حروب طائشة …. وطفولة بائسة ….  !!!!! أسامة مسلم

مع تصاعد وتيرة الحروب بات الأطفال هم الهدف والضحية في الحروب البشعة , فبحقهم ترتكب أبشع المجازر الظالمة , فان لم يصابوا بمكروه جسدي تصيبهم التداعيات النفسية فتؤثر على نفسيتهم ومستقبلهم وحياتهم على المدى الطويل فتلك الاثار كفيلة بتشوية معني العالم من حول الطفل وافتقاده  للحاجة الاساسية لنموه جسميا ونفسيا وهي الشعور بالأمن والامان , وَمِمَّا لاشك فيه أن معاناة الطفل ستكون مستمرة خاصة في ظل افتقاد أسرة تعجز عن معالجة أزمة الطفل المركبة وفي ظل غياب الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والصحية والعلاجية المنظمة التي من المفترض أن تتكفل بمعالجة الأطفال المتضررين من الحروب.

وتري ياسمين عليان  “دكتورة علم النفس التربوي ” أن الأثر النفسي الذي تتركه الحروب على الأطفال تختلف من طفل لآخر تبعا للفروق الفردية في درجة الاستعداد للصدمة وتعتمد على عمر الطفل، فالأطفال الذين تتردد في أذانهم أصوات القصف والضرب ويلمحون الأحداث عبر التلفاز أو على أرض الواقع من دمار للمنازل وإصابات وجثث مرمية ومتقطعة وعمليات إنقاذ الناس من تحت الردم، كل ذلك يحدث انهاكا روحيا ودمار نفسيا وانفعاليا شديد، وتوقع الطفل بمتاهات الصدمات النفسية والاكتئاب الشديد والفوبيا المزمنة ويكون عرضة للاضطرابات السلوكية كالتبول اللاإرادي وقضم الأظافر و العنف واضطرابات النوم كالكوابيس والأحلام المزعجة واضطرابات الأكل والشعور بالغثيان واضطرابات التعلم كالشرود الذهني والتيهان الفكري وانخفاض التحصيل الدراسي .

وتنوه عليان أن معاناة الأسرة أثناء الحرب خصوصا عند فقدانها لشخص عزيز من بكاء وصراخ إلى جانب دمار المنزل أو المدرسة وترافق ذلك مع شعورها بالخوف المؤدي لهروبها من المنزل بحثا عن ملجأ آمن ، وكل ذلك كوارث لكنها تصبح فواجع إن كان معها فقدان الطفل لجزء من جسده وتعرضه للتشوه والإعاقة هو أو أحد أفراد الأسرة مما يترك آثاره في ذهن الطفل حتى بعد انتهاء الحرب, والتي تتحول إلى تخيلات تلاحق الطفل في منامه على شكل كوابيس او تلاحقه في استيقاظه يعبر عنها الطفل بالصراخ والرعب إلى جانب الاضطرابات السلوكية كالخوف من المجهول وعدم الأمان والانعزال والعدوان, وندعو سايكولوجيا ذلك بمسمى “أعراض ما بعد الصدمة” التي قد تتحول إلى أعراض سيكوسوماتية يعبر عنها بالهستيريا التحولية كالإغماء والشلل  والغثيان  واضطراب الكلام والذاكرة وغيرها أو على شكل هلاوس سمعية أو بصرية أو حتى تذوقية أو لمسية .

وتؤكد عليان على أهمية دور الرقابة الأسرية في منع الأطفال من مشاهدة مناظر العنف على التلفاز أو حتى الاستماع إليها واستبدالها ببرامج التعلم والترفيه، وضرورة مشاركتهم الألعاب كالرسم والتمثيل والتلوين أو سرد القصص أثناء الحرب وبعدها، وضرورة اهتمام وزارة التربية والتعليم مع المنظمات الدولية والأخصائيين النفسيين في وجوب عمل برامج ترفيهية تتضمن التفريغ الانفعالي للكبت الناتج عن الحرب ومشاركة المعلمين والأهالي من خلال برامج أو أنشطة تواصلية وعلاجية للتعامل مع تلك الأزمات إثنائها وبعدها.

