بعدما فشل حوار موسكو؟.. د.هاني العقاد

مثل لقاء موسكو للفصائل الفلسطينية فرصة نادرة الحدوث في مرحلة بالغة التعقيد في الحالة الداخلية الفلسطينية، ليخرجوا من النفق الأسود الذي يطبق عليهم رويدا رويدا للحد من الخسائر على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإنسانية والاقتصادية. أشرفت وزارة الخارجية الروسية على ذلك ورعي السيد سيرغي لافروف اللقاء واطلع على برنامج الحوار وتفاصيله لكن للأسف جاء هذا اللقاء بمزيد من خيبات الأمل لأبناء الشعب الفلسطيني وعقد المشهد. كان متوقعا أن لا يأتي لقاء موسكو بنتائج ايجابية على صعيد ملف المصالحة الفلسطينية وكان متوقعا ألا يحرك حتى بعض الرياح التي تدفع بقارب المصالحة إلى الشاطئ، كان متوقعا أن يفشل الفلسطينيون تماما في التغلب على مشكلاتهم الداخلية التي أعاقت وحدتهم وازمت حياة شعبهم إلى درجة الانهيار التام، لكن لم يكن متوقعا أن يفشل الفلسطينيون في التوصل لبيان تجمع عليه كل الفصائل الفلسطينية باختلاف أيدلوجياتها يبقي جزءا من وطنيتهم صالحة للتداول ويجمع الفلسطينيين على رفض ما يستهدف قضيتهم ويعجل بتصفيتها وتصفية أهم قضاياها الكبرى كالقدس واللاجئين وبالتالي يفشلوا في ومواجهة البركان العاتي الذي بدأت حممه تنصب باتجاه وطنهم وقضيتهم وعلى مرآي ومسمع منهم دون أن يبادروا برد فعل وطني مسؤول.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وضع يده على مواطن الخلل في العلاقة الفلسطينية- الفلسطينية وعبر عن ذلك بصراحة للفلسطينيين هناك وقال لهم كلاما في حقيقته موجع، لكن لتجلد ضمائرهم لم يؤثر فيهم بأي شكل من الأشكال قال “الانقسام الفلسطيني يمثل ذريعة للترويج لصفقة القرن الأمريكية” كما وأوضح لافروف للفلسطينيين أن اتفاق القاهرة 2017 هو أساس التوصل لمصالحتهم وطلب من الفلسطينيين توحيد صفوفهم وتمثيل أنفسهم بشكل جيد في أي مفاوضات قادمة مع “إسرائيل” ومن دون توحيد الصفوف فان الأطراف الخارجية ستحاول تعميق الانقسام وإفشال المحاولات وطالب الفلسطينيين بوجوب ازالة المصالح الفصائلية الضيقة والتوافق بشأن اعلان موسكو الذي سيكون خطوة لتعزيز الطريق نحو انهاء الانقسام. بالرغم من الوضوح الكبير في كلام السيد لافرورف وما يحمله من رسائل بالغة الدقة الا ان الفلسطينيين هناك لم يفهموا ما تحدث به السيد لافروف ولم يأخذوا بنصائحه وتمترسوا عن مصالح فصائلهم وأحزابهم الضيقة ولم يخرجوا بأي نتائج ايجابية تساهم في كسر حالة الجمود بين الإطراف المتصارعة على الحكم والانقسام على الأرض.

يقول البعض أن حوار موسكو فتح الطريق أمام حوارات أخرى في القاهرة في القريب، وأنا أقول أن لقاء موسكو أغلق الطريق تمامًا أمام أي محاولات مصرية للقاءات تناقش أوراق اتفاق جديدة وحدد فقط إمكانية لضغط مصر باتجاه تنفيذ الاتفاقات السابقة، والبدء بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعد لانتخابات عامة وتتمكن من العمل في غزة كما بالضفة….. لكن نتائج حوار موسكو برهنت على وجود مسافات ودول وقوى وخطط تسوية تحول بين الفلسطينيين ووحدتهم او حتى اصطفافهم وراء ممثل سياسي شرعي واحد…

أمام كل هذا لا اعتقد أن تعيد القاهرة ملف المصالحة لجامعة الدول العربية وستبقى تحاول فكفة تعقيداته بحوارات تحقق الحد الادني من العلاقة المصرية الحمساوية من طرف وعلاقة مصرية رسمية مع القيادة الفلسطينية من طرف اخر واعتقد ان ملف المصلحة سيبقى بيد المخابرات المصرية وكذلك ملف التهدئة في قطاع غزة لان هناك ارتباط وثيق بين الملفين فلا تنازل عن ملف وإبقاء الأخر بيد مصر فإما أن تنفض مصر يدها من الشأن الفلسطيني تماما وهذا مستحيل وإما أن تبقى تحاول الضرب على رؤس الفلسطينيين الناشفة حتى تلين يوما من الأيام ويقبل الفلسطينيين بتطبيق ما اتفقوا عليه في القاهرة، وهذا اقرب التوقعات.

فشل حوار موسكو بات يعني أن الفلسطينيين ذاهبون كل في اتجاه حماس ومجموعة الفصائل التي تدور في فلكها في اتجاه ممثل وسلطة بديلة وفتح وفصائل منظمة التحرير التي بقيت على عهدها والتزامها بميثاق المنظمة في اتجاه آخر، واعتقد أن الرئيس أبو مازن بات أمام إجراء حتمي لتشكيل حكومة فصائلية من فصائل منظمة التحرير وحماس باتت تسير في طريقها لإعادة عمل اللجنة الإدارية التي قامت بحلها بناء على اتفاق القاهرة 2017 ووصول حكومة الوفاق الوطني لتولي مهامها في غزة.

فشل التوقيع على إعلان وطني تشرف عليه موسكو ليس اقل خطرا من وجود حكومتين وكيانين فلسطينيين ودلالاته خطيرة وتفسر ذهاب كل من حماس وفتح كل في اتجاه، أهم تفسيراته أن هناك أطراف غريبة عن الجنس الفلسطيني تدفع باتجاه فشل أي محاولات لجسر الفجوات الوطنية وخروجهم متفقين على أسس تحمي قضيتهم وتحافظ على حقوقهم الوطنية من الاندثار والتفكك بل وتدفع باتجاه بقاء هذا الانقسام ليتسنى لهم مساعدة الأمريكان في تمرير صفقتهم المشؤومة….

هذا يعني أن البعض يفضل إفساح الطريق للمشروع الأمريكي على البقاء في الخيمة الوطنية يناضل ويقاوم هذا المشروع ويفضل عدم التعرض لمعركة يقول فيها أسياده انه سيجوع أن ظهر في صفوف المتصدين لمشروع أمريكا صفقة القرن… فشل التوقيع على إعلان موسكو الهام لا يعني أن هذه الفصائل تبحث عن ذاتها ومصالحها التي تعتبرها فوق مصالح العباد والبلاد فقط، بل أنها متورطة في مشاريع أخرى غير المشروع الوطني واخذ غزة إلى مربع خارج الشرعية الفلسطينية والحكم الفلسطيني الواحد وبقائها خارج إطار أي وحدة جغرافية أو سياسية مع الضفة والقدس.

ولعل رفض بعض الفصائل التوقيع على مثل هذا الإعلان تشريع الانقسام أمام موسكو وتكبير للجبهة المقابلة لمنظمة التحرير لتصبح البديل مع مزيد من حرق الوقت المفيد فقط لأمريكا “إسرائيل” وإضعاف تصدي منظمة التحرير للخطة الأمريكية المزمع الإعلان عنها بعد أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية.

Dr.hani_analysisi@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com