نعم وألف نعم لضمان الاجتماعي/ هيثم صلاح الدين نجار

نعم أنا مع الضمان الاجتماعي، قد يتساءل البعض لماذا؟ وما الدافع؟

ولقد تم اتهامي بالفعل بالتحيز والانتفاع والحصول على رشوة وتم اقصائي من منّصات التواصل الاجتماعي الرافضة لقانون الضمان الاجتماعي، ولكن وفي خضم احتدام الخلاف بين الرافضين لقانون الضمان الاجتماعي والذين يريدون تطبيقه بأسرع وقت ممكن دون تعديل وبين من يريد القانون على مقياس توقعاته واحلامه، أود التأكيد على بعض النقاط المُشرقة في قانون الضمان الاجتماعي التي يجب ان يتم فهمها لكي تكون أرضية في نقاش خلافنا حول قانون الضمان الاجتماعي

الضمان والميزات

الضمان الاجتماعي هو حق للعامل والموظف وهو حقٌ أساسي من حقوق الانسان، وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الانسان وعدم تطبيقه هو انتقاص من حقوق العمال بكل تأكيد فالضمان حق دستوري لكل فلسطيني، بموجب المادة 22 من القانون الأساسي، التي تُلزم السلطة بإصدار قانون لتنظيم الضمان، بل ان عدم إصداره يعد تقصيراً وإهداراً لحق دستوري للعمال ، فلضمان الاجتماعي ميزات كثيرة، مثل إصابات العمل والعجز والامومة، هذه الميزات وإن كانت ممنوحه لبعض موظفي القطاع الخاص فهي غير ممنوحة لأصحاب المهن الحرفية على سيبل المثال، كما ان للضمان الاجتماعي نظام منافع محدود قد لا يتسع لجميع أحلام العمال و الموظفين ، فهو لا يستطيع تقديم كل المنافع أو التأمينات دفعة واحدة وخصوصاً في المرحلة الأولى من انشاء المؤسسة ، وانما يبدأ بالتدرج في تقديم المنافع، والقانون هنا بدأ بثلاث منافع هامة وهي تقاعد الشيخوخة والعجز والوفاة الطبيعيين، وتأمين إصابات العمل، والأمومة، على أمل أن يواصل لاحقاً تأمين المنافع الأخرى مثل البطالة والتأمين الصحي.

متطلب دولي

 الضمان الاجتماعي ليس فكرة اخترعها فلسطيني ويسقطها على الشعب لتمرير، ولكن هي وليدة نتاج عالمي عمالي، اثبت ضروريات تطبيقه ونجاحه في مختلف البلدان، ومن اهم الدوافع لتطبيقه في فلسطين هي متطلبات منظمات العمال الدولية وخصوصاً اتفاقية العمل الدولية 102، والتي أشرفت على اعداده ونقحت نصوصه، كما ان نصوص القانون تم التوافق عليها في عام 2016 و 2017 من مختلف النقابات المهنية وارباب العمال وأعلنت نتائجها فما الدافع لرجوع للخلف؟

الدارسة الاكتوارية

نسمع الكثير من الأصوات التي تتهم الدراسة الاكتوارية بانها سوف تدفع الصندوق للإفلاس وانها غير مبنية على أسس علمية مع العلم انها لم تعرض للجمهور !! ، أتوقع أنني ومن يهتف ضد القانون لا يُلم بالموضوع الاكتواري ، وناسف اننا لم نسمع أصوات الخبراء في هذا الموضوع في ظل الحاجه لهم ـ كما ان متطلب عرض الدارسة الاكتوارية للجميع هو عرض هزلي  مضحك وغير عقلاني، وإن عرض الدراسة للجمهور فهل في الشارع من يمكنه ان يُلم بعلوم الرياضيات والمخاطر ويختبرها؟  كما ان الفرضيات التي بنيت عليها الدراسة لواجتمع أكثر من عالِم متخصص لتنقيحها لن يتوصلوا الى نقطة توافق على مخرجاتها فتلك هي العلوم وهذا هو مبدئها.

الحكومة والاستدانة من الصندوق

الضمان لا يمكنه الإقراض بحكم نصوص القانون، حيث ان تلك الخدمات مقتصرة على البنوك المؤسسات المرخصة من سلطة النقد الفلسطينية، فاستدانة الحكومة من صندوق الضمان بشكل مباشر ممنوعة بحكم القانون، اما الخيار الاخر هو قيام الحكومة بأصدر سندات حكومية – كوسيلة للاستدانة – وقيام صندوق الضمان بشرائها بهدف الاستثمار هي فرضية موجودة وصحيحة، ولكن ما المانع في ذلك في ظل ان جميع صناديق الضمان في العالم تُقرض الحكومات.

 فسؤال الان، إن قام صندوق الضمان بإقراض حكومة العراق أو فنزويلا من خلال لشراء سندات حكومية فها هذا مقبول  ؟!  هذا الموضوع متعلق بشكل اساسي بنظام الاستثمار ولجنة الاستثمار في مؤسسة الضمان الاجتماعي، فلماذا الحكم المسبق بالفشل النظام الاستثماري لمؤسسة وهل الخيارات الاستثمار الأخرى هي الأفضل؟! هذا الموضوع بحاجة الى فحض وتدارس من خبراء الاستثمار اما إطلاق التهم مسبقاً فهذا غير صحي.

