كاوبوي القرن الحادي والعشرين/ بقلم: محمد شريف كامل*

إن كان القرن العشرين، عرف بزمن التحرر العالمي والقضاء على الإستعمار بصورته القديمة، رغم فشله في تحرير شعب فلسطين. فإن التاريخ سيذكر أن الربع الأول من القرن الحادي والعشرين اتسم بظهور شخصيات يعود أصلها لقرون مضت، فقد طل علينا نوع جديد من البلطجة والعنجهية وإساءة استخدام السلطات وإنتهاك حقوق الإنسان وكافة المواثيق الدولية.

لقد عرفت شمال امريكا ظاهرة رعاة البقر(Cowboy) ذلك الشخص الذي يخرج على حصانه لرعاية الأبقار ولكنه اتسم في ذلك الوقت بأنه الشخص الذي يجوب الأرض يمينا ويسارا ينازع جيرانه على حقوق الرعي بل ويحاربهم ولا مانع لديه من إغتصاب حقوقهم، فالمحرك الوحيد له هوالبقاء ولو على حساب الأخريين.

لم يغب ذلك الكاوبوي عن الغرب وتحديدا عن شمال امريكا، ولكنه انتقل من المراعي ليسكن قصور السياسية فأغلب رؤساء الولايات المتحدة مارسوا ذلك الدور، إن لم يكن جميعهم، إلا أن ما نراه اليوم هو نوع جديد من رعاة البقر، نوع انتشر على الساحة، ظهر في الولايات المتحدة وأمتد حتى عم الشرق الأوسط، وهذه ليست مصادفة.

إن المتابع لتحركات ترامب في الشرق الأوسط وحربة التجارية على أوروبا وكندا والمكسيك والصين وتركيا، وموقفه من الكيان الصهيوني وضرب أخر منافذ الحياة للشعب الفلسطينى “ألاونروا”، ووقوفة بجانب النظم العربية الديكتاتورية يعلم أنه لو اكتملت تحقيقات “مولر” في الولايات المتحدة بشكل محايد ومدقق فأنها سوف تظهر أن الكيان الصهيوني هو من زف ترامب للبيت الأبيض عن طريق عملاءه في السعودية والإمارات، ليتوافق ذلك مع مشروع القرن الذي مخطط له أن ينتهي بالقضاء على الثروات العربية بإنفاقها على شراء السلاح والأقتتال العربي العربي والإسلامي الإسلامي، فيقضى بذ لك على أي إمكانية لصحوة عربية أو إسلامية لمئات السنين.

لقد جال ذلك بخاطري وأنا أتتبع تلك المشكلة المفتعله بين السعودية وكندا، والتي اوشكت السعودية بها أن تضرب حصارا على كندا مثل ذلك الحصار المفروض على قطر! وقد وقفت الولايات المتحدة موقفا محايدا أوهكذا يبدوا، من رعونة المملكة السعودية في مواجه كندا، ومن قضية حقوق الأنسان في السعودية لا مبرر ظاهر له. ويختلف ذلك عن حيادهم من الحصارالظالم على قطر الذي قد يكون مبررا، فهم لا يشتركون في اضراربقطر ولا يضرون بمصالحهم.

إن هذه المشكلة بين كندا والسعودية ولا شك مفتعلة، فكندا وإن صمتت كثيرا إلا أنها تخرج علينا من الوقت للأخر بمواقف علنية تدين بها انتهاكات حقوق الإنسان خاصة وإن كان ذلك الإنسان لا يمثل توجهات سياسية أو اسلامية، فلقد صمتت امام انتهاكات لا مثيل لها جرت ومازالت على أرض مصر منذ إنقلاب 2013، وقبلت الضعط الاقتصادي من ممولي الانقلاب وهم بلا شك السعودية والإمارات، وأدانت بإستحياء مجازرهما على أرض اليمن.

ومع تصاعد حملات اعتقال النساء والفتيات في السعودية تحدثت كندا رافضة ذلك الأعتقال التعسفي، وثارت ثائرة أل سعود وأيدهم ديكتاتوريات العرب، لكن لما كل هذه الثورةعلى نداء سياسي عادي، لا يقابل عادة إلا بإستدعاء السفيروتوبيخه؟

أولا هذا الموقف موجه للداخل، فالحاكم “بأمر الله” من الرياض، قوي وفوق النقد ويستطيع أن يمنح وقت ما يشاء ولا يحق لمخلوق أن يطالبه بشيئ.

ومن ناحية الخارج، أعتقد أن هناك عدة اسباب لذلك، أولها عدم السماح لأي دولة في العالم أن تنتقد أل سعود، ثانيها أن ذلك الحاكم “بأمر الله” من الرياض سيستمر هو وشركائه في انتهاكهم لحقوق الانسان ولن يسمح لأي دولة بمنعه من ذلك، بالإضافة لأن مواقف كندا من الفلسطينين ودعمها “للأنروا” لا يتوافق مع المخطط السابق ذكره، ثم أن كندا ترفض إلغاء الاتفاق النووي مع ايران، وتنشط علاقتها التجارية مع قطر وتترك مساحة من حرية الحركة للناشطيين في مجال حقوق الانسان لرفض الحصار على قطر ورفض الفاشية الحاكمة في مصر.

ولا يفوتنا هنا مشهد التوافق السعودي الاماراتي الامريكي من إلغاء الاتفاق النووي الإيراني والذي رفضت كل دول العالم إلغاءه، نجد أن التحالف الجديد الذي شمل رعاة بقر هذا العصريطفو على السطح ويتبجح أكثر وأكثر.

ولكن أليس هناك الكثير من الدول في العالم التي تقوم بذات الدور، فلماذا كندا؟

لا ننسى أن كندا هي من أقل دول الغرب في حجم التجارة مع السعودية، لذا فمن الممكن ان يتم التمثيل بها حتى يتعظ الأخريين، ومن ناحية اخرى فإن كندا ترفض محاورة الولايات المتحدة منفردة دون المكسيك في اتفاق شمال امريكا للتجارة الذي يسعى ساكن البيت الأبيض للإلغائه. وهذا مما يفسر محاولة الولايات المتحدة الوقوف على الحياد من هذا التعنت السعودي، وبذا تكون السعودية ادت خدمة للبيت الأبيض

ولذا فأنه من الواجب علينا أن نكشف تلك الأمور وأن تقف جميعا في صف حكومة كندا، بل وأن نحفذها ان تتمسك بالوقوف بجانب قيمة حقوق الإنسان التي تعلوا فوق كل شيئ، وأن ندعوها لأن تطبق ذلك على باقي الدول وأكثرها خرق لحقوق الإنسان اليوم هي مصر، وعلينا ان نواجه صلف السعودية ومن وقف معها بحجة عدم التدخل في الشئون الداخلية، فحقوق الانسان لم تعد شأن داخلي.

إن كاوبوي القرون السابقة لا يصلح للقرن الحادي والعشرين وعلينا اسقاطهم.

15 اغسطس 2018

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com