ويري ميثاق بيات الضيفي ” أستاذ العلاقات الدولية” إن الأطفال هم الضحية الرئيسة للنزاعات المسلحة فأن لم يتم انتزاع أرواحهم وحياتهم فيها فسيتعرضون للجنوح مع التفكير الشاذ، والهموم والقلق والاكتئاب والمشاكل السلوكية، والمشاكل الاجتماعية ومشاكل في الانتباه والتركيز والتشرد والعنف والمشاكل الصحية العقلية المرتبطة بالانسحاب من الحياة العامة والقلق والمشاكل الاجتماعية والصدمات. وعلى الرغم من أن القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان يضمنان حماية خاصة للأطفال ، إلا إن الكثيرين من الأطفال لا يزال يشاركون في النزاعات المسلحة حيث تنتهك حقوقهم وحياتهم، وهنا ليس إمامنا إلا إن نناشد الحكومات والوكالات الدولية والمجتمع المدني للمضي قدما على وجه السرعة في الجهود الرامية إلى حماية جميع الاطفال المتضررين من الحروب .

ويؤكد الضيفي أن الحروب تنتهك حقوق الأطفال في الحق بالحياة ,والحق في وحدة الأسرة والحق في الصحة والتعليم والحق في الحماية من العنف وسوء المعاملة والحق في تلقي المساعدات الإنسانية, إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من  مليار طفل أي ما يقرب من سدس سكان العالم يعانون من العواقب المباشرة للصراعات والآثار الطويلة الأجل على نموهم ورفاهيته, ومع  الطبيعة المتغيرة للصراعات المسلحة , فإن تأثير الحرب على الأطفال أكثر وحشية من أي وقت مضى فالطفولة تتأثر بانتشار الأسلحة الصغيرة والجماعات المسلحة والألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة ، فضلا عن الإرهاب وتجنيدهم كمقاتلين كما أنهم عادة ما يكونوا هم الهدف في الهجمات ضد المدارس والمستشفيات وضحايا التفجيرات أو الاعتقالات غير القانونية كما يواجه الأطفال العنف الجنسي بما في ذلك الاغتصاب وكثيراً ما يتم استخدمهم كأسلحة حرب, كما أن الأطفال الذين يعيشون في بلدان متنازعة من المحتمل أن يغادروا المدرسة ويعيشوا مهددين بالفقر وسوء التغذية ونزوح السكان والأمراض.

ويضيف الضيفي على وجوب أخذ القضايا التي تؤثر على الأطفال بشكل متزايد في الاعتبار في مفاوضات السلام والاتفاقات فضلا عن بعثات السلام ولقد تم إحراز بعضا من التقدم البسيط في تحسين الحماية القانونية الدولية للأطفال في النزاعات المسلحة، ونرى وجوب تحقيق تحسننا نوعيا وفعليا وتطبيقيا في ظروف الأطفال إثناء النزاعات العسكرية ومحاولة معالجة الذين فقدوا طفولتهم في الحرب كي لا يفقدوا مستقبلهم, ولذا نوصي بأن تفي جميع الدول بمسؤولياتها لحماية المواطنين الأصغر سنًا من خلال تعظيم جهودها في تطوير التشريعات والسياسات والإجراءات الخاصة بالأطفال على مستوى العالم.

وينوه الضيفي  على انه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتنفيذ المعايير الدولية وضمان وضع حد للجرائم الخطيرة ضد الأطفال في أوقات الحروب, لأنه من المكن إن يؤدي الأطفال دورًا مهمًا في تصميم مستقبلهم وبناء السلام ويمكن تشجيع مشاركتهم في إعادة تعمير المجتمعات و المشاركة في برامج المعونة والإنعاش وإعادة الأعمار كجزء من عمليات الانتقال والمصالحة الوطنية.

وتري نيرمين البورنو ” دكتورة تكنولوجيا التعليم , ومشرف تربوي “ ان الاضرابات السلوكية هي نتيجة حتمية للأطفال الذين عايشوا الحروب والصراعات , فلقد سلبت الحروب الأطفال  حقوقهم الاساسية من تعليم وايواء , تلك الازمة جعلت الطفل يعيش جو التوتر والاحباط والياس والتمرد والعنف مما يجعله في حالة من الانهيار العلمي نتيجة حالة الرعب التي تهيمن على بيئته المحيطة , فأفقدته  اهتمامه بالتعلم واستمتاعه ببيئة تعليمية امنه وربما يرفض الذهاب الي المدرسة بسبب الخوف والقلق من الطيران والقصف  واطلاق النيران .

وتؤكد البورنو ان الحروب والانتهاكات  التي يشهدها الطفل في الحروب تنعكس على سلوكه ومشاعره , ولعل العامل الأهم والخطير هو افتقاد الطفل لأسرة قادرة على معالجة اضطراباته النفسية ومشاعر الخوف والقلق مما يجعل الامر اكثر تعقيدا , وان سبب عجز الاسرة يرجع الى  عدم مقدرتها على التعامل مع الموقف وليس عدم رغبتها , بسبب الخسائر التي تتعرض اليها الاسرة يجعلها غير واعية باحتياج الطفل ,  لذلك يجب العمل على وجود جهات معنية لاحتواء معاناه الطفل لتكون اكثر فاعلية واحتواء.

وتضيف البورنو ان المسؤولية  تقع على الاهل فيجب ان يكون حريصين في ممارسة الرقابة على الطفل على ما يطلع من نشرات الاخبار لأنها تجعل الطفل في حاله قلق وخوف  , والرقابة على الافلام والعاب الانترنت التي تدعو الى العنف والتمرد , بشكل عام، وإن تأثر الأطفال بهذه المشاهد التي تعرض على التلفاز، ترتبط بمدى قرب المنطقة التي تتعرض للصراع والحروب فيتأثر الأطفال دون سن الثامنة بالمشاهد التي تحتوي على شخصيات بشعة المظهر وقبيحة، في حين من هم أكبر، يتأثرون بالمشاهد الواقعية والحقيقية. كما تختلف ردة الفعل اعتمادا على الجنس، حيث تشعر الفتيات بخوف أكبر من الأولاد وقد تنعكس بتعابير الوجه. وان أخطر آثار الحروب على الأطفال ليس ما يظهر منهم وقت الحرب، بل ما يظهر لاحقًا في جيل كامل ممن نجوا من الحرب وقد حملوا معهم مشكلات نفسية لا حصر لها تتوقف خطورتها على قدرة الأهل على مساعدة أطفالهم في تجاوز مشاهد الحرب. والمسؤولية ايضا تقع على الجهات الداعمة  والمتخصصة والتي تشتمل على معالجين نفسيين واجتماعيين وضرورة العمل على هيكلية لتنشئه الطفل وجدانيا ومعرفيا.

وتنوه البورنو ان الطفل بحاجة لممارسة هوايات والعاب وانشطة لتحويل التوتر والقلق والخوف من مشاعر مرضية الي سلوكيات منطوقة يمكن ضبطها والتحكم بها , وان الطفل بحاجة الى مشاركة اطفال عاشوا تجربه الحروب واثبتوا انهم اكثر تماسكا امام ظروف الحروب وذلك لان الطفل يميل الى التقليد ولعله يجد في ردود افعالهم ما هو انسب لمواجهة والتغلب على مواقف نكبات الحرب.

وتذكر البورنو  ان بعض من  وسائل التواصل الاجتماعي هدفها في الكثير من الاحيان , حصد أكبر عدد ممكن من التعليقات والإعجابات وتحويل الكارثة  إلى مادة للنقاش وتبادل الاتهامات والتشكيك بحقيقة الصورة، كأن المطلوب من الطفل أن يبرز شهادة وفاته أو إفادة من الطبيب الشرعي كي يصدق الناس أنه يتألم وينازع , بينما يجلسون خلف شاشات أجهزتهم الذكية، يحللون ويتناقشون، ثم بعد فترة، تنخفض حرارة النقاش، وتختفي صورة الطفل من كل مكان، في انتظار مادة جديدة !!!!!!!!!!

وأكد  الخبراء  الثلاثة على ان الزمن لا يشفي من الصدمات التي تعرض اليها الطفل جراء الحروب والصراعات بل ينبغي مساعدة الطفل على التعبير عن معاناته ومواجهة الذكريات السيئة من خلال الدعم من قبل الاشخاص المختصين لتقديم العلاج للطفل بهدف متابعه حياته بشكل طبيعي ,فيجب التكاتف من قبل الجهات المختصة والعمل على ايجاد اليه واقعية تعمل على حل تلك المشكلة المتفاقمة التي يتعرض اليها الطفل جراء الحروب والصراعات التي تهدد جيلا كاملا من الاطفال وتصيبهم بجروح جسدية ونفسية قد تؤثر فيهم مدى الحياة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com