عمران خان ومستقبل باكستان/ د. كاظم ناصر

تولى عمران خان زعيم” حركة الإنصاف الباكستانية ” ونجم الكريكت السابق رئاسة وزراء باكستان منذ 18 – 8 – 2018، وقام فور تولّيه منصبه بعمل غير مسبوق … في دول العالم الإسلامي … ودخيل على حياة بذخ قادتها، فأعلن أنه سيواصل العيش في منزله الصغير المتواضع المؤلّف من ثلاثة غرف نوم بدلا من الإقامة في القصر الرئاسي الفخم، وسيبيع أسطول مكتب رئاسة الوزراء من السيارات المضادّة للرصاص، وسيحتفظ بخادمتين فقط من إجمالي 524 خادما وخادمة كانوا يخدمون نواز شريف رئيس الوزراء السابق القابع في السجن بتهم الفساد وسوء استخدام السلطة!

باكستان تعاني من مشاكل اقتصاديّة مزمنة من أهمها التضخم، والارتفاع المستمر في مديونيّة الدولة، وتراجع سعر العملة، والعجز في ميزان المعاملات التجارية الذي وصل إلى 18 مليار دولار، وتفشّي البطالة، والفساد، وتهالك البنية التحتيّة، وأزمة مستمرة في توفير الطاقة الكهربائية، وخلافات مع الهند حول كشمير، والإرهاب الداخلي، والوضع غير المستقر في أفغانستان؛ ولهذا فإن مهمة عمران خان ستكون صعبة. لكن الرجل تعهّد بالعمل على إخراج البلاد من هذا الوضع.

فعلى الصعيد الداخلي قال خان بأنه سيدعم القيم الإسلامية، ويحمي استقلال القضاء ويعزّز دوره في حماية العدالة وتطبيقها على الجميع، ويحارب التطرف والإرهاب، ويعمل على ” استعادة ثروات البلاد المنهوبة ” ويحاسب المسؤولين الفاسدين الذين نهبوها. وأعلن عزمه على التخلي عن سياسة القروض والديون والاعتماد على الغير، وتطوير الصناعة والزراعة لإنعاش الاقتصاد الوطني، وخلق دولة العدالة والرفاه، وأعلنت حكومته عن زيادات في الضرائب لأصحاب الدخل المتوسط والمرتفع، ورفعت الرسوم على واردات السلع الفاخرة بهدف جمع إيرادات إضافية تساعد في التعامل مع الأزمة الاقتصادية

وعن السياسة التي ستتبعها حكومته مع دول العالم، وخاصّة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي توتّرت بسبب اتهامات أمريكا لها بأنها لا تقوم بواجبها بمحاربة الإرهاب وتنظيم طالبان، قال خان إن تلك العلاقات ستكون بناء على المصالح المشتركة، وأضاف إن على الولايات المتحدة أن تجعل من باكستان ” صديقا لا عميلا ” لأنها بحاجة لشريك للخروج من أزمتها في أفغانستان.

ووعد بأنه سيجري محادثات مع الهند للتوصّل إلى حل للنزاع المزمن حول اقليم كشمير الذي ما زال قائما منذ انفصال باكستان عن الهند وإعلانها دولة مستقلة عام 1947، ويعتبر أهم سبب للخلافات وعدم الثقة بين الجارين النوويين اللذان خاضا بسببه ثلاثة حروب كلفت بلديهما خسائر مادية وبشرية جسيمة.

أما على صعيد التعاون مع إيران والسعودية ودول الخليج، فمن المتوقع أنه سيحاول اعتماد نهج سياسي متوازن في إقامة علاقات جيدة مع الجميع؛ لقد قام بزيارة السعودية والإمارات العربية المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية؛ وسيزور إيران قريبا.

السعوديّة لا تشعر بالارتياح لخسارة حزب حليفها نواز شريف وفوز عمران خان في الانتخابات ووصوله إلى سدة الحكم في باكستان؛ إن ما يثير قلقها هو … أن خان السني المثقف الذي يحظى بتعاطف وتأييد شيعة بلاده … يريد تطوير علاقات بلاده السياسية والاقتصادية مع إيران والشروع في بناء خط إيران – باكستان للغاز؛ وإنه يعارض حربها في اليمن ومشاركة قوات باكستانية في تلك الحرب، وقد يسحب بلاده من التحالف الإسلامي الذي شكله ولي العهد السعودي وضمّ 41 دولة عام 2015؛

 باكستان تأمل أن تقدم لها المملكة العربية السعودية 4 مليارات دولار لمساعدتها في التغلب على خلل في ميزان المدفوعات تعاني منه حاليا! والسعودية في وضع سياسي صعب وليس من مصلحتها خسارة باكستان كحليف؛ ولهذا فإنها ستحاول كسب ودّ خان والمحافظة على علاقات جيدة مع إدارته بتقديم مساعدات اقتصادية سخيّة لبلاده.

هناك إمكانية أن ينجح عمران خان في قيادة بلاده نحو مستقبل أفضل؛ باكستان هي ثاني أكبر دولة إسلامية بعدد السكان بعد اندونيسيا، ودولة نووية تملك الكثير من المصادر الطبيعيّة التي يمكن أن تساعدها في التغلب على أزماتها الحالية، وتعزّز دورها في دعم تقارب إسلامي يضم ايران وتركيا ويلعب دورا مهما في مساعدة دول منطقة الشرق الأوسط، ودعم الحق الفلسطيني، وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي بين دول العالم الإسلامي.

– كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com