بين فشل موسكو ولقاء وارسو.. د.نبيل عمرو

كان بديهيًا أن يفشل لقاء موسكو، إلا أن بعض المشاركين الذين استمتعوا بالضيافة الروسية الباذخة، حيث الكافيار النادر، اعتبروا ما حدث نجاحًا يستحق أن يبشر به الفلسطينيون ويصفقون له، كإنجاز لطبقة سياسية برعت وباللغة فقط في تحويل الفشل إلى نجاح.

من وجهة نظر بعض المشاركين فقد نجح لقاء موسكو في تأكيد أن فلسطين عربية وأن أمريكا و”إسرائيل” متآمرتان على الحقوق الفلسطينية، وأن إنهاء الانقسام البغيض بحاجة إلى زيارة سعيدة لعاصمة جديدة والباب مفتوح لمن يرغب لاستضافة المتحاورين.

لو كان لقاء موسكو هو الأول من نوعه لاعتبرنا التفاهم الذي تم فيه على البديهيات اللغوية هو نجاح يستحق زيارة أخرى، والمقترح الجديد ربما يكون استانة او سوتشي.

أما حين يكون ما حدث في موسكو هو نتاج حوار استغرق مائة وأربع وأربعين شهرًا بالتمام والكمال، فإن الأمر صار بحاجة إلى إنقاذ الفلسطينيين من إدمان طبقتهم السياسية على السياحة الحوارية، تلك السياحة “المجيدة” التي كلفت حتى الآن عشرات ملايين الدولارات ماليا، أما سياسيًا فقد كرست عند الشعب الفلسطيني يقينا باستحالة الوحدة وانتقال الانقسام الكارثي إلى انفصال أكثر كارثية.

وفق قراءة بسيطة للواقع والمعارك المتبادلة بين طرفي الانقسام، كان من السذاجة المفرطة توقع اختراق ولو طفيف، بل كان المتوقع بداهة هو اختراق إلى الخلف، فكان نتاج موسكو الذي استاء منه الروس هو تجديد التناقض بين الفرقاء، حول كل القضايا الأساسية، ولأن الروس لا يحبون إظهار فشلهم الذريع وخيبة أملهم في ضيوفهم، فقد خففوا اللهجة إلا أنهم قرروا أن لا يفعلوها مرة أخرى.

ذهبنا إلى موسكو الصديقة والمحبة والداعمة، واعتبرنا صقيعها المناخي أكثر دفئًا من حرارة غيرهم، وسعد الروس من استجابة كل الفصائل لدعوتهم، إذ قرروا توجيه رسالة إلى وارسو بأنهم يستثمرون في ورقة رابحة اسمها الفصائل الفلسطينية التي تشارك موسكو في الاعتراض على صفقة القرن وعلى ترتيبات وارسو.

النتيجة ان اسقط في يد الصديق الروسي، وتلقى الخصم الأمريكي والإسرائيلي جائزة مجانية في وارسو التي لم يكن بأي حال مضمون النجاح في أي اتجاه.

لفت نظري قول احد المشاركين في الحوار حول مائدة الكافيار، ان لقاء موسكو نجح في فتح الباب أمام لقاء آخر في القاهرة وسيكون رقمه فوق المائة، فلم لا يعتبر مدمنو الحوار وكارهو الاتفاق أنهم ينجحون ما دامت الطائرات جاهزة لنقلهم إلى عاصمة جديدة، وما دامت الفنادق الباذخة تفتح ذراعيها لاستقبال حواراتهم المديدة، أما غير المستفيدين من حوارات السياحة السياسية فليس أمامهم بعد مائة وأربعة أربعين شهرًا من مفاوضات وجهائهم إلا أن يكتموا غيظهم ويواصلون خيبة أملهم ويتحسرون على أن الأنفاق على الحوار يؤخذ من جيوبهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com