واشنطن تستعد لتفجير قنبلة أوكرانيا تحت أوروبا

واشنطن- وكالات:ـ نلمح في الآونة الأخيرة توجهين، أرى أنهما وثيقا الصلة ببعضهما البعض: فمن ناحية نرى دفئا مفاجئا في العلاقات بين كبرى الدول الأوروبية وروسيا، ومن ناحية أخرى نرى التصعيد المفاجئ للوضع العسكري في أوكرانيا.

رأينا في الأسبوعين الماضيين كيف سعى زعماء الدول الرئيسية في أوروبا إلى روسيا كسعي النحل إلى العسل، فزار بوتين في البداية المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي صرحت في معبر حديثها أن خط أنابيب السيل الشمالي-2 سوف يمدّ بصرف النظر عن كافة التهديدات الأمريكية، ثم زار مدينة بطرسبورغ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أبدى ودا ودفئا منقطع النظير من خلال حواره مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفي مؤتمره الصحفي، حتى وإن لم يمش بصحبة نظيره الروسي ممسكا بيده كما حدث مؤخرا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأكّد الرئيس الفرنسي على إمكانية التعاون بين البلدين واجتهد لتجنّب الأحرف الحادة. في الوقت نفسه أعلنت الشركات الروسية والفرنسية عن مشاريع ضخمة في مجالات الغاز والطاقة النووية، ما يعني توفر ثقة بعيدة المدى وتطلّع لتطوير العلاقات في القطاعات الإستراتيجية. بالتوازي فقد فاز في الانتخابات الإيطالية الحزب الذي أعلن عن نواياه بضرورة وقف العقوبات ضد روسيا.

إن زيارة الرئيس الفرنسي بمجملها تعطي انطباعا وكأنها تحدث في العقد الأول من الألفية قبل أحداث سوريا وأوكرانيا والعقوبات والحرب الباردة الجديدة، حتى بدا واضحا أن تلك القضايا وحتى الاتهامات الأخيرة لروسيا في مأساة الطائرة الماليزية لم تكن محور نقاش الرئيسين.

لم يحدث ذلك بطبيعة الحال على نحو فجائي، بل حدث عقب حرب تجارية شنّها ترامب ضد الاتحاد الأوروبي، وعقب زيارات لنفس الشخصيات (ماكرون وميركل) إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من الابتسامات والحفاوة المفرطة إلا أنني أكاد أجزم أن ترامب، وراء الأبواب المغلقة، كان يضغط بقسوة على الأوروبيين كي يرغمهم على الرضوخ للرغبات الأمريكية. ثم جاء خروج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني، وبمجرد تدمير كوريا الشمالية لموقع تجاربها النووية رفض ترامب الحوار معها. بعد كل هذا بدأت أوروبا تدرك أنها تجلس في غرفة واحدة مع شخص يحب اللعب بالسيف من باب المتعة، دون أن يهتم بسلامة من حوله في الغرفة.

بعد ذلك اجتمع الأوروبيون حول ضرورة استعادة الاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية حتى أن رئيس المجلس الأوروبي، السياسي البولندي دونالد توسك، صرّح مؤخرا بأنه لا حاجة لأعداء بصحبة حلفاء مثل الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك تصبح روسيا بطبيعة الحال في الظروف الراهنة محل اهتمام أوروبا، بوصفها مصدرا أساسيا للطاقة، وكثقل موازن للولايات المتحدة إلى جانب أسباب أخرى تدعم استقلال أوروبا، وعلى الفور يلين قلب وتصريحات الزعماء الأوروبيين بشأنها، وبشأن “الشرير” بوتين.

لكن الأنغلوساكسون لن يسمح لأوروبا بأن تخرج عن طوعه، لهذا نتابع الاستفزازات التي بدأت باتهامات تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال، لكن القضية ذهبت في طي النسيان لغياب الأدلة، وبعد أن اتضح وجود وتصنيع غاز “نوفيتشوك” في عدد من دول الناتو على أقل تقدير. ثم تظهر اللجنة الهولندية التي تحقق في سقوط طائرة البوينغ التابعة للخطوط الجوية الماليزية لتعلن استنتاجاتها في هذا التوقيت، و”بالصدفة البحتة” موجهة أصابع الاتهام إلى روسيا باستهداف الطائرة على أراضي أوكرانيا. ثم يتزامن مع ذلك منذ أسبوع شنّ القوات الأوكرانية لهجوم (غير ناجح تماما حتى الآن) على مواقع الجمهوريات الانفصالية، وقصفها للمدن، واحتلالها للقرى في المنطقة المحايدة. كذلك حظرت كييف عددا من وسائل الإعلام الروسية التي كانت تحظى بشعبية بين المواطنين الأوكرانيين.

يبدو كل هذا بمثابة تحضير لهجوم أوكراني واسع على جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين بهدف استفزاز روسيا للتدخل، لمنع التطهير العرقي للسكان المحليين. وبالطبع فإن برلين وباريس وسائر أعضاء الناتو سيتعيّن عليهم الوقوف صفا واحدا على النحو الذي تمليه عليهم القيادة الأمريكية.

إن المحاولات الحثيثة لتشويه سمعة روسيا على أعتاب كأس العالم الذي سوف يقام على أراضيها ليس سوى أحد الأهداف من وراء كل هذه الاستفزازات، لكن إبقاء واشنطن سيطرتها على أوروبا هو هدف لا يقل أهمية، وأعتقد أن تصعيد المواجهة مع روسيا هو الوسيلة الأفضل لذلك، ولا شك أن أمريكا مستعدة للتضحية بأكثر من حياة آلاف الأوكرانيين من أجل تحقيق هذا الهدف.

لكن ضرورة تطبيع العلاقات بين روسيا وأوروبا هو أمر أساسي يدركه الزعماء الأوروبيون، كما يدركون أهمية استقلال السياسة الأوروبية، وأعتقد أننا في المستقبل القريب سوف نشهد خطوات جديدة بهذا الصدد.

المحلل السياسي ألكسندر نازاروف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com