كما انني لا أتوقع ان تقوم الحكومة بإصدار سندات، لان إصدار سند حكومي بحاجة الى تحديد موعد استحقاق مسبقاً لاسترجاع المبلغ المستثمر وفي حال أخفقت الحكومة بالدفع سوف يتم تعميم إفلاس الحكومة ولن تستطيع الحصول على قروض بالمستقبل وخصوصاً القروض التي يمنحها البنك الدولي أو غيرة من المؤسسات الداعمة وسيخلق حالة من الخوف والهلع وستعد سابقة في تاريخ الحكومة الفلسطينية، وباعتقادي لن تقوم الحكومة بإصدار سندات في هذه المرحلة وخصوصاً في ظل عدم وجود عملة وطنية وعدم القدرة على تطبيق سياسة نقدية.

الدولة والضمان

يقول البعض نحن لسنا دولة فلماذا يطبق الضمان الاجتماعي؟ وهنا أقول أن مؤسسة الضمان ليس لها علاقة بالدولة أو لسلطة كما هي البنوك العاملة في فلسطين ، ولكن المؤسسة هي نتاج توافق بيت ارباب العمل والعمال بحكم قانون تم إصداره بقرار من الرئيس وتم بتوافق عليه جميع الأطراف والحكومة في حينه، وبالتالي تلعب الحكومة دور الموفق بين الطرفين بما يضمن العدالة الاجتماعية وحفظ الحقوق، فكون وزير العمل هو رئيس مجلس إدارة الضمان هو قرار سليم و منطقي باعتباره طرف محايد بين ارباب العمل والعمال الممثلين بمجلس الإدارة ، فليس من المعقول ان يكون رئيس مجلس الضمان من احد ارباب العمل ومن العمال لضمان عدم تحيز احد الأطراف للأخر.

الضمان والاستثمار

سيكون لضمان الاجتماعي دور كبير في التنمية الاقتصادية، ويعتبر من أهم الركائز الاقتصادية للدولة، لأن صناديق الضمان قد تصل الى مليارات والتي ستغذي شرايين الاقتصاد الوطني و تخلق فرص العمل، من خلال البدء في الاستثمار في مشاريع تنموية ربحية تحقق عائد لصندوق وتخلق فرص عمل، او تشكل صناديق/محافظ استثمار سيادية تحمي الاقتصاد الوطني والشركات الاستراتيجية كما هو حاصل في التجربة الأردنية الناجحة

 توريث الضمان :

من الخطأ ان يتم الاعتقاد ان الضمان الاجتماعي صندوق ادخار كما هو معمول به في الشركات، أو أن الورثة المستحقين في الضمان الاجتماعي ينطبق عليهم وصف الورثة في مفهوم الشرع، او أن اشتراكاته ينطبق عليها مفهوم التركة والميراث حسب قانون الأحوال الشخصية. إن مقياس الاستحقاق بالنسبة للورثة المستحقين هو موضوع الإعالة، لذلك حصرهم القانون بالزوج الأرمل او الزوجة الأرملة وبالأبناء وبالوالدين، ومعاش المستحق يستمر طالما هو في حدود الإعالة فقط، فلا يجوز تحميل قانون الضمان الاجتماعي متطلبات مالية فوق حدود المطلوبة منه.

  البقاء والضمان

 يوجد لدى البعض اعتقاد بان السلطة الوطنية في مرحلة حرجة لا يمكنها ان تكون ضامن او تضمن استمرار المؤسسة او تحمي مدخرات الموظفين وهي غير قادرة على تأمين نفسها لتقوم بأنشاء مؤسسة تقدم منافع تأمينية ، وهنا أود التأكيد  في حال انهيار السلطة والحكومة فلن تحصل على ودائعك في القطاع المصرفي ، ولن تحصل على مستحقاتك من الشركات التي تعمل بها ، ولن يكون هنالك سيادة للقانون وهنالك مصطلح عامي يفسر الحالة بـ _ خربت مالطا – كتعبير  للانهيار الأخير ، وبالتالي  إن كان كل فلسطيني سيفكر بهذا السيناريو فلن يبقى أي مستثمر في فلسطين أو بنك او مؤسسة ترغب بالعمل أو فلسطيني يرغب بالبقاء في فلسطين، ولكن يجب النظر بإيجابية نحو الأمور  فعلى سبيل المثال سوريا والعراق واليمن كانت دول مستقرة في الوقت التي كانت به فلسطين محتلة ، ولكن في تلك البلدان سقط النظام وعاش الضمان.

في النهاية أود التأكيد انه يجب ان ننظر الى الوجه المشرق دائماً والعمل على انشاء حراك تصحيحي لتعديل بعض النسب أو المعادلات لتحقق مصلحة للعامل ورب العمل ولكن ان نرفع شعار إسقاط الضمان هذا ظلم مطلق بحق العامل ويختزل منه حق دستوري كفله القانون.

Haitham.najjar@gmail.com

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com