قصة قصيرة.. عندما يهزم الفقر أنثي.. بقلم: ميرال أحمد

عندما ننصرف إلي حياتنا, تكبر الأنانية بداخلنا وتغيب عنا الإنسانية , يصبح أي شيء قابل للتبرير, وكل شيء يمكن أن يكون مجرد لحظة عابرة لا تشغلنا ولا تحرك فينا ساكنا. عندها نكون قد وصلنا إلي مرحلة اللا إنسانية, وتستوي  لدينا الأشياء فلا نفرق بين الحق والباطل, ولا بين إغاثة الملهوف ولا المحتاج

فلا الحزن يرعبنا ولا الفقر يخيفنا, ولا الجوع يردعنا, نجري وراء أهدافنا الزائلة, دون وقفة تأمل, يأخذنا وهيج الدنيا بعيدًا عن إنسانيتنا, وينسينا صوت الأنانية صرخات الألم المنبعثة من حناجر الفقراء, ونشعر بالانزعاج عندما يعترضنا طفل يبحث عندنا عن لقمة تسد رمقه, نتجاهل دموع الأمهات, وأنين الجوع, ثم نترك كل شيء ونغادر.

رندا شابة  في مقتبل العمر تعاند الزمن وتحفر في الصخر من أجل حياة كريمة, لكن إنسانيتها  تسبقها إلي كل مواقفها المشرفة في الحياة , لا تترك شيئا يمر دون أن يكون لها موقفا تتجسد فيه روح المحبة والوفاء للإنسانية.

كانت تمشي  من بيتها كل الطريق الذي يوصلها إلي مدرستها حيث تعمل مربية, لكن رندا اختارت أن تمشي لتوفر أجرة الحافلة وتتبرع بها إلي مجد الطفل صاحب إل العشر سنوات, جاء إليها متوسلًا , وقفت واستمعت إلي قصته وسالت دموعها علي وجنتيها, لكنها  لم تفشله, قررت أن تذهب سيرًا علي الإقدام, أن تختصر وجباتها علي النصف, وتتبرع بمبلغ متواضع إلي مجد.

مجد ترك المدرسة فليس بإمكانه أن يلبي المتطلبات البسيطة المطلوبة منه برغم أن رندا كانت تسانده أيضا بمستلزمات المدرسة, زادت الضغوطات عليه, أصبح يفتش في القمامة, ويأخذ منها ما يمكن أن يؤكل ويعود عند المساء منهكا إلي بيته, يلقي بنفسه في أحد أركان غرفة الأسرة وينام.

في الصباح يصحوا وعليه علامات الإعياء  واضحة. يلملم نفسه بصعوبة بالغة ويخرج للتسول, بين من يساعد بمبلغ رمزي وبين من برفض وبين من ينهرهه.

أقلته سيارة الشرطة الي المدرسة مرة ثانية, لكن أصبحت أسرته بلا طعام تماما, لم يحتمل قوة الجوع, فترك المدرسة وذهب يفتش في أكوام القمامة وبتسول من هنا وهناك.

وقف ينتظر رندا علي حافة الطريق .

نظرت إليه وغمرتها الدموع فمجد أصبح نحيلا وشاحبا, أعطته ما كانت تجلبه معها له من مساعدة, لكنها اتصلت بصديقاتها وطلبت منهن المساعدة فوعدن خيرا,

وعاب مجد فجأة , فلم تعد تراه , ذهبت الي بيته تحمل معها بعض الأشياء, وتفاجئت عندما أبلغتها والدته أن مجد  قد أصيب بحادث سير, بينما كان يرتاح بجانب الرصيف صدمته سيارة وهو نائم , فأصيب بشلل نصفي , ولم يعد يقوي علي السير, أسرعت رندا الي المستشفي تزوره هناك أغمي عليها عندما رأته في وضع صحي ميئوس منه.

تركت المستشفي ووضعها النفسي سيء للغاية, لكنها لم تتوقف حاولت قدر المستطاع أن تساعد.

فكرت في الأمر كثيرا, واتصلت بأحدي جمعيات الإغاثة, وفي نهاية النقاش أبلغتها الجمعية أن هذه الأسرة لم تستوف شروط المساعدة , فانفجرت غاضبة في منسقة الجمعية قائلة لها, عن أي شروط تتحدثين والناس علي حافة الهاوية لا يجدون من يعيلهم, ولا يجدون ما  يقينهم, اذهبوا انتم وجمعياتكم إلي الجحيم.

بعد أيام قليلة توفي مجد, وذهبت إلي المستشفي وقامت بعمل اللازم حتى أصبح دفنه ممكنا.

هزم الفقر رندا ولم تستطيع مساعدة مجد بالقدر الذي تتوفر له حياة كريمة. بكت حتى تورمت عيناها, لكنها عادت تمشي كل يوم وفي نهاية كل شهر كانت تذهب إلي أسرة مجد لتطمئن عليهم وتساعد بما هو ممكن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com