التهدئة بين الوعود المصرية واندفاع حماس.. د.إبراهيم محمد المصري

يثور كثير من الشك والغموض وعدم اليقين حول مفاوضات التهدئة بين حركة حماس و”إسرائيل” بوساطات متعددة “مصر بشكل أساسي، والأمم المتحدة ممثلة في ميلادينوف، وقطر ” مما ساعد على تعقيد الأمور وإرباك الأطراف المتفاوضة في ظل تضارب المصالح لكل طرف من الأطراف المعنية، التي ساهمت في عدم وصول المفاوضات لنهايتها في توقيع اتفاق يلتزم به جميع الأطراف دون استثناء، أضف إلى ذلك استثناء الرئيس الفلسطيني في هذه المفاوضات ممثلا عن السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية ، مع رفض معظم القوى الفصائلية الفلسطينية الأخرى بقيادة الجبهة الشعبية لهذه التهدئة وفصل السياسي عن الإنساني على حساب المصلحة الوطنية وقبل الوصول إلى المصالحة الفلسطينية الداخلية ، فوقفت حجر عثرة أمام إبرام الاتفاق .
لقد لخصت حماس هدفها التفاوضي برفع الحصار عن قطاع غزة، وإنشاء ممر مائي إلى قبرص يسمح بحرية الحركة لقيادات حماس، واستخدامه ممرًا تجاريًا تكون فيه حماس بعيدة عن السيطرة المصرية على معبر رفح، وهو أمر يدركه المصريون ويتفهمون دوافعه، ولكنهم يرفضونه رفضا قاطعا، ولن يسمحوا به لاعتبارات الأمن القومي المصري ، كما أن من أهم أهداف حركة حماس من اتفاق التهدئة أن تستغني تماما عن السلطة الفلسطينية في إدخال البضائع وخروجها من والى قطاع غزة، وتسعى أن تعود فوائدها” المقاصة” بتحويلها لحركة حماس مباشرة في إطار اتفاق الهدنة، وهذا ما صرح به أكثر من مصدر مسؤول في حركة حماس، في مقابل امتناع حركة حماس عن القيام بأية أعمال عدائية ضد “إسرائيل” وكبح جماعات متشددة في قطاع غزة.
وكما هو واضح مع زيارة أخيرة للوفد المصري الأمني مع تردد الأنباء حول إمكانية اتخاذ السلطة إجراءات عقابية قاسية ضد قطاع غزة، تقول أنها حاسمة في إنهاء الانقسام وتمكين السلطة في قطاع غزة، كما يتساءل المراقبين هل اعتمدت رؤية حماس على الأسس الموضوعية والعقلانية في عملية حسابات دقيقة لعملية التفاوض أم انها اعتمدت على تقديرات عاطفية في ظل وعود مصرية قوية تعهدت بها مصر فهمتها حركة حماس خطأ أو أنها فهمت هذه الوعود بشكل مبالغ فيه، إذ أن مصر هي في النهاية وسيط سياسي يحاول إقناع الأطراف المتفاوضة للوصول إلى تسوية مقبولة من جميع الأطراف، في نفس الوقت الذي غاب عن حركة حماس بعدم إمكانية تجاوز مصر للأطر الرسمية والشرعية الفلسطينية بما يمثل قيدا على تحركاتها ، كما انه بات واضحًا أن تحقيق التهدئة مع “إسرائيل” أصبح يمثل تحديا رئيسيا لحركة حماس كهدف سياسي في مواجهة خصومها السياسيين و لا زالت تطحن للوصول إلي هذا الهدف من خلال الرسائل السياسية للأطراف المفاوضة برغبتها وقدرتها في إتمام الاتفاق مستثمرة معطيات واقع استمرار مسيرات العودة وفعالياتها ، والتهديد بالتصعيد العسكري واستخدام جميع الوسائل المتاحة لها إذا لم يتم رفع الحصار وإنشاء الممر المائي من خلال اتفاق تهدئة يستثني السلطة والرئيس الفلسطيني .
لقد بالغت حركة حماس في حدود قدرتها في الوصول إلي اتفاق تهدئة، دون أن تقوم بعملية تقييم وقياس لمدى تقدم الجهود التفاوضية في جلسات التفاوض وعمل الحسابات الدقيقة لها، وإجراء التحليلات العميقة لكل خطوة، وفشلت في تقدير الموقفين المصري والإسرائيلي في الجولة الأخيرة لمفاوضات التهدئة لأمر يمكن إرجاعه لتقديرات خاطئة بها نتيجة ارتباكات داخلية، ولعل سيطرة فريق استعجل النتائج في الوصول لاتفاق تهدئة سريعة نكاية في أبو مازن في وقت لم تكن فيه “إسرائيل” مستعدة لدفع أي أثمان سياسية في ظل اتجاهات الرأي العام في “إسرائيل” نحو التشدد في التعامل مع قطاع غزة ، الذي يتوافق مع فكر وإرادة نتنياهو وهو أمر غاب تماما عن مفاوضي حماس ، كما أنه بات بدون لبس أن عملية جمع المعلومات والبيانات لحركة حماس التي يمكن من خلالها أن تتعرف وتستشرف مواقف الأطراف المختلفة وخاصة الطرف الإسرائيلي، عندما أسرفت في التفاؤل بناء على معطيات وهمية غير حقيقية اندفعت فيها نحو إصرارها لتوقيع اتفاقية للتهدئة في ظل اختلال في موازين القوى، وبادعاء عدم دفع ثمن سياسي كما ادعى مسؤولوها والناطقون باسمها، كان أمرًا غير منطقيًا ويفتقد إلى الحنكة السياسية والتقدير السليم للموقف التفاوضي نتج عن ضعف الخبرة ومحدودية الخيارات البديلة ، دون تقدير لنتائجها السياسية فلم تستطع أن تتعرف على نوايا ودوافع واتجاهات ومعتقدات الأطراف المختلفة جميعا ، وهو ما أكدته تصريحات متسرعة لقيادات حركة حماس بأن اتفاق التهدئة بات وشيكا ، ولا يحتاج سوى لإجراءات شكلية فقط لإبرامه وتنفيذه ، كما أنها استهانت بموقف وقدرات الرئيس أبو مازن والأوراق العديدة التي يملكها التي قد تجعل من أي اتفاق لحماس مع “إسرائيل” مجرد حبر على ورق، وأنه لا يمكن استثناء السلطة والمنظمة أو تجاوزهما لتوازنات إقليمية وشرعية دولية تعترف بهما ولا تتعامل رسميا مع غيرهما إلا من خلالها وموافقتها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com