إطلاق مهرجان رام الله الشعري الثاني.. فلسطين تتنفّس شعراً

رام الله- البيادر السياسي:ـ وهل سيكف الهمبرغر كليّ القدرة عن قصف الكفتة العراقية، وأرز فيتنام المسالم، وهل سيدعنا أخيراً ندخل البيت التشيلي حيث تخبز فطائر لذيذة وغنية جداً؟”.

كان هذا مقطعاً من “قصيدة الطهي” للشاعر الإسباني كارلوس أبيلا قدمها في حفل إطلاق مهرجان رام الله الشعري بنسخته الثانية، في المسرح البلدي بالمدينة، وهو المهرجان الذي تنظمه مؤسسة محمود درويش وبلدية رام الله.

وفيما قدمت الفنانة الفرنسية اللبنانية رولا صفار فقرات موسيقية من أشعار درويش وابن العربي وجبران خليل جبران وغيرهم، قدم الفنانان الفلسطينيان سامر جرادات وطارق عبوشي مقطوعتين موسيقيتين مبتكرتين، قبل أن يقدم الشعراء من فلسطين والعالم قصائدهم في مجموعات، اشتملت كل واحدة على ما بين أربعة إلى خمسة شعراء، فحضرت آسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية بلغات عدة.

وكان لفلسطين أرضاً وقضية حضور بارز، ففي قصيدته “درس موجز عن فكرة الوطن” صدح الشاعر الألباني أجيم فينسا “الوطن هو الأرض التي ولدنا فيها، إنه بلد أجدادنا .. إنه فلسطين خاصتنا.. إنه الهواء والأرض والسماء .. القبرات فوق شطآن البحر، الغيوم، الفراشات، الطيور .. الوطن هو أنت نفسك. أنا، نحن جميعاً”.

ومزجت الشاعرة شيخة حليوي باقتدار ما بين الوطن ونكبته وأمها وما بين العامية والفصحى، فيما قدّم الشاعر علي مواسي في قصيدة “لا لشيء” مشاهد واقعية واستعادات من التاريخ برؤية حداثية مميزة حيث “نمرر ألف كعكعة من العاصمة عبر ثقب في الجدار”، في حين تحدثت الشاعرة رجاء غانم في قصيدتها “لاجئة” عن “القرية الممحية عن خارطة البلاد”، و”الخيمة”، و”جوع اللاجئين الجدد”، بينما انحاز الشعراء الآخرون إلى قضايا ذاتية أو أخرى ذات بعد إنساني كما في قصيدة “نساء” للشاعر الفلسطيني غياث المدهون المقيم في السويد.

ولم يغب الوجع السوري عن حفل افتتاح المهرجان، فحضر عبر قصيدة “صلاة من أجل حمص” للشاعر السوري القدير فرج بيرقدار، الذي أكد هو المنفي منذ أكثر من عقد “سآتي إلى حمص وحدي.. سآتي إلى حمص ألفاً.. سآتي إليها حناناً وزلفى، فحمص التي عمدتني وحمص التي أسلمتني، يليق بها أن أكون لها ألف حب وحزن ونهر من الذكريات، لتشفى وأشفى”، وكذلك عبر قصيدة “صورة قديمة لي في حلب” للشاعر السوري الكردي مروان علي المنفي أيضاً، والذي تذكر “ساحة سعد الله الجابري”، و”سرفيس الدوار الشمالي”، و”مبنى البريد”، والمنشية القديمة”، وغيرها.

وكان ثمة حضور للجزائر عبر قصيدة حملت اسمها للشاعر الجزائري الفرنسي إيفان تيتلبوم أكد فيها أن “الجزائر هي أرضية الشعرية”، ليضيف: “اليوم أرجع إلى الجزائر بحثاً عن الشذرات الناقصات”، قبل أن يختم “الصلاة في المنفى إحياء روح الشعراء المقتولين .. صلاة لا تتوقف تقول لغيابها: لا يمكن أن ننسى، من اللاإنسانية أن ننسى”.

وقال وزير الثقافة د. إيهاب بسيسو في كلمته في الافتتاح: إن لقاءنا في افتتاح مهرجان رام الله الشعري يحمل في ثناياه شكلاً من أشكال التعبير عن الهوية بمفهومها الإنساني الواسع، وحالة من حالات الانحياز للقيمة الإبداعية لقدرة الإنسان على مواجهة سياسات العزل والحصار بمزيد من الانفتاح على أسباب الحياة، لذا نجدد، وفي حضرة المجاز الشعري المشبع بتفاصيل الجمال النابع من تعدد الأمكنة والتجارب والأنماط الشعرية والإبداعية نندمج أكثر في روح فلسطين الإبداع والتعدد، فلسطين الحياة.

وشدد بسيسو: دعمنا لهذا المهرجان يؤكد حرصنا على مد وتعزيز الجسور الثقافية بين فلسطين والعالم، رغم كل العقبات التي يضعها الاحتلال.. تلك العقبات التي تتخذ أنماطاً عدة من البشاعة، منها منع وعرقلة السفر، ومنها الحصار، ومنها إغلاق ومداهمة المؤسسات الثقافية، ومنها الاغتيال، ومنها القصف كهذا الذي حدث قبل أقل من أسبوع، وتحديداً في التاسع من آب الذي يصادف الذكرى العاشرة لرحيل الشاعر الكبير محمود درويش، حين استهدفت طائرات الاحتلال مبنى مؤسسة سعيد المسحال للثقافة والعلوم في غزة، وقبلها مبنى المكتبة الوطنية قيد الإنشاء في غزة، وقرية الحرف والفنون، وقبلها تاريخ طويل من محاولات اغتيال الثقافة الفلسطينية والكلمة والروح التي تصنع من الماء والملح خبزاً يومياً ولا تستسلم.

وختم وزير الثقافة كلمته مخاطباً الشعراء القادمين من قارات عدة: إن فلسطين التي ترحب بكم اليوم ستحفظ ملامحكم وأنتم ترددون الشعر في مفردات هوائها، وستخزنه للمستقبل وهي تحتفي بالحرية، مرددة وفاءً أسماء من شاطروها الكلمة وساندوها في مسار الجلجلة نحو الخلاص الأبدي من الاستعمار.

وكان رئيس بلدية رام الله موسى حديد أشار في كلمة إطلاق المهرجان إلى أن “هذا المهرجان يأتي في سياق رسالة الفلسطيني الباقي على قيد الحرية، لأن الذي يستحق هذه الأرض هم أصحابها الشرعيون الذين حرثوا التراب وزرعوا الحياة، ودافعوا عنها لقرن أو يزيد بالحبر وبالدم الساخن ضد الاستعمار، لأنه على هذه الأرض الحياة لمن ناضل ضد من قتل الحياة”، معلناً عن إطلاق مهرجان رام الله الشعري الثاني”.

أما مايتي فاليس بليد المدير الدولي للمهرجان، فشددت على دور الشعر في مد الجسور بين الشعوب وثقافاتها، واصفة إياه بصوت السلام والمحبة، وبأنه قادر على الوصول إلى الجميع، رافضة وصف الشعر بالفن النخبوي، مشددة على شعبويته، لافتة في كلمتها بحفل الافتتاح، الذي أدار عرافته الشاعر فارس سباعنة ومرام طوطح، إلى أهمية استمرار هذا المهرجان الذي انطلق من مدينة “سيت” الفرنسية، وينتظم مدناً أخرى حول العالم، وفي مدينة رام الله كأول مدينة تحتضن نسخة المهرجان في قارة آسيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com