موقف كبار مشايخ السعودية من قتل جمال خاشقجي/ د. كاظم ناصر

توظيف الدين الإسلامي هو الأسلوب المفضّل في إدارة الأزمات في المملكة العربية السعودية؛ تجلى ذلك في العلاقة الوثيقة التي تربط النظام السياسي السعودي برجال الدين الذين أصدروا كل الفتاوى المسيّسة التي طلبتها منهم السلطة، وسخّروا الدين في خدمة الدولة وقادتها منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا.

 بذل المشايخ جهدهم، ووظّفوا معرفتهم ومراكزهم الدينيّة الهامّة في الدفاع عن سياسات السعودية الداخليّة والخارجيّة، وساهموا بأفكارهم وفتاويهم في إفشال محاولات توحيد الوطن العربي، وأيّدوا الحروب التي قتلت وجرحت ملايين الأبرياء في اليمن وسوريا والعراق وليبيا ولبنان، وصمتوا عن احتلال فلسطين وتهويد القدس والتطبيع مع الدولة الصهيونية، ولم يعترضوا على منع القطريين والإيرانيين والسوريين واليمنيين من أداء فريضة الحج، ولم يفعلوا شيئا لوقف ابتزاز أمريكا للمملكة ودول الخليج وغضّوا النظر عن مؤامراتها ضدّ الوطن العربي، وحاربوا التغيير والحداثة، وأثروا وبنوا قصورا وعاشوا حياة بذخ وترف مع ” خدمهم وحشمهم!”

 فلا غرابة إذا أن يتجلّى الآن توظيفهم لهذا الدين الحنيف في الأزمة التي فجّرتها جريمة قتل وتقطيع جسد الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول واستخدامهم لمنابر المسجد الحرام في مكة، ومسجد الرسول في المدينة لتضليل الرأي العام السعودي، ومحاولة خداع العالم فيما يتعلق بهذه الجريمة الوحشية.

فمنذ اعتراف السعودية بمقتل خاشقجي تتابعت فتاوى المشايخ الذين وظّفوا نفوذهم الديني في تبرير القتل وتبرئة النظام السعودي من دم الضحية. فقد أصدرت هيئة كبار العلماء بيانا عن الجريمة قالت فيه ” نحن في المملكة العربية السعودية خلف قيادتنا فيما اتخذته من قرارات معتصمين بالله تعالى ثم بوحدتنا الوطنية ” وأضافت الهيئة إن الحكومة ستقوم ” بمحاسبة أي متجاوز أو مقصر كائنا من كان، مهما كانت الظروف، وبغض النظر عن أي اعتبارات.”

وألقى الشيخ عبد الرحمن السديس خطبة من فوق منبر المسجد الحرام يؤيد فيها قرارات ولي العهد الحكيمة ويبرئه من دم خاشقجي قائلا ” مسيرة التجديد برعاية ولاة أمرها الميامين، وحرص واهتمام الشاب الطموح المحدث ولي عهد هذه البلاد المحروسة، ماضية في رؤيته التجديدية الصائبة، ونظرته التحديثية الثاقبة رغم التهديدات والضغوطات.”

وكتب عائض القرني مقالا بموقع ” المواطن ” بعنوان ” خيانة الوطن خيانة كبرى والتنكر بحقه رذالة ونذالة ” يستنكر فيه ما يتعرّض له قادة المملكة من مؤامرات، ويدعو فيه لهم بالتوفيق؛ وغرّد ” البكاء ” صالح المغامسي معبّرا عن ثقته في ولي العهد القائم على أمور الدولة وختم التغريدة بالقول ” سلّمك الله يا أبا سلمان.” ولزم محمد العريفي ومعظم كبار المشايخ الصمت عن الجريمة وكأن شيئا لم يكن.

الدولة السعودية اعترفت رسميّا بوجود تخطيط مسبق للجريمة، وبالقتل العمد، وبالتخدير، وبالمنشار، وبتقطيع جثة الضحيّة في قنصليتها في إسطنبول وتسليمها لمتعامل تركي، واتّهمت 21 شخصا بالاشتراك فيها، وطالبت بإعدام خمسة منهم في محاولة للتستر عليها وإطفاء نيرانها، وما زال المشايخ يحاولون الدفاع عن تسريبات واعترافات الدولة السعودية المتناقضة التي يرفضها العالم ويعتبرها محاولة مكشوفة لتبرئة محمد بن سلمان الذي تتّهمه تركيا ومعظم دول العالم بالمسؤولية عن هذه الجريمة البربرية.

عندما يكون معظم كبار رجال الدين من المنافقين الداعمين للظلم والطغيان كما هو الحال في السعودية وفي دول الوطن العربي، يستمر الاستبداد والاضطهاد، ويصبح مصير الأوطان والمواطنين في مهب الريح، ويسود الظلم والنفاق والكذب .. مؤقتا ..، لكن الحقيقة لا يمكن طمسها؛ ولهذا فان استشهاد جمال خاشقجي، وتقطيع جسده بطريقة مقززة يرفضها العالم، قد يكون بداية لاندلاع نار التغيير التي ستحرق الطغاة والمشايخ المنافقين، وتبشّر ببزوغ فجر جديد يعيد للمواطن العربي حقوقه وكرامته.

رحم الله الشهيد جمال وأسكنه فسيح جنانه، والعار كل العار لرجال الدين العرب في السعودية وغيرها من دول التسلط والهزائم العربية الذين يبيعون ضمائرهم بثمن بخس، ويخالفون إرادة الله بتحالفهم مع الحاكم الظالم الذي يستبد ويقتل ويعيث في الأرض فسادا!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com