمّامة

بل وكانت كثيرا ما تحرجني في الجامعة.

كان شعرها مثل “سلك الجلي” فكيف بها اليوم!

وبعدين هي سمراء وأنا لا احب السمر

كيف لها أن تراني وأنا في عز شبابي، وهي لا بد أصبحت عجوزا شمطاء ذات كرش!

أنا كنت استلطفها ربما لفترة قصيرة ولكن لم أحبها في حياتي.

كنت أضحك عليكم وامزح فقط!

وكاد يسترسل في تبيان مثالبها ونواقصها حتى ظننا أنه يتحدث عن امراة أخرى مختلفة كليا.

كان صاحب الدعوة خبيث النوايا، فهو قد رتب الأمر مع زوجته ومع علياء أن تفاجيء عبدالتواب أثناء الطعام.

  كانت علياء تختبيء في غرفة مجاورة! ولسوء حظ عبدالتواب كانت قد استمعت له، وهو يطعن في كل ما كان فيها، ويطلق الطرفة تلو الطرفة عليها….فاستاءت.

خرجت علياء فجأة، مرحّبة وهي باسمة رغم الغصّة التي أصابتها.

أسفرت عن جمال لم يبلى مع الأيام فهي اليوم في الخمسين من عمرها، وتحتفظ بجمال وشباب ابنة العشرين حتى أن زوجتي عزيمة وصديقتنا منار ذهلتا من جمالها.

صُعق عبدالتواب حين رأها، وفغر فاه معلنا الصمت عن الاستجابة للحظة، فلقد ضاعت في ثوان معدودة الفرصة التي كان يترقبها، إذ أبصر الحزن الدفين في وجه علياء والغضب مما قاله في لحظات الانفعال.

علياء باسمة: أنت كما أنت، تسبق انفعالاتك محطة التفكير.

عبد التواب مذهولا: أهلا يا علياء

علياء: لا تقوموا عن الطعام واكملوا، وجلست بعيدا

لم يكن لأحد نفس أن يكمل اللقمة، فالخديعة قد أربكتنا جميعا وبعد اكثر من 25 أو 30 عاما، إلا أن صديقنا المشترك ناصر صاحب الوليمة لم يكن بعيدا في عمله هذا -أي عمل المقالب- عما كان يفعله فترة الجامعة!

انفجر صاحبنا بالضحك قائلا: مفاجاة أليس كذلك؟!

 لم يستلطف منه أحد ذلك، وعبد التواب تحديدا لم يأخذها كذلك وظل منكمشا على نفسه أثناء انعطافنا لشرب الشاي اللذيذ.

 وكانت علياء ذات الضحكات الصاخبة تفرقع فيما قلبه انخرط في نشيج داخلي ونزيف.

 كانت محطتنا الختامية للمعاملة بعد عشاء الأمس قد زاد فيها العناء المرتبط بطول الرحلة أن انخرط عبدالتواب بالعتب الشديد الى حد السخط على فعلة صديقنا بالعشاء ومقلبه الحقير كما قال عبدالتواب.

حاولت جاهدا أن اخفف من أثر الصدمة، وشعوره بالغضب والعتب، فلم استطع ومتنع عبدالتواب أن يذهب معي الى دائرة الأراضي.

قال عبدالتواب من شعر أبي نواس موجها كلامه لا ادري لمن؟

يـاعـاذلي بمـلامٍ مُـرّ بـاليـــاسِ،   فلــستُ أُقْـلِـعُ عن رَيْـحــانَـة ِ الكـاسِ

تبـاعـدَ العــذلُ عن قـلبي على ثقَـة ٍ،      كمـا تبـاعـد بين الـورْدِ والآسِ

كان من الواضح لنا أن صاحب العزومة صديقنا ناصر وزوجته هما من لم يتوبا عن مقالبهما منذ أيام الجامعة، وظهر لنا أن عبدالتواب قد تاب أو بصدد اعلان توبته.

ذهبت وحيدا لاستكمال المعاملة ،الا من غضب على صديقنا، ومشوار لربما كنت في نهايته وهذا ما كان.

وصلت الى الخدمات “اللوجستيكية” وهي الخدمات الحاسوبية كما ظهر، وعندما عزمت شرح مطلبي بعد أن قدمت الملف كاملا مع 64 توقيع وعشرات الأوراق.

 قال موظف الخدمات اللوجستيكية باسما: اما كان الأجدر بك أن تخاطبنا عبر البريد الالكتروني فنصدر لك سند الملكية وأنت بالبيت!!

 كانت الصدمة شديدة عليّ، وأكثر وقعا من خديعة أو مقلب صديقنا، وأكثر بؤسا من بئر الغاز في بطن عبدالتواب، ومن فتنة علياء، وضحكات زوجتي عزيمة، ونكات صديقتنا منار على مآل عبد التواب.

يا إلهي ماذا يقول؟ أكان كل هذا خاضع للاختصار عبر بريد الكتروني!

لم تدم تخيلاتي كثيرا، فطفقت انتظر اكثر من 3 ساعات بين طاولتين متجاورتين يجلس على كل منهما موظفة ساخطة لم تمل أي منهما الحديث في طبخة اليوم وبرنامج  محبوب العرب”أراب أيدول”، وأهمية السبانخ للحديد ودور فيتامين دال في المناعة….وانا وثلة من المراجعين بانتظار الفرج فلربما ينتهي ماراثون الحوار بين الزميلتين.

وقت اذان الظهر قامت الموظفتان، واختفتا 5 ثم 10 ثم عشرين ثم ساعة ثم اكثر من ساعة!

 ظننا للوهلة الاولى أنهما قامتا تصليان، ولكن أي صلاة هذه تدوم اكثر من ساعة!؟

 الحقيقة التي أفصح عنها عامل المقصف الذي كان يقدم المشروبات بثمن: أنهما ذهبتا لتباركا لزميلة لهما خلّفت ذكرا، فالذكور أهم من الإناث !

بعد ساعتين وصلتا تتضاحكان، ونحن المراجعون كتلة من حمم البراكين!

وتقولون خدمات لوجستيكية وخدمات بريد الكتروني!؟

جلست مع عبدالتواب في مساء اليوم، ومع تجاذبنا أطراف الحديث كنت أحاول أن اخفف عنه، الا أنه حاول تغيير الموضوع وقال لي: هل أتممت المعاملة؟

نعم: والحمد لله، فالخدمات اللوجستيكية تشتمل على زيارات للحوامل والوالدات!

عبدالتواب: ماذا تقصد، لم أفهم.

أنا: تصورأنهم قالوا لي لو قعدت في بيتك وطلبت بدل فاقد سند الملكية الكترونيا لوصلك دون عناء.

عبد التواب: معقول!

أنا: وحياة علياء!

تذكر علياء حبه القديم السائر بين النجمات، وفهم الإشارة وكان قد تجاوز الموقف المحرج، فقال دع عنك لومي أو تقريعي فأنا ما كنت بها الا مازحا.

 الله يخلي لي زوجتي الحبيبة نرجس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com