حقوق الانسان والظاهرة الاستعمارية/ عميرة أيسر

إن النظرية الدروينة التي قامت عليها الحركة الاستعمارية الغربية هي في الأساس فكرة عنصرية، قائمة على أساس أن القوة هي الحق المطلق، ومن يمتلكها  يحق له السيطرة على غيره،  فهذا المصطلح هو المفتاح  لفهم عملية الاستعمار الحديث، العامل على تغيير الهوية الحضارية والثقافية وحتى الفكرية والايديولوجية، بل سعى إلى تغيير النسيج والتركيبة الاجتماعية للدول، بحيث عمل على خلق جيل جديد مشبع بثقافة الغرب وقيمه ليتم استخدامه كأداة مستقبلية تعمل على المحافظة على مصالح المحتل، مهما كانت ويعمل على خلق أنظمة ضعيفة مفككة إلى جانب تكوين زعماء سياسيين فاسدين، مستعدين لبيع أوطانهم مقابل عقد صفقات سياسية واقتصادية تصب في خدمتهم مادياً ومعنوياً.

ويتم كل هذا تحت سمع وبصر حماة الديمقراطية والداعين إلى احترام حقوق الانسان التي صادقت عليها جميع دول العالم بما فيها دول العالم الحر كما تسمى نفسها، ولكن المشاهد بأن كل القيم والمثل والنظريات الافلاطونية والكانطية التي بني على أساسها الميثاق العالمي لحقوق الانسان تتلاشى بل توظف سياسياً  لخدمة الدول المستعمرة التي صاغتها و التي تحيمها عن طريق نظم وقوانين صارمة. فسياسة الكيل بمكيالين على جميع شعوبنا ودولنا التفطن لها، إن أردنا بناء أوطاننا وتحصينها ضدَّ ظاهرة الاستعمار الحديث المعولم، بمختلف أشكاله وآلياته وأساليبه، حتى نستطيع مكافحة هذا الداء الذي فتك بأمم وأبادها  كالأمة الهندية في  قارة أمريكا اللاتينية، حيث حل سكان  دول استعمارية أوروبية معروفة مكان سكان البلد الأصليين، واستطاعت  هذه الدول بناء مجتمعات حديثة قائمة على أنقاض الغير وتاريخهم العريق، فهل نسمح لأنفسنا  يا ترى بأن نكون جزء من الماضي في عالم استعماري بامتياز؟، يستعبد الضعفاء ويستغلهم ويقوم باحتلالهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وتسخير مقدرات شعوبهم لخدمة تطوره ونموه ورقيه.

فحقوق الانسان عند الغرب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمفاهيم التوسعية والاستعمارية لأنه دائما يستعملها كذرائع لاحتلال البلدان أو ابتزازها كما فعل مؤخراً مع عدة دول عربية. فالتقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكيىة يصنف مستوى تقدم حقوق الانسان في دول العالم الثالث، ويربطها ارتباطاً عضوياً بمدى قبول هذه الدول للهينة الاستعمارية الأمريكية، فكل الدول التي تفتح أسوقها للشركات والمنتوجات الغربية وعلى رأسها الامريكية، وتقبل بعقد اتفاقيات حماية عسكرية وأمنية معها، تعتبر حسب وجهة النظر الأمريكية دولاً صديقة وحليفة وتحتل مراتب متقدمة في تقييمها السنوي لوضع حقوق الانسان داخلها، وإذا لم تكن متَّسقة مع النظرة والمصالح السِّياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية، تعتبر دولاً لا تحترم معايير حقوق الانسان العالمية، ويجب معاقبتها بكافة الوسائل حتى تقبل بالشروط الاستعمارية الغربية، وتتخلى عن سيادتها القطرية والقومية وتصبح مجرد دولة تابعة لا قيمة لها في المجتمع الدولي، إلا بمقدار الخدمات التي تقدما للدول الاستعمارية الغربية الكبرى، وفي مقدمتها طبعا الولايات المتحدة الامريكية.

-كاتب جزائري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com