هل سيؤدّي انتصار غزّة  إلى إنهاء الانقسام؟ د. كاظم ناصر

كل الإجلال والإكبار لشهدائنا وجرحانا الذين سقوا ثرى وطننا بدمائهم الزكيّة، ولشباب وشابات حماس والجهاد وفتح والجبهة الشعبية وكل أبناء فلسطين المقاتلين الذين يحملون السلاح ويتصدّون للاحتلال، ويثبتون للغاصبين وللعالم ان الحق لا يموت، ويقولون للصهاينة بصوت عال لا يمكنكم الانتصار وكسر إرادة هذا الشعب العظيم الذي استمر في مقاومة المؤامرات الدولية والاحتلال منذ 100 سنة.

المقاومون في غزة العزّة والكرامة حقّقوا انتصارا عسكريا ومعنويا هاما أدّى إلى انهيار المفهوم الإسرائيلي بأن الدولة الصهيونية لا تقهر، وتتدخل وتضرب وتقتل عندما وكيفما تشاء دون محاسبة وخسائر تذكر؛ وكشف هشاشة الدولة الغاصبة وفشل ” قبتها الحديدية ” في حماية المستوطنات، وأثار موجة من الرعب في صفوف المستوطنين، ودفع وزير الأمن العنصري أفيغدور ليبرمان إلى الاستقالة.

استقالة ليبرمان تعبّر عن اختلاف في الرؤية في التعامل مع غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام، وتوضّح أن الصراع بين المتطرفين الصهاينة المشاركين في حكومة نتنياهو الرافضين لحل الدولتين هو في المفهوم الاستراتيجي المتعلق بما تريده إسرائيل. ليبرمان قال إنه على خلاف حاد مع بنيامين نتنياهو، وإنه استقال من منصبه لأنه يرفض التهدئة ووقف إطلاق النار في غزة.

 لكن نتنياهو دافع عن قراره بقبول التهدئة ووقف إطلاق النار وعدم كشف الأسباب إلتي دفعته الى اتخاذ هذا القرار للرأي العام الإسرائيلي بقوله ” في أوقات الطوارئ عند اتخاذ القرارات الحاسمة للأمن، لا يمكن للجمهور أن يكون دائما مطّلعا على الاعتبارات التي يجب إخفائها عن العدو.” وأضاف قائلا ” إنني أسمع أصوات سكان الجنوب، صدقوني ..إنهم أعزاء على قلبي، ولكني أرى الصورة العامة التي تتعلق بأمن إسرائيل مع رؤساء الأجهزة الأمنية، وما خفي أعظم.”

عداء نتنياهو وليبرمان الشديد للفلسطينيين ورفضهما لحل الدولتين يعرفه الفلسطينيون والعالم؛ لكن نتنياهو أكثر خبثا وقدرة على الخداع والمناورة من ليبرمان؛ ولهذا يمكن القول ان نتنياهوا يملك استراتيجية مختلفة في التعامل مع غزة وطريقة حل الصراع العربي الإسرائيلي عن تلك التي يريدها ليبرمان، وإن هناك أسرارا هامة لا يريد كشفها!

 ليبرمان يريد ضرب غزة وإعادة احتلالها ويرفض أي حلّ سلمي، بينما يدفع نتنياهو في اتجاه خلط الأوراق وتسوية القضية خارج سياقها الفلسطيني وحلّها من خلال سياقها الإقليمي؛ أي إن نتنياهو يعمل وينسّق مع الولايات المتحدة ومعظم الدول العربية لتهميش دور الفلسطينيين وتجاهل مطالبهم وفرض حل إقليمي يؤدي إلى تصفية قضيّتهم عن طريق استمرار التطبيع مع الدول العربية، وترسيخ الانقسام الفلسطيني الداخلي وفصل غزة عن الضفة الغربية، واستغلال كذبة ” التهديد الإيراني ” لدول المنطقة.

بطولات وانتصارات أهلنا في غزة تثبت أن شعبنا لا يقهر، وإنّه قادر على إفشال هذه المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية العربية الكبرى التي تحاك ضدّه بوحدته وتضحياته ومقاومته وتمسّكه بأرضه؛ ولهذا نأمل أن يكون انتصار غزة الأخير درسا لنا جميعا يقود إلى وحدة شطري الوطن، وإلى المزيد من الانتصارات والإنجازات التي ستؤدي إلى إنهاء الاحتلال.

المصلحة الفلسطينية العليا تفرض على قادة الفصائل أن يتجاوزوا خلافاتهم، وأن ينهوا الانقسام البغيض ويوحدوا صفوفهم وسلاحهم في التصدي لدولة الاحتلال؛ وإن لم يفعلوا ذلك فإنهم سوف يلحقون ضررا بالغا بمستقبل شعبهم وقضيته العادلة، وسيندمون على ذلك ندما شديدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com