السياسة الأمريكية في شخصية ترامب أصبحت بلا أصول أو تقاليد.. د.إبراهيم محمد المصري

  لم يعد صنع السياسة الخارجية الأمريكية في عهد “دونالد ترامب” يعتمد على مفاهيمها التقليدية التي عهدناها بل بدأت تأخذ منحى يعتمد فقط على انفراد هذا الرئيس بها بشكل كامل دون الأخذ في الاعتبار العمليات الإجرائية الاعتيادية المعمول بها عبر عقود من العمل السياسي، وتحسم عملية اتخاذ القرارات وذلك بالاعتماد على الوزارات التنفيذية المتخصصة والمعنية بصنع السياسة الخارجية وهي تمتاز بتأثيرها الكبير وذات تأثير مباشر في صياغة القرارات الخارجية .

    أنه لأمر غريب، ولم يعد الأمر كما كان، فقد أصبحت تتخذ القرارات الهامة بعيدا ودون معرفة أو علم هذه المؤسسات المتخصصة والمعنية برسم السياسات وصياغتها، فلم يعد الحديث ممكنا حول دور غير دور الرئيس الأمريكي ” ترامب” ، بحيث بات من الماضي أي حديث عن دور مهم أو حيوي لوزارتي الخارجية و الدفاع أو لمجلس الأمن القومي في صياغة السياسات الخارجية، إضافة إلى عدم ثقة الرئيس في جهاز الأمن الفيدرالي، وكالة المخابرات الأمريكية  C.I.A  ومخابرات وزارة الدفاع الأمريكية، بل أصبحت أدوارها مجرد أدوار هامشية لصالح رؤية الرئيس وإدراكه الشخصي وثقته الشخصية في مبعوثيه السياسيين فقط الذين يدينون بالولاء المطلق له سواء زوج ابنته ” جاريد” أو صديقه “جرينبلات” أو غيرهم  في القضايا الأكثر أهمية ومنحهم الصلاحيات الواسعة على حساب مؤسسات صنع السياسة الخارجية ، فلم يعد لمستشار الأمن القومي الأمريكي دور يمكن الاعتماد عليه في صياغة البدائل المطروحة بحيث  يختار الرئيس من بينها أنسبها لتوجهاته  وسياساته على خلاف التقاليد السياسية الراسخة في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، بل أصبحت هذه السياسات رهنا بإرادة الرئيس فقط، إضافة إلى تجاهله تماما لجميع المؤسسات المعاونة له والتابعة للبيت الأبيض أو الوزارات والأجهزة المختلفة، وعدم استماعه لنصائح مستشاريه في شئون إدارة البلاد ،  كما يبدو واضحا وجليا إقالتهم أو إجبارهم على الاستقالة إذا تجرأ احدهم وعارض سياساته أو خالفها أو حاول أن يكون له دور أو حاول تفعيل مؤسسته في توجيه الرئيس أو قدم معلومات مخالفة لتوجهاته، استقالات عديدة وصلت إلى العشرات في المناصب المختلفة بشكل لم تشهده أية ادارة سابقة ، وخضوعه بالكامل لجماعات المصالح الاقتصادية ولوبيات الضغط اليهودية في إقرار سياساته تجاه قضايا المنطقة وخاصة ضد القضية الفلسطينية  وتنفيذه للوعود العنصرية التي تعهد بها لهم أثناء حملته الانتخابية والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران واتفاقية المناخ ومعاهدة انتشار الأسلحة النووية مع روسيا، وفرض الرسوم الجمركية مخالفا الاتفاقيات الاقتصادية مع الاتحاد الأوربي والصين وغيرها .

   يقوم ترامب بفعل ذلك دون إدراك لخطورة هذه السياسات وأثارها التي قد تكون كارثية على المستوى المحلي والدولي ، مما أدى إلى  استقالة أو إقالته عدد من المسؤولين لخلافهم مع توجهاته وسياساته التي باتت لدى البعض لغزا حول طريقته في  إدارة السياسات الداخلية والخارجية .

  ولعل الاستقالات والإقالات في الإدارة الأمريكية التي لم تكن غير مسبوقة في أية إدارة أمريكية قد تعبر عن عمق الأزمة السياسية في صنع السياسات الأمريكية، انطلاقا من هيمنة وسطوة الرئيس “ترامب” في فرض رؤيته الشخصية في كل شيء بدون الاعتماد على ما دأبت عليه عملية صنع السياسة الأمريكية الخارجية والداخلية طبقا للتقاليد السياسية السائدة وكان لا يمكن لأي رئيس أمريكي جديد تجاهلها أو مخالفتها ، ولكنه  كان يستحوذ على هوامش محددة تتسع في إحداها وتضيق في البعض الآخر، مثل أن يقوم الرئيس بمنح صلاحيات كبيرة لوزارة أو دائرة على حساب وزارة أخرى أو دائرة أخرى، كتفضيله مجلس الأمن القومي على وزارة الخارجية في صياغة السياسة الخارجية أو العكس .

    ولعل هذا الارتباك في البيت الأبيض الذي أدى لاستقالة العشرات من الموظفين والمسؤولين الكبار يؤكد عدم قدرتهم التوافق مع الرئيس الأمريكي في معظم توجهاته وسياساته تجاه العالم الخارجي، لأمر قد يرجع لحالته المتقلبة  حسب التسريبات التي تنتشر من آن لآخر والتي تشكك في قدراته العقلية ووضعه النفسي غير المستقر، آخرها ما كشفته نيويورك تايمز منذ أيام حول استقالة مستشارة السياسة الأمريكية تجاه السعودية بما يشير إلى عدم التوافق مع توجهات الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص بعض قضايا الشرق الأوسط ، لعدم اعتماده على تقييمات أجهزة الأمن المعنية والمتخصصة كوكالة المخابرات المركزية الأمريكية “C.I.A”، بل تشكيكه ومخالفته لكل ما تتوصل إليه من معلومات تساعد الرئيس في اتخاذ العديد من قرارات السياسة الخارجية الأمريكية، مما يضع المحللين والمراقبين والمتابعين  أما سؤال حائر ، هل الرئيس الأمريكي مؤهل لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com