حول ديوان ” صرخة الأقصى ” للشاعر الفلسطيني صادق صبيحات

بقلم: شاكر فريد حسن

هذه هو الديوان الثاني للشاعر الفلسطيني الأستاذ صادق صبيحات. وكان قد صدر له ديوانه الشعري الأول ” الأخوين الشهيدين ” العام ٢٠١٤.

وللمعلومية فإن الأستاذ صادق صبيحات ( أبو باسم ) يقطن بلدة رمانة بمحافظة جنين، وهو من مواليد العام ١٩٣١، حاصل على شهادة امتحان المعلمين الأدبي العام ١٩٥٧، وجرى تعيينه مدرسًا من قبل وزارة التربية والتعليم الأردنية، وفي سنة ١٩٦٢ عاد إلى بلده ليبدأ مسيرته التعليمية معلمًا في منطقة سكناه حتى إحالته للتقاعد في العام ١٩٨٨.

جاء ديوان ” صرخة الأقصى ” في ٦١ صفحة من الحجم المتوسط، وضم بين ثناياه ٥٣ قصيدة، وقسمه إلى قسمين، الأول كرسه وخصصه للقدس والأقصى، والثاني تحت عنوان ” منوعات شعرية ” يتناول موضوعات متعددة ومناسبات مختلفة.

وهو يهدي ديوانه إلى : “فلسطين وأرضها المباركة، وإلى كل فلسطيني مظلوم ومرابط في فلسطين الإباء، وإلى جميع الشهداء الذين حملوا رايات النصر، وإلى زوجته الوفية الصابرة ابنة الشهيد سليم محمود الكيلاني، ووالدة الشهيدين باسم وحسين صبيحات، وإلى أبنائه الأحبة وبناته المؤنسات الغاليات، وإلى حفيداته وأحفاده وأصهاره الأفاضل وعيالهم، وإلى جميع الأهل والأصدقاء في الوطن والشتات “.

قدم للديوان د. فيصل غوادرة، فأشار إلى أن صبيحات وضع في ديوانه ” ذوب روحه ومشاعره، ناسجًا من أبياته الشعرية عما يجول في عقل وقلب كل فلسطيني”.

أما الشاعر صادق صبيحات فيوضح وينوه في استهلال الديوان أنه يكتب وينظم الأشعار والقصائد من أجل القدس والأقصى، ولأجل الشهداء والجرحى والأسرى.

قصائد ديوان ” صرخة الأقصى ” هي هتافات وتسابيح وصلوات وأناشيد في حب القدس والأقصى، وحب الأرض والوطن وكل حبة تراب فلسطيني، وترانيم عشق لشهداء فلسطين الذي ضحوا بالغالي والنفيس، وجادوا بأرواحهم، دفاعًا عن حرية شعبهم واستقلال وطنهم.

في قصيدته ” صرخة الأقصى ” التي حملت عنوان الديوان، تعكس وتعبر عن اختلاجات قلبه وصدره وأحاسيسه الصادقة ومشاعر الفلسطينيين والمسلمين والعرب كافة، وتمثل صرخة لانقاذ القدس والأقصى من عربدات الغاصبين المحتلين، فيقول:

هل سمعتم صرخة الأقصى الحزين

           أو رأيتم عربدات الغاصبين

هل رأيتم نسوة تحمي الحمى

       يا ( لخولة ) تقهر المتعربدين

هل رأيتم صخرة محفوفة

            بالشيوخ مهللين مكبرين

أين أتباع النبي ( محمد )

     أين من نسميهم بالمسلمين

إن أقصانا ينادي صارخًا

     أين من لبى نداء الصارخين

إن قومي كلهم في غفلة

     هم جميعًا في عداد الميتين

يا ( غثاء السيل ) كنتم أمة

تستحق العيش ( عصر الخالدين )

سطر التاريخ سفر خلودهم

     أين أنتم منهمو يا مسلمين

سوف تبكون ( فلسطين ) كم

  قد بكيتم ( أندلس ) الفاتحين

ويعلن صبيحات على رؤوس الأشهاد بصوت مرتفع عال، وبكل ثقة :

لأجل القدس نبقى في جهاد

           ولو طالت بمنحنا الدهور

فلا ظلم يدوم ولا ظلام

         على الباغين شرهموا يدور

غراس النصر تروى من دماء

         يجود بريها البطل الجسور

هكذا هم الفلسطينيون يحملون وجه القدس والأقصى، ويرسمون العودة من الرحيل والغربة، فالإنسان الفلسطيني يتحدى النفى والحصار والجوع والعطش والموت، ولأنه العاشق الحقيقي يتحدى ويقاوم ويستشهد حبًا في فلسطين والقدس والأقصى، وكما يقول لا تحرير دون مهر الدم والشهادة، وأنه لا بد أن يبزغ فجر الحرية بعد ظلام:

فنحن جميعنا كل فداها

           ونقهر غاصبًا بالتضحيات

فلا تأسي فإن النصر آتٍ

            بعون الله حتمًا جد آت

فلا ظلم يدوم ولا ظلام

      سيأتي الفجر بعد الحالكات

أما قصائد القسم الثاني من الديوان فهي مناسباتية واجتماعية، فهو يكتب عن المعلم وعطائه، ويخاطب المعلمين والأساتذة الكرام والمعلمات المبدعات، ويحاكي حفيداته وأحفاده في المدرسة، وصديقه الذي أصيب بشل نصفي أفقده القدرة على الحركة، ويرحب بوزير الحكم المحلي د. نايف أبو خلف لقرية رمانة، ويحيي رئيس مجلس الجلمة عندما نال شرف التكريم منه، وكذلك يعبر عن تقديره لابنه محمد الذي رافقه وأعانه على أداء مناسك الحج وقد نال منه الرضا والأجر.

وينهي ديوانه بقصيدة ” خريف العمر ” التي تتحدث وتصف حاله وقد بلغ من العمر عتيًا، وبات في خريف الحياة:

إذ بلغ الخريف سنيَّ عمري

          غدا جسمي كعرجون قديم

ووهن العظم داهمني فإني

                 ألوذ بظل رحمن رحيم

بهذا العمر يصعب كل عيش

        فمن ذا بات في جسم سليم؟

( وذاكرتي إذا ما أسعفتني )

        فذاك الفضل من رب كريم

فأرجو العون من رب قدير

    يعين العبد ذا الجسم السقيم

من نافلة القول أن قصائد القسم الأول في الديوان هي وطنية بامتياز، فيها وجع وألم وأسى وغضب وقلق وخوف من القادم، تعكس روح شاعرنا الفلسطينية الكنعانية والقومية والعروبية والإسلامية، وتطفح بصدق المشاعر والمعاني الشفافة والوصف التعبيري البديع، ونستشف  فيها روح شعرائنا الفلسطينيين عبد الكريم الكرمي ومطلق عبد الخالق وعبد الرحيم محمود.

وهي تنم عن شاعرية مرهفة وإحساس عفوي وشفافية واضحة، وتعتمد الوزن الشعري والإيقاع الموسيفي الداخلي والخارجي، وتحفل بالمحسنات البلاغية كالجناس والطباق والسجع والتورية، وتستمد موضوعاتها من الوجع الفلسطيني، وتجسد الهم الفلسطيني، وتصور الواقع الفلسطيني اليومي المعيش، وتتأثر بما يدور هنا وهناك، وما يجمعها الصدق والأصالة والوضوح، والصور الشعرية فيها متجانسة ومتكاملة مع التجربة، بعيدة عن الانغلاق في المعنى.

وهي نصوص تحتشد بالتفاصيل التي تصنع النسيج الشعري من اللغة البسيطة الرشيقة المنسابة، وتلتقي جميعها في عشق عارم مستفيض للقدس والأقصى والوطن والأرض الفلسطينية والأحبة وبكل ما يؤمن به، مسلحة بالحلم والتفاؤل والثقة بالانتصار على الظلم والقهر الاحتلالي والخلاص والانعتاق من براثن المحتلين في نهاية المطاف.

لقد قدم الشاعر الأستاذ صادق صبيحات إشراقات وهتافات وإحساسات روحه المتوهجة بالحب والإيمان والاستشراف، وما ينتابها من ألم داخلